عندما شرعت فى الكتابة عن سيناء كنت قد اخترت عنواناً للمقال هو (ياللا بينا على سينا!!) كرد فعل لما أعلنه بعض المسئولين فور إعلان البدء عن مشروع المستقبل الخاص بقناة السويس، حيث انتظرت ترجمة ما تصدروا به المشهد من تصريحات مفادها الأول القفز فى مركب المظهرية فى تفاعل مفتعل مع الحدث. وبالطبع كانت وسائل الإعلام هى الموصل الجيد لمعزوفة الريادة المفتعلة والتى كانت أكثرها صخبًا مثالا لا حصرًا ما صدر عن وزير الآثار وأيضًا أحد القائمين على رئاسة إحدى الجامعات الذى حظى بالمنصب فيما بعد.حقيقة أن الهدف من المقال ليس تناول السلوك فى ذاته ولكن لا بأس من تسليط الضوء على أسلوب أحسب أو ينبغى أن يكون الدهر قد تجاوزه وأن فكر الدولة فى المرحلة القادمة لا يأبه بمثل هذه التصرفات التى تعيد للذهن هرولة الجمع نحو الوطنى بدلا من حزب مصر إنجاحًا للمشروع الرئاسى الحزبى أو المشاركة فى مشروع توشكى أملاً فى تكرار نموذج مديرية التحرير. فرئيس الجامعة الذى اتخذ المبادرة قرر تواكبا مع مشروع القناة أن يؤسس مركزًا باسم جامعته فى سيناء بهدف متابعة أثر المشروع على تنمية المنطقة، ولو أخلص القول لكان قد أسس هذا المركز - من باب أولى - بعاصمة إقليمية ليتابع مشروعات التنمية بالمحافظة التى من المفترض أن تكون على رأس أولويات مشروعات جامعته بحكم فلسفة إنشاء الجامعات الإقليمية. ولكون الأمر لم يخرج عن إطار التصريح الصحفى فقد ذهب أدراج الرياح معتمدًا مثل نظيره فى حالة وزارة الآثار على غياب المتابعة لإسهال التصريحات الرسمية وأن ذاكرة الناس قد لا تستوقفها كثيرًا مثل تلك الأمور، وهم لا يدركون أن الذاكرة الوطنية قد تتناسى ولكنها أبدًا لا تنسى. فقد جاءت مشاركة الآثار بمؤتمر صحفى أعلن فيه وزيرها العزم على التركيز على آثار سيناء لإنعاش السياحة بالمنطقة ولمواكبة خطط التنمية بها مع المشروع العملاق، واعدًا بالإعلان عن افتتاح قلعة من قلاع سيناء كل ثلاثة شهور.. (هكذا!!).. ومن يدرك طبيعة المكان يعلم أن الحفائر قد كشفت عن مخططات لمبان ربما كانت قلاعًا أو مناطق للتجهيزات العسكرية، ومن ثم فلا أسوار ولا أبراج ولا أى ملمح مقام كشاهد يغرى بالزيارة ناهيك عن الجدل العلمى أصلا.. وهكذا صارت مثل هذه التصريحات وما على شاكلتها لدى الغير من المسئولين لا تتجاوز مفهوم (النقوط) الواجب فى الفرح الكبير.!! غير مدركين بفعلتهم أنهم يعكسون سلوكا شربت منه مصر بالصاب الشىء الكثير. إن سيناء التى فرضت نفسها على التاريخ المصرى العسكرى والسياسى والحضارى منذ بواكير الدولة المصرية تحتاج منا لاعتذار عملى يتفق وقيمتها الفعلية، فهى المنطقة التى اتخذت من إله القمر (سين) اسمها وارتبطت واحدة من أقدم الكتابات وهى (البروتوسينائية) باسمها. كما تمت عبرها كافة العلاقات الخارجية للإقليم السورى وما وراءه، وكانت ولا تزال بوابة الانفتاح على المشرق العربى وآسيا بقدر كونها مولج الغزاة للإقليم المصرى المأهول من الهكسوس قديمًا وحتى بنى إسرائيل حديثاً لكونها العمق الاستراتيجى والمنطقة العازلة بيننا وبين المتربصين على حدودنا التاريخية. هذا التربص الذى بلغ مداه من أبناء الوطن أنفسهم خلال «سنة الإخوان» حيث باتت معالم الاستهداف تسفر عن وجهها القبيح الذى لم تفلح فيه مساحيق التجميل، ممثلة فى ذلك الترتيب الخاص بجعل سيناء منطقة خارج إطار الدولة من خلال مجلس الخمسة عشر توطئة لتقديمها على طبق من ذهب لأعداء مصر باسم التنمية فى نموذج صارخ لتخطى مفهوم الوطن بتطبيق مبدأ الأممية. وما من شك أن مشروع قناة السويس الجديد حين استكمال الانتهاء من كافة مراحله سوف تتحقق بمشيئة الله الأهداف المأمولة منه والتى من أهمها ربط الإقليم بالوطن، من خلال مصالح مستدامة يلمس عائدها القاصى والدانى وبما يؤكد على قيمة مفهوم التأمين بالإعمار والتوطين. وهو ما يتجاوز الرؤية الضيقة لفكرة الدروع البشرية التى لا يمكن أن يكون تأمين سيناء من خلالها فضلا عن أن مجريات الأمور قد أكدت على قيمة العمل الجاد فى جعل تنمية سيناء قيمة مضافة لمشروعات المستقبل بعيدًا عن التصريحات الجوفاء واللامسئولة ممن لا يقدرون خطورة العبث بمقدرات الوطن ولو بالكلام المرسل. لا سيما أن كل الدراسات قد أكدت مدى تنوع ثراء سيناء بما يضمن تحقق تنميتها وازدهارها برؤى غير تقليدية، تجعل منها نموذجا يحتذى فى الاستثمار ومنطقة جذب تتميز بالجديد فى عالم التمدين دون إغفال لخصوصيتها البشرية والجغرافية. إن سباقات الزمن تقتضى الاستمرار فى وضع برامج المشروعات التى تتواكب مع كل مرحلة من مرحلة إنشاء التوسعة الجديدة، حتى إذا ما انتهينا لم نجد هدفا قد صار عبئا على الآخر أو بات معوقا لتحقق الآخر. كل ذلك فى تناغم يستند على الفكرة العبقرية بالتقسيم الإدارى المقترح لأرض الفيروز فضلا عن وجود مجلس قومى خاص بسيناء يهدف إلى ضبط إيقاع العمل وتناغمه فى شتى المشروعات يكون تابعاً لرئاسة الجمهورية، حتى لا يصبح أسيرًا لفكر المحليات الذى أصبح هو ذاته محتاجا لإعادة تقويم إذا ما نشدنا تطورًا شاملا وتنمية حقيقية فى كل ربوع المحروسة. وتأسيسًا على ما سبق كم نأمل فى المرحلة المقبلة أن يكون هناك مشروعقومى ببرنامج زمنى يغير من وجه الحياة على أرض سيناء حتى تتكامل عطاءات البحر والقناة مع إنجازات البر، ولا ضير من استلهام تجارب من سبقونا لتصبح لسيناء شخصيتها المتفردة مثلا فى الصناعة والتعليم والزراعة بل والثقافة بمفرداتها المنظورة. والأهم أن تتم هذه الإنجازات الطموحة بعيدًا عن (نقوط) الانتهازية، التى إذا ما أصر عليها أهلها فليجعلوا (سُكاتهم) - أى صمتهم - خير ما يقدمونه من (نقطة) لفرح الإنجاز المنشود.