لم تعد قصة الإبهار البصرى فى أفلام الخيال العلمى أمرا غريبا، أصبحت حكاية عادية، خاصة إذا كان هناك تمويل ضخم لفيلم مثل أحدث أفلام كريستوفر نولان الذى يمكن ترجمة عنوانه باللغة العربية إلى «بين النجوم»، العمل تكلف حوالى 165 مليون دولار، فجاء أقرب إلى اللوحات الفنية المتحركة، التى تحملك على أجنحة الخيال إلى عالم ساحر وملهم، لكن هناك ملاحظات لا يمكن تجاوزها على الفيلم الذى يحقق الملايين فى العالم كله، أولها فى استخدام الكثير من المعلومات العلمية المعقدة نسبيا، التى جعلت عددا معتبرا من مشاهدى الفيلم، يعلنون بصراحة وسط الاستراحة أنهم «مش فاهين أى حاجة». حدث هذا فى دار العرض التى شاهدت فيها الفيلم ، تاه الجمهور بين قوانين نيوتن، وفكرة نسبية الزمن عند أينشتاين، وقانون «ميرفى»، وهو بالمناسبة اسم ابنة بطل الفيلم. بالتأكيد تحتاج أفلام الخيال العلمى إلى الاستناد على أساس علمى، ولكن ليس إلى هذه الدرجة التى تتطلب، مثلما تندر أحد الشباب، إلى دروس تقوية فى مادة الفيزياء، لابد من توازن دقيق بين العلم والخيال، لا يوجد ميزان لهذا الأمر، ولكن يمكنك بسهولة أن تشعر بأى خلل فى هذه المعادلة، التجلى الأكبر لهذا الخلل يكون بأن تتعقد الحبكة، ويتوه المتفرج، وهو أمر حدث على مستوى المشاهد، كما أننى أصبت بالصداع بسبب زيادة التركيز لفهم نظريات لا أعتقد أن السيناريو قد نجح فى توضيحها مدة الفيلم تصل إلى ثلاث ساعات إلا ثلث تقريبا. الملاحظة الثانية الواضحة هى أن كريستوفر نولان، الذى اشترك فى كتابة السيناريو مع شقيقه، زاد قليلا من جرعة الأفكار التى تعطى لعمله بعض العمق، أحيانا يتوقف عند فكرة الزمن، العدو الحقيقى للإنسان، بالتناقض الكبير بين عمر فريق رواد الفضاء وعمر أبنائهم، وأحيانا يناقش أن المشكلة فى داخل الإنسان، وليست فى خارجه، فى جشعه وطمعه، فى أنانيته، وفى غريزة البقاء التى تحكم تصرفاته، يتضح ذلك من الصراع بين شخصيات الفيلم، وبين رواد الفضاء أنفسهم عندما يضطرون إلى اتخاذ قرارات مصيرية، وفى شخصية د مان (لعب الدور مات دامون) الذى أرسلوه إلى الفضاء، معتقدين أنه شخصية مثالية، ثم سنكتشف غير ذلك، الحقيقة أن «تارس»(بصوت بيل إيروين) الإنسان الآلى الذى أحببته كثيرا بسخريته وقدرته على مساعدة أصدقائه البشر، يبدو أكثر إنسانية من البشر أبطال الفيلم، حتى البروفيسور جون براند الذى قام بدوره النجم المخضرم مايكل كين، نكتشف فى النهاية أنه كاذب، هذا فيلم يدافع عن بقاء الإنسان حتى لا ينقرض على الأرض، يحاول أن ينقله إلى الفضاء، يبحث العلماء عن كوكب بديل، ولكن الفيلم ينسى أنه يقدم صورة مزعجة للإنسان وأنانيته وضعفه وسلبيته ، فهل هو حقا جدير بالبقاء سواء على الأرض أو بين النجوم؟ سؤال سيخطر على بالك بقوة، ولن تجد له أى إجابة. من الأفكار المكدسة فى الفيلم أهمية الحب، الذى تقول عالمة البيولوجيا أميليا براند إنه الشىء الوحيد الذى يتجاوز الزمان والمكان، تزاحمت أفكار الفيلم، فأثقلت الدراما المثقلة أصلا بشرح وتفسير، قوانين نيوتن وميرفى، ونظريات أينشتاين، من هنا فإن وزن الفيلم الفنى ينقص كثيرا فى رأيى عما قرأت عنه من آيات التمجيد، الفيلم عناصر متشابكة، وليس فقط مجرد إبهار بصرى، أو حتى أفكار خيالية مبتكرة، بناء السيناريو مهم للغاية، وتوصيل المعلومات العلمية أساسى، وفى فيلمنا الكبير والضخم حلقة مفقودة أساسها زيادة الجرعة العلمية والفكرية، وعدم قدرة الدراما على توصيلها بشكل جيد أو متوازن.