إعلان الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن التوصل لاتفاق مع كوبا على تطبيع العلاقات معها وفتح سفارة أمريكية فى العاصمة هافانا ليمثل مفاجأة للعالم ويثير التساؤلات حول أسباب هذا التحول التاريخى ومدى تأثيره على النظام الشيوعى فى كوبا. وأعلن الرئيس الأمريكى فى 17 ديسمبر الماضى أن الولاياتالمتحدة ستفتح صفحة جديدة فى العلاقات مع كوبا معتبرا أن هذه التغييرات هى الأكثر أهمية فى سياسة بلاده تجاه كوبا على مدار السنوات الخمسين الماضية. وأضاف أوباما أنه يتطلع لمناقشة رفع العقوبات الاقتصادية مع الكونجرس، منوها إلى إن تنشيط التجارة مفيد للأمريكيين والكوبيين على حد سواء، ومؤكدا أن سياسة العزل لم تنجح وأن الوقت قد حان لتغيير أسلوب التعامل. ومن جانبه، اثنى الرئيس الكوبى راؤول كاسترو فى كلمة أمام جلسة للبرلمان فى العاصمة هافانا على الخطوة التى اتخذتها الإدارة الأمريكية بالانفتاح على بلاده، وقال إنه مستعد لمناقشة أى موضوع مع الأمريكيين بعد اتفاق التقارب التاريخى وإنه سيحضر القمة القادمة لدول الأمريكتين التى تدعمها واشنطن والمزمع انعقادها فى بنما فى إبريل المقبل، إلا أنه أكد فى الوقت نفسه أن هافانا لن تغير نظامها الاشتراكى. وجاءت هذه التطورات عقب إفراج كوبا عن موظف المساعدات الأمريكى آلان جروس الذى اعتقل فى ديسمبر 2009 وحُكم عليه بالسجن 15 عاما لتورطه فى تهريب معدات إنترنت قالت هافانا إنها تأتى فى إطار عمليات تجسس، وذلك فى مقابل إطلاق سراح ثلاثة كوبيين مسجونين فى فلوريدا منذ عام 1998بتهمة التجسس. وبموجب الاتفاق ستقيم الولاياتالمتحدة علاقات دبلوماسية كاملة مع كوبا، إضافة إلى تطبيع العلاقات المصرفية والتجارية،وكذلك إعادة النظر فى تصنيف كوبا كدولة داعمة للإرهاب، والتعاون مع هافانا بشأن مكافحة الإرهاب والمخدرات، ورفع حظر سفر المواطنين الأمريكيين إلى كوبا. ورغم هذا الانفتاح الجديد، لازالت بعض العقبات تعترض طريق إصلاح العلاقات بين البلدين، أهمها المعارضة القوية ضد إعادة العلاقات مع كوبا من قبل اللوبى الكوبى فى أمريكا المحسوب على اليمين والذى يعتبر أن التقارب يصب فى مصلحة كاسترو. كما أن هناك قطاعات واسعة فى الكونجرس الأمريكى تعارض التقارب مع هافانا ويتوعدون بالتصدى لرفع الحظر المفروض عليها، حيث يؤكدون أن أوباما قدم تنازلات لنظام سياسى استبدادى دون الحصول على مقابل بإجراء إصلاحات ديمقراطية. وإذا كانت موافقة كوبا على التقارب مع الولاياتالمتحدة مفهومة فى ضوء تعب المواطنين الكوبيين من الحصار الاقتصادى المفروض على بلادهم منذ عقود، وتشكك كوبا بإمكانية استمرار تدفق النفط الفنزويلى المدعوم بأسعار مخفضة نظرا لحالة عدم الاستقرار الاقتصادى التى تعانى منها فنزويلا، فإن التحول التاريخى فى سياسة واشنطن تجاه كوبا أثار الكثير من علامات الاستفهام. ويرى محللون أن قرار الرئيس الأمريكى بفتح باب العلاقات مع كوبا يعتمد أولا وقبل كل شىء على حسابات السياسة الواقعية حيث يتضمن اعترافًا بأن السياسة الحالية تجاه كوبا قد فشلت فى تحقيق أهدافها بالقضاء على النظام الشيوعى وإسقاطه من الحكم، كما أنه أضر بالمكانة الأمريكية فى أمريكا اللاتينية حيث معظم الحكومات تحافظ على روابط دبلوماسية مع كوبا وتنتقد الولاياتالمتحدة لاستمرارها فرض الحصار الاقتصادى على الجزيرة. ومن ناحية أخرى، يرى بعض المحللين أن إعلان الولاياتالمتحدة بدء تطبيع العلاقات مع كوبا جاء نتيجة لضغوط شركات أمريكية تسعى إلى الاستثمار والتجارة فى الجزيرة المجاورة. وفيما رحبت موسكو بقرار تحسين علاقات واشنطن بجارتها كوبا، اعتبر بعض المحللين الروس أن الولاياتالمتحدة من خلال تحسين العلاقات مع هافانا تحاول بشكل غير مباشر إبعاد كوبا بعيدا عن التحالف التقليدى مع روسيا. وعن مدى تأثير التطورات الأخيرة على النظام الكوبى، يخشى بعض الخبراء الأمريكيين من أن لا يؤدى الانفتاح على كوبا إلى انتقالها بسهولة من حكومة شيوعية إلى أخرى رأسمالية، بل إن العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع كوبا ستعزز اقتصاد هافانا وبالتالى سيمكن تطبيع العلاقات من إطالة حكم الأخوين كاسترو وسيزيد احتمال أن يخلفهما جيل آخر من الشيوعيين.