تبنى الدستور المصرى الجديد ما سبق أن دعونا إليه فى مجلة أكتوبر من قيام الدولة القانونية بكل معانيها وضرورة سيادة القانون على جميع سلطات الدولة وعلى الحكام والمحكومين، وضرورة التجريم والعقاب على الأفعال الخارجة على القانون، ومنها الجرائم عموماً والجرائم الانتخابية على وجه الخصوص. وقد حاولنا تبسيط الجرائم الانتخابية وإبداء رأينا فيها لتصل إلى مستوى القارئ العادى حتى يتمكّن من فهمها، والمشاركة الفاعلة فى الحياة السياسية دون الخروج على القواعد القانونية التى يترتب عليها ارتكاب جرائم جنائية. ويلعب الرأى العام دورًا كبيرًا إلى جانب الصحافة فى نشر الثقافة القانونية المتعلقة بالجرائم الانتخابية ومراقبة التطبيق الصحيح لنصوص الدستور والقانون بشأن إجراءات الانتخابات والجرائم التى تقع خلالها والعقوبات الجنائية المترتبة على الخروج على قواعد الدعاية الانتخابية. وقد تناولنا فى مقال الأسبوع قبل الماضى القواعد الدستورية والقانونية الواجب إتباعها فى الدعاية الانتخابية كما تناولنا فى مقال الأسبوع الماضى جرائم الدعاية الانتخابية والنتائج المترتبة على مخالفة القواعد الدستورية والقانونية للدعاية الانتخابية، وسوف نتناول فى هذا المقال باقى القواعد القانونية التى تنظم الانتخابات الرئاسية، والتى يترتب على مخالفتها ارتكاب الشخص لجرائم جنائية تتعلق بإجراءات الانتخابات والتصويت والفرز وإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وقواعد الانتخابات الرئاسية المذكورة منصوص عليها فى قانون الانتخابات الرئاسية رقم 22 لسنة 2014 ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس اللجنة العليا للانتخابات رقم واحد لسنة 2014، وقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية وتنقسم جرائم الانتخابات الرئاسية إلى نوعين من الجرائم هى جنح الانتخابات الرئاسية وجنايات الانتخابات الرئاسية، وسوف نتناول جنح الانتخابات الرئاسية فى البنود التالية: أولاً: جنحة قيام الشخص بتزكية أكثر من مرشح فى الانتخابات الرئاسية : أوجب قانون الانتخابات الرئاسية أنه لا يجوز قيام الشخص بتزكية أكثر من مرشح فى الانتخابات الرئاسية ونحن نرى أن هذا التصرف من جانب الشخص المخالف جنحة مغلظة تستوجب أقصى عقوبة وهى عقوبة الحبس التى لا تقل عن الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر ونحن نستند فى رأينا إلى أنه قد يترتب على هذه الجريمة حرمان أحد المرشحين فى اللحظة الأخيرة من دخول الانتخابات الرئاسية بسبب هذا المزكى الغشاش أو المؤيد للترشيح الذى خدع كل من المرشحين وقام بتزكية خادعة قد تؤدى إلى فقدان كل منهما لتزكيته وخير تطبيق لهذه الجريمة هو قرار لجنة الانتخابات الرئاسية فى الانتخابات السابقة بحرمان المرشح الرئاسى السابق اللواء عمر سليمان من قبول أوراق ترشيحه لقلة العدد المزكى عن العدد القانونى ولوجود أشخاص قاموا بتزكية أكثر من مرشح وقد تم أخذ رأينا الشخصى - باعتبارنا من المتخصصين فى هذا المجال – عن مصير التزكية الثانية أو الثالثة التى قام بها المرشح المتهم وقد أبدينا رأينا أن الأصل هو بطلان تزكيات هذه المزكى المتهم وذلك استنادا منا إلى القاعدة القائلة: «أن الغش يفسد كل شىء» ولكننا رأينا كذلك تطبيقاً للقاعدة الشرعية الأخرى التى تقضى بأن: «الضرورات تبيح المحظورات» فإنه من باب التسهيل يصح تزكية ذلك المتهم الأولى دون الثانية أو الثالثة إذا تعددت تزكياته. كما أننا نرى أنه يجب أن تتعدد الجرائم ضد هذا المتهم كلما زادت أعداد تزكياته لأنها تعتبر جرائم منفصلة غير متصلة لاختلاف الأشخاص الذين قام المتهم بتزكيتهم. تتضمن هذه الجنحة قيام الشخص مزكى المرشح للانتخابات الرئاسية بالإثبات على خلاف الحقيقة فى نموذج تزكية المرشح للانتخابات الرئاسية، عدم سبق تزكيته أو تأييده لطالب الترشح نفسه أو لغيره على خلاف الحقيقة فى حين أنه قد قام بتزكية مرشح آخر وهذه الجنحة منصوص عليها بالمادة الثانية والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ثانياً: جنحة التخلف عن الإدلاء بالصوت فى الانتخابات الرئاسية: تقوم هذه الجنحة إذا امتنع الناخب عن القيام بواجبه وحقه الدستورى فى الإدلاء بصوته فى انتخابات رئيس الجمهورية حالة كون اسمه مقيدا بقاعدة بيانات الناخبين، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة الثالثة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة بالغرامة التى لا تجاوز خمسمائة جنيه. ونحن نرى ضرورة تشديد العقاب عن التخلف عن الإدلاء بالصوت ليكون بالحبس بدلاً من الغرامة، وذلك لأن التقاعس عن أداء هذا الواجب لا يقدر بأى مال. ثالثاً: جنحة استخدام القوة أو العنف مع رئيس أو أى من أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية بقصد منعه من أداء العمل المنوط به: تتوافر جنحة استخدم القوة أو العنف مع رئيس أو أى من أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية بقصد منعه من أداء العمل المنوط به أو إكراهه على أدائه على وجه خاص، ولم يبلغ بذلك مقصده، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة الرابعة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية، وقد أوضحنا فى المقال السابق الجناية المشابهة لهذه الجنحة إذا بلغ الجانى مقصده وعقوبتها تبدأ بالسجن. ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. رابعاً: جنحة تهديد رئيس أو أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية : تقوم جنحة تهديد رئيس أو أحد أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية إذا قام بها المتهم وأن يكون ذلك بقصد منعه من أداء عمله المكلف به، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة السادسة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على سنتين. خامساً: جنحة إهانة رئيس أو أحد أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية: تتوافر جنحة الإهانة بالإشارة أو القول لرئيس أو أحد أعضاء لجان انتخاب رئيس الجمهورية ويشترط أن يكون ذلك أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة السابعة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه, أو بإحدى هاتين العقوبتين. سادساً: جنحة استخدام الشخص وسائل الترويع أو التخويف ولم يبلغ الجانى مقصده: تتضمن هذه الجنحة استخدام الشخص وسائل الترويع أو التخويف بقصد التأثير فى سلامة سير انتخاب رئيس الجمهورية ومع ذلك فإنه لم يتمكن من بلوغ مقصده، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة الثامنة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين. سابعاً: جنحة استخدام الشخص وسائل الترويع أو التخويف وبلغ الجانى مقصده من ذلك : تقوم جنحة استخدام الشخص وسائل الترويع أو التخويف بقصد التأثير فى سلامة سير انتخاب رئيس الجمهورية, إذا بلغ مقصده بأن قام بالتأثير فى سلامة سير انتخاب رئيس الجمهورية، وهى الجنحة المنصوص عليها بالمادة الثامنة والأربعين من قانون الانتخابات الرئاسية. ويعاقب على هذه الجريمة : بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات. ونحن ندعو المرشحين والناخبين إلى عدم ارتكاب أفعال الجنايات أو الجنح المنصوص عليها فى قانون الانتخابات الرئاسية تجنباً للوقوع تحت طائلة القانون. تناولنا فى هذا المقال جنح الانتخابات الرئاسية وهى الجرائم الأكثر حدوثاً والأكثر عدداً، وسوف نتناول فى المقال التالى باقى جنح الانتخابات الرئاسية يليهما مقال جنايات الانتخابات الرئاسية وهى الجرائم الأكثر خطورة على الانتخابات الرئاسية.