سادت أجواء من التفاؤل عقب اتفاق السعودية والإمارات والبحرين مع قطر بشأن وقف التدخل القطرى فى الشئون الداخلية لبلدان الخليج ومصر وبقية البلدان العربية، إلا أن توقيع قطر على «وثيقة الرياض» وتنفيذ الدوحة التزاماتها شىء آخر. ففى ضوء الخبرة التاريخية فإن قطر اعتادت المراوغة وأن تفعل عكس ما تقول. التحركات القطرية خلال الشهر الماضى كانت تواصل لعبة المناورة، بإطلاق التصريحات المتشددة على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، وتحريك المأجورين على وسائل التواصل الاجتماعى لتغذية أجواء الفتنة، والتلويح بتحالفات مع قوى إقليمية. وحاولت قطر أن تفاوض السعودية على حدة لشق صف الدول الخليجية الثلاث، ولكن محاولاتها اصطدمت بإرادة سياسية واعية، وجاءت لغة تصريحات وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل لتضع النقاط على الحروف. ورفضت السعودية والإمارات والبحرين أى نوع من الوساطة دوليًا أو إقليميًا وأصرت على موقفها بضرورة أن تراجع قطر مواقفها واستراتيجيتها وأن تلتزم من خلال سياساتها الخارجية والأمنية بعدم التدخل فى أى من مصالح وأمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجى. وبعيدًا عن الشكوك فى النوايا القطرية فإن الواقع يؤكد استحالة تخلى قطر عن تنظيمات الإسلام السياسى الإرهابية، لأنها ذراع تنفيذ السياسة الخارجية لقطر، والتى يتم من خلالها تنفيذ الأجندة الأمريكية والصهيونية فى المنطقة. وكان المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطى قد صرح بأن القاهرة لن تعيد سفيرها إلى الدوحة قبل أن تتوقف قطر عن سياستها العدائية تجاه مصر. وإن الأيام المقبلة ستكشف بالأفعال مدى التزام قطر ببنود الاتفاق الذى توصل إليه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى، والذى تضمن بنود تنفيذ «وثيقة الرياض» لإلزام قطر بالكف عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية وإثارة القلاقل فى دول الخليج. وأضاف إن «دول الخليج أعطت قطر مهلة شهرين كفترة اختبار لتنفيذ ما تعهدت به ومن ثم إعادة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إن صدقت نوايا الدوحة». وأضاف أن «السفير المصرى لن يعود إلى قطر إلا بتنفيذ ثلاثة شروط رئيسية أولها تسليم المطلوبين وثانيها وقف بث المواد والشائعات التى تحرض على استخدام العنف من خلال قناة الجزيرة، وثالثها يتمثل فى وقف التدخل فى الشأن المصرى الداخلى». المراوغة القطرية مستمرة بعد أن قام الشيخ تميم أمير قطر بزيارة السودان لإقناع النظام الحاكم هناك بتوفير مأوى لقيادات الجماعة الإرهابية، كما أجرى اتصالات مع راشد الغنوشى لتسهيل إقامة زعماء الجماعة فى تونس. ومن المتوقع أن تلتزم الدوحة بوقف الحرب الإعلامية ضد مصر من خلال «الجزيرة» ولكنها ستستخدم وسائل الإعلام أخرى لمواصلة الهجوم ضد مصر. إن قطر تعلم جيدًا أنها ستكون تحت المجهر فى المرحلة المقبلة لتقديم ما يقنع ويثبت استجابتها لمطالب السعودية والإمارات والبحرين حول مواقفها من قضايا وملفات تتعلق بعدم التدخل فى الشئون الداخلية لجيرانها فى مجلس التعاون الخليجى ومصر، وعلاقتها مع جماعة الإخوان الإرهابية، بالإضافة إلى وقف إعلام المعادى، وستحاول قطر ولو ظاهريا الالتزام بتنفيذ بنود «وثيقة الرياض». لقد أدركت الشعوب العربية الدور الخطير لقادة قطر، وأدركت قيادات خليجية أن الدور القطرى المدفوع من قبل الولاياتالمتحدة والغرب أصبح لا يمكن السكوت عليه، لقد ذهبت قطر بعيدًا باستضافة رموز الإرهاب، وإثارتها الفتن الطائفية والعرقية، وذهبت لأبعد من ذلك بتحريض ضباط من السعودية والإمارات والبحرين على قلب أنظمة الحكم. لقد وصلت الرسالة واضحة لا تقبل الشك إلى الدوحة من أن السلوك المارق مرفوض خليجيًا جملة وتفصيلًا، وأن الالتزام ببنود «وثيقة الرياض» أصبح لا يقبل التأجيل أو المراوغة بعد الآن.