لم تحمل نتائج الدور الأول للانتخابات البلدية فى فرنسا أى مفاجآت غير متوقعة، فجميع المؤشرات كانت تؤكد تراجع اليسار نتيجة سياسات الرئيس فرانسوا أولاند الفاشلة، والتى أدت لتدنى شعبيته إلى 19% بعد 22 شهرا فى السلطة، ولكن الأمر اللافت فى هذه الانتخابات يتعلق بزيادة نسبة الممتنعين عن التصويت، حيث سجلت نسبة المشاركة 64.13%، وقال وزير الداخلية الفرنسى «مانويل فالس» إن «هذه النسبة من الامتناع عن التصويت مرتفعة جدا، هذه قطعا رسالة من مواطنينا، يجب أن نستمع إليها، يجب على جميع المسئولين والسياسيين أن يستمعوا إليها». وأظهرت نتيجة الانتخابات حصول اليمين على 46.54% من الأصوات، فى حين حصل اليسار على 37.74%، بينما حل اليمين المتطرف الذى تمثله الجمعية الوطنية ثالثا بحصوله على 4.65% من الأصوات. وجرت الانتخابات فى ظل تراجع التأييد للسلطة التنفيذية إلى أدنى مستوياتها، ما جعل النتائج بمثابة عقوبة لليسار وللرئيس أولاند. ويبدو أن الهجوم العنيف الذى شنه الرئيس الفرنسى السابق ساركوزى على أولاند، كان أيضا له تأثير على نتيجة تلك الانتخابات، حيث وجه ساركوزى رسالة مفتوحة للرئيس نشرت فى 21 مارس الماضى، شرح فيها أنه ضحية مؤامرة دنيئة تستهدف إبعاده عن النشاط السياسى، موجها أصابع الاتهام لليسار الفرنسى ولحكومة أولاند التى تحرك هجمات القضاء الفرنسى عليه، وقال ساركوزى «أنا أعلم من الصحافة أنه يتم التنصت على جميع هواتفى منذ ثمانية أشهر، وأن القضاة يستمعون إلى محادثاتى مع السياسيين الفرنسيين والأجانب، بخلاف محادثاتى مع المحامى الخاص بى دون أدنى حرج». وقد اتفقت الصحف العالمية التى اهتمت بمتابعة الانتخابات فى سياق تقاريرها ومقالاتها التحليلية أن نتيجة الانتخابات تمثل عقابا من الناخبين لأولاند وسياسته الفاشلة، وفى نفس الوقت أبرزت تلك الصحف الصعود المتنامى لليمين المتطرف فى الحياة السياسية، فتحت عنوان «مُعاقب» ذكرت صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية أن نسبة الامتناع عن التصويت القياسية، وبروز أقصى اليمين فى الجولة الأولى من الانتخابات البلدية أشبه برد عقابى على سياسة أولاند واليسار الحاكم، كما اعتبرت صحيفة «ليبراسيون» أن عملية التصويت تمثل عقوبة شديدة، وتشكل أكثر من نكسة انتخابية، وتظهر انعدام الثقة العميقة فى اليسار والحكومة، وأصافت الصحيفة الفرنسية أن هذه النتائج تمثل أيضا هزيمة سياسية، فى إشارة إلى النسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت، وأيضا التقدم الملحوظ للتيار اليمينى المتطرف، وقالت الصحيفة إن تلك هى نتائج التشكك فى خطاب السلطة التنفيذية من جانب المواطنين، بخلاف عدم الوفاء بالوعود والسلوك المشكوك فيه، حيث أن نسبة متزايدة من الناخبين تعتقد الآن أن الوعود الانتخابية من اليمين واليسار تبقى فى طى النسيان. وفى نفس الإطار ذكرت صحيفة «لوسوار» البلجيكية أن هذه الانتخابات لم تأت بأية مفاجأة، ذلك أن التخوفات المُعبر عنها منذ أسابيع تأكدت من خلال العزوف عن المشاركة وصعود اليمين المتطرف، أما صحيفة «إل ميساجيرو» الإيطالية فكتبت أنه على الرغم من تسجيل رقم قياسى فى نسبة العزوف فى الانتخابات المحلية الفرنسية، فإنه ليس هناك أدنى شك فى أن النتائج تؤكد تقدم اليمين المتطرف. ورأت صحيفة «لاتربيون دو جنيف» السويسرية أن انعدام ثقة الفرنسيين فى الحكومة انعكس على صناديق الاقتراع، مشيرة إلى أن نسبة العزوف بين ناخبى اليسار سهل الصعود المذهل لليمين المتطرف. ولم تختلف صحيفة «دير شبيجل» الألمانية كثيرا عن التحليلات السابقة، فذكرت أن الجبهة الوطنية تحتفل بكونها القوة الثالثة فى البلاد، مما يشكل صفعة للرئيس الفرنسى.