تذهب مؤشرات الأداء الاقتصادى إلى أن الاقتصاد يعانى منذ ثورة 25 يناير 2011 حالة غير مسبوقة من الإنكماش، نتيجة توقف نسبة كبيرة من المشروعات وتراجع معدلات تشغيل أخرى، وذلك كرد فعل للأحداث السياسية التى يشهدها الشارع وتترك تبعات أمنية، تجعل من اتخاذ قرار الاستثمار فى ظل هذه الظروف نوع من الانتحار. وفى محاولة منها لتخفيف وطأة هذه العقبات، تواصل الهيئة العامة للرقابة المالية المعنية بالإشراف على القطاع المالى غير المصرفى جهودها لتنقية مناخ الاستثمار والعمل على إقرار المزيد من الحوافز للمستثمرين لتحفيزهم على ضخ المزيد من الاستثمارات فى الأسواق، وكانت المحطة الأولى لهذه الجهود تشريعية بالأساس. وقال د. محمد معيط، نائب رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، إن الهيئة تبذل قصارى جهدها للانتهاء من حزمة تشريعات تهدف بالأساس إلى وضع ضوابط محددة منظمة للعمل فى أسواق المال غير المصرفية (البورصة، التأمين، التمويل العقارى، التمويل متناهى الصغر، والتأجير التمويلى). وأضاف أنه فى هذا السياق انتهت الهيئة مؤخرا من اعداد مشروعات قوانين لتنظيم هذه القطاعات الاقتصادية المهمة، وتم التقدم بها إلى مجلس الوزراء تمهيدا لإحالتها لرئيس الجمهورية لإصدارها فى قوانين، وأن هذه القوانين يمثل تحفيزا مطلوبا فى ظل هذه الظروف المأزومة، التى يعانى منها الاقتصاد المصرى. وأكد نائب رئيس الهية أن التشريعات المنتظر صدورها قريبا تنظم عمل شركات تتعامل فى أموال مع المصريين بدون وجود قانون ينظمها مثل شركات الرعاية الطبية، وكذا الشركات التى تعمل فى مجال التمويل متناهى الصغر، بحيث تم إعداد تعديلات على قانون التأمين تنظم عمل شركات الرعاية الطبية أو التأمين الطبى، وكذلك قانون التمويل متناهى الصغر، الذى يفتح الباب على مصراعية للشركات والمؤسسات الراغبة فى ممارسة هذا النشاط المهم. وأشار د. معيط إلى أن الهيئة اصدرت بالفعل مؤخرا القواعد التنفيذية لأعمال الوساطة التأمينية وقواعد القيد الجديدة بالبورصة وجارى دراسة قواعد صناديق المؤشرات فى البورصة، علاوة على أنه من المنتظر أن تصدر قريبا تعديلات جوهرية على قانون التمويل العقارى تسد بعض الثغرات التى يترتب عليها تعطيل هذه الآلية التمويلية الهامة. ومن جهتها أكدت مى عبدالحميد مدير صندوق التمويل العقارى أن التعديلات المقترحة على قانون التمويل العقارى المنتظر إقرارها قريبا من مجلس الوزراء ومن ثم صدورها فيما بعد فى مرسوم بقانون عن رئاسة الجمهورية، سوف تعيد نشاط التمويل العقارى إلى الحياة مرة أخرى، لأن هذه التعديلات سوف يترتب عليها زيادة حجم الشرائح المستفيدة من هذا النشاط، فضلا عن أنها توفر للحكومة الأدوات الكافية لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. وأشارت إلى أن التعديلات المقترحة على قانون التمويل العقارى تخفف من وطأة صعوبة تسجيل العقارات كشرط للحصول على قروض التمويل العقاري، كما أنها تضع القواعد والضوابط المنظمة لنشاط التأجير التمويلى، الذى يساهم بدوره فى توزيع شريحة المستفيدين من هذه الخدمات المالية. وأوضحت عبد الحميد أن الحكومة تبدى اهتماما بالغا بنشاط التمويل العقارى لما يمتلكه من قدرة على التخفيف من وطأة أزمة الإسكان فى أقل فترة ممكنة، وأن تدخل البنك المركزى بضخ 10 مليارات دولار للبنوك المتعاملة فى التمويل العقارى بمثابة "قبلة الحياة" لهذا القطاع الاقتصادى الهام، لافتة إلى أن هذه المليارات العشرة تتولى البنوك إعادة إقراضها للراغبين فى شراء وحدة سكنية بنصف تكلفة الإقراض السائدة. أما عبد الرؤوف قطب، رئيس الاتحاد المصرى للتأمين، فأكد أن مصر فى حاجة إلى استكمال البنية التشريعية لكى تقوم بدورها فى الرقابة على نشاط التأمين، خاصة أن تداعيات ثورة 25 يناير 2011 كشف النقاب عن أن التشريعات فى وضعها الحالى لا تكفى لخلق سوق تأمين قوي، ومن ثم فإنه كان من الضرورى المضى قدما فى إدخال بعض التعديلات على التشريعات المنظمة للسوق. وقال قطب إن الإسراع فى اقرار هذه التشريعات ضرورى للغاية، لكى تسترد مصر مكانتها الإقليمية فى أوسواق التأمين، وأن القطاع حقق نمو ملحوظ بشكل تصاعدى خلال السنوات الثلاثة التى تلت الثورة فى محفظة الأعمال، وإن كان قطاع التأمينات على الحياة كانت الأوفر حظا. وأضاف أنه رغم هذا النمو فى محفظة الأعمال، إلا أن هذا الأداء ليس على المستوى المرضى خاصة أن نصيب القطاع فى الناتج الإجمالى ما يزال ضعيفا للغاية حيث وصل إلى نحو 0.5% مقارنة بنحو 7% قبل الثورة، لذلك فإن الجهود متواصلة لزيادة هذه النسبة 3 أضعاف خلال فترة قريبة. أما د. محمد عمران، رئيس البورصة، فأوضح أن الهيئة العامة للرقابة المالية لا تدخر جهدا من شأنه تحسين مناخ الاستثمار فى القطاع المالى غير المصرفى، وأنه فى إطار هذه الجهود تم مؤخرًا اعتماد قواعد جديدة لقيد الشركات فى البورصة، علاوة على المضى قدما فى إجراءات تداول سندات الحكومة فى السوق الثانوى بالبورصة، وجارى مراجعة قواعد صناديق المؤشرات. ولفت د. عمران إلى أن الانتهاء من هذه التشريعات يترتب عليه طفرة محققة فى رؤوس الأموال الموجة للاستثمار فى البورصة، لما يترتب على هذه الإجراءات من مرونة مطلوبة فى عمليات قيد الشركات، وبالتالى زيادة الاقبال على طرح شركات جديدة للاكتتاب فى السوق، وربما بدأت البورصة مؤخرا التفاوض مع شركة أسمنت كبرى تمهيدا لطرحها فى البورصة ليكون الأول بعد 4 سنوات ونصف من الطرح الأخير.