احتفل اليمنيون بثورتهم «الذابلة» فى يوم تنحى مبارك وليس سقوط نظامه الذى عاد بقوة ليفرض نفسه على الجميع!! أوجه الشبه العجيبة بين ثورتى اليمن ومصر أن تكون الثورة المصرية أحد مصادر إلهام الثورة اليمنية.. وأن تتزامن وتتواكب معها.. ثم نشهد إخفاق الثورتين فى ذات التوقيت تقريبًا.. بل وانتصار الفلول فى البلدين.. ولكن اليمن تميّز بابتكار «الفيدرالية» فى واحدة من أعرق بلاد العالم توحدًا وأصالة وحضارة!! إذن التوقيت غريب ومريب.. كما أن اختيار اليمن بالذات كنموذج للتقسيم والتمزيق - حتى ولو من خلال نظام حكم فيدرالى - يعتبر رسالة للعالم العربى والإسلامى أيضًا بأن أكثر الدول توحدًا وعراقة ليست بعيدة عن أى تقاسيم شيطانية! نعم لقد اجتهد الكثير من الساسة اليمنيين فى تعديد فوائد ومزايا الفيدرالية.. كما احتار المواطن البسيط بين الفرحة والحزن.. الفرحة بنظام حكم جديد لم يتم ولم ينضج.. وبين نظام قديم مستقر.. رغم عيوبه وأخطائه.. كما توزع اليمنيون بين الاحتفال بثورتهم الآفلة.. وغضب على فرصة تاريخية ضائعة. ولعل ما يشهده اليمن الآن من إقرار الفيدرالية كنظام حكم يعتبر خطوة مضادة لحركة التاريخ.. تاريخ اليمن العريق الموحد الأصيل.. ونحن لا نبالغ عندما نقول إن اليمن أكثر الشعوب العربية أصالة ووحدة وعراقة.. رغم اعتزازنا بمصريتنا وعروبتنا وإسلامنا. ولكن من الواضح أن الفلول الذين انتصروا على الثورات العربية وتحالف معهم بعض الليبراليين وأصحاب المذاهب والأعراق والطوائف.. هؤلاء الفلول بدأوا المرحلة التالية والأخطر.. وهى الإسراع بتمزيق هذه الشعوب.. بدلًا من توحيدها، وبعد أن كان القوميون يتشدقون بأهازيج الوحدة.. هاهم الآن يمارسون رذيلة التقسيم والتمزيق.. تساعدهم فى ذلك قوى إقليمية ودولية كبيرة لا تريد الخير للعرب والمسلمين. اليمن السعيد.. ليس سعيدًا بهذا التقسيم.. أو على الأقل المواطن البسيط الأصيل الذى يتغنى بتاريخ اليمن وعراقته وبمكانته فى القرآن الكريم.. وبمملكة سبأ والملكة بلقيس اليمنية البارعة.. بل وبما حباه الله من «ركن يمانى» فى الكعبة المشرفة.. لم يسبقه إليه شعب آخر.. ولم تحظ به أمة سوى اليمن. هذا اليمن الأصيل يشهد وجودًا كبيرًا لتنظيم القاعدة.. وساعد على ذلك الطبيعة الجغرافية والتركيبة القبلية والتنوع المذهبى اليمنى.. كما ساهم تدنى الوضع الاقتصادى فى خلق بيئة حاضنة لهذه الجماعات التى تصطاد أعضاءها وسط مناخ التخلف والجهل والانهيار الاقتصادى. هذا الوضع جعل لدول خارجية كثيرة نفوذًا داخل اليمن.. وقدرة على توجيه دفة الأحداث.. بدءًا من احتواء ثورة الشباب الغاضب قبل ثلاث سنوات.. ثم التضحية برأس النظام السابق (فقط) وحتى تصعيد تركيبة سياسية قبلية مذهبية أقرب إلى مصالح تلك الدول وتضمن سيطرتها ونفوذها داخليًا وإقليميًا وحتى تتم صياغة «الشر» الأوسط الجديد وفق تخطيطها واستراتيجياتها. *** وحتى ندرك أبعاد التطور الجديد فى اليمن (السعيد) يجب أن نعرف ما هو نظام الحكم الفيدرالى.. إنه يعنى ببساطة تقسيم الدولة إلى دول أو دويلات.. يحظى كل إقليم فيها بهويته واستقلاله الذاتى وحكومة وبرلمان.. بينما تكون هناك حكومة «فيدرالية» مركزية تتولى قضايا الأمن والدفاع والسياسة الخارجية. ونرى نموذج الحكم الفيدرالى فى الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وعندما نقارن بينها وبين اليمن الشقيق.. نلاحظ أوجه الاختلاف الجوهرية لعل أبرزها أن اليمن شعب قديم أصيل موحد.. بل هو من أكثر شعوب العالم أصالة وعراقة.. بينما الولاياتالمتحدة دولة حديثة متعددة الألوان والثقافات والأعراق.. إضافة إلى أنها تحتل مساحة هائلة تشبه القارة.. وتمتد حتى جزر الهاواى فى المحيط الهادى.. ولا نبالغ إذا قلنا إن النفوذ الأمريكى قد يشمل قارات العالم الخمس.. عدا أستراليا طبعًا.. باعتبارها قارة وجزيرة مستقلة.. تنعم باستقرار مثالى ورخاء لا مثيل له! ومن حيث الدين واللغة والتاريخ والحضارة.. فاليمن يتحد فى كل هذه الصفات.. عدا بعض الخلافات الهامشية والمذهبية والسياسية، ولكن التنوع العرقى واللغوى والثقافى واللونى شديد الوضوح فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومع ذلك فإن هناك ما يعرف باسم نظرية بوتقة الانصهار أو (Melting pot) التى تنصهر فيها هذه الثقافات والألوان والأعراق.. لتصنع الهوية والحضارة الأمريكية. ولو راجعنا تركيبة الشعب اليمنى ومزاجه وطباعه الشخصية.. لعلمنا أنها شبه موحدة إلى حد كبير.. فهناك سلوكيات وأنماط تفكير تجمع كل اليمنيين.. وتستطيع تمييز اليمنى بكل سهولة.. وسط عشرات الجنسيات والألوان والأعراق.. وهذه ميزة نادرة مقارنة بأغلب الشعوب. وتقسيم الثروات والسلطات بين ستة أقاليم يمنية قد يفتح الباب لوضع أسس تقسيم اليمن إلى دويلات، وبعد أن كان الجنوبيون يطالبون بالانفصال عن الشمال.. قد يصبح التقسيم واقعًا إلى ستة أجزاء.. بل إن الجنوب نفسه قد انقسم شطرين وفقًا للنظام الفيدرالى الجديد. وهنا نتساءل: هل تنجح الفيدرالية فى إنقاذ اليمن من مشاكله الاقتصادية والأمنية والسياسية.. أم أنها ستزيدها اشتعالا وتوزعها على ستة دويلات.. أكثر اختلافًا وربما احترابًا؟! وإذا كانت الحكومة المركزية الحالية غير قادرة على معالجة هذه المشاكل المزمنة والخطيرة.. رغم كل سلطاتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية.. فهل تنجح الأقاليم الناشئة فى مواجهة هذه المعضلات الخطيرة؟ وهل يصبح اليمن «الفيدرالى» نموذجًا للشر الأوسط الجديد.. يتم تطبيقه طوعًا أو كرهًا على الآخرين؟! *** وبقى أن نعلم أن هذه الفيدرالية قد لا تلقى قبولًا واسعًا بين ساسة اليمن.. شماله وجنوبه.. رغم الحوار الطويل الذى أنتج هذا النظام.. بسبب غياب قوى سياسية عديدة عنه.. فضلًا عن تغييب شباب اليمن الذى احتفل بالذكرى الثالثة لثورة فاز بها الفلول!!