داعبنى فى عشم على باب المسجد: ألا تخاف من تلك الكوفية الفلسطينية التى تضعها حول رقبتك؟.. ولأنه صديقى الودود الذى أحترمه وأحبه.. ابتسمت له ضاحكًا: تقصد «حمساوى»؟.. وأدرك بأدبه أننى فهمت مقصده، وكان شيخ المسجد الشاب بلحيته الحمراء من أثر الحنة يقف بجواره، وأدركت أن واجبى هو التوضيح أن حماس ليست هى فلسطين التى دفعنا لأجلها الغالى والرخيص أكثر مما ضحى أهلها، وكنا فى ذلك نعرف أنها الحرب الواجبة لتخليص أولى القبلتين وثالث الحرمين أرض إسراء رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم ).. وقبلها بأيام فى المصعد كان جار الدور السابع مع والده الذى يزوره.. وأراد أن يعرّفه بى فقال: فلان المؤيد للجيش.. ثم ضحك مؤكدًا لأبيه أن العمارة فيها الإخوانى والسلفى والمدنى. ورغم إحساسى بأن الجدل فى هذه المواضيع لا يؤدى إلى شىء.. إلا أننى انتهزت الفرصة وقلت لوالده: وهل يعقل يا عم الحاج إذا أراد كل ساكن فى العمارة أن يدهن شقته بلون معين أن يفتح غرفة على أخرى بإزالة حائط أو إضافة آخر.. هل يعقل لأجل تغييرات يجريها فى شقته أن يهدم أحد الأعمدة الرئيسية للعمارة لكى تنهار على الجميع وهو معهم؟.. وهل يعقل لساكن فى الدور السادس أن يهدم شقته بحجة أنها ملكه ناسيًا أن بينها وبين الدور الخامس والسابع علاقة ورباط. وماذا لو أن أحدهم لا قدر الله شب فى شقته حريق وتكاسل الجيران عن إخماد نيرانها.. ألا يخاف هؤلاء أن تمتد ألسنة اللهب إلى الآخرين. وبعد أيام وعلى باب المسجد أيضًا جرت مناقشة على غير ترتيب.. وظن أن الذى يعتز بجلبابه ولحيته وعلامة الصلاة فوق جبينه إنه حارس لواء الإسلام والعقيدة.. دون غيره ممن كانوا قبل لحظات إلى جواره فى نفس الصف يشهدون بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).. وهو يرى أن انقلاب الجيش جاء ضد شرعية الصندوق فإذا قلت له إن الشعب هو الذى أعطى وهو الذى أخذ.. قال: إنها الحرب على الإسلام ودولته التى تسع العالم كله ويقودها أمير المؤمنين!.. وهنا سألته: ولماذا تحارب أمريكا التى تؤيد هذه الفكرة.. دولة إسلامية فى إيران؟ أليست هى أمريكا التى منحت أسامة بن لادن شهادة ميلاد القاعدة لمحاربة السوفيت فى أفغانستان، ثم انقلبت عليه تحاربه فى كل مكان وتطالب العالم كله بمحاربة تنظيم القاعدة، ثم هى الآن تدعمها لكى تثير القلق والفتنة فى سوريا والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس. ثم لماذا تهتم أمريكا بمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى.. وتخصم من المعونة التى تقدمها باليمن.. لكى تنفق بكل بذخ بالشمال على هذه المنظمات وأفرادها.. انظر إلى هذا الهلع البالغ تجاه حبس أحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل فى قضية جنائية.. ترسل من يحضر المحاكمات.. بل الأدهى والأمر إننا وجدنا الباشمهندس ماهر يتحول إلى كاتب عالمى وهو فى محبسه وينشر المقالات فى جريدة الواشنطن بوست وليس المهم كيف نجح فى تسريب المقال.. لكن الأهم تلك العلاقة التى تفتح له أبواب جرائدهم وأجهزة إعلامهم بما يؤكد أنه أمريكانى ومشبوه.. والمقال هذا وإن كان يصرخ فيه أمام الغرب إلا أنه وسيلة إدانة كاملة له ولأمثاله من شلة 6 إبريل. وعلى باب المسجد عندما يشتد الجدال يسألنى أحدهم: هل يرضيك كل هذا القتل والاعتقال من جانب الجيش والشرطة؟ وتكون إجابتى: وهل يرضيك أنت كل هؤلاء الشهداء والضحايا يسقطون تباعا بالانفجارات والرصاص والحرائق والتخريب.. وكل هذه الألعاب الشيطانية لإثارة الرعب والفزع فى قلوب العباد والبلاد. يبتسم فى برود قائلًا: إنها لعبة! يعنى الجيش يقتل نفسه.. الشرطة تفجر نفسها.. حتى يقال عن الإخوان وأعوانهم إنهم جماعة إرهابية! فإذا حاولت تنشيط ذاكرته بما كان يقال من فوق منصة رابعة.. عن الوعد والوعيد بأن تتحول مصر إلى أفغانستان وأن تكون العمليات الانتحارية فى كل مكان، وأن هذا الذى يحدث فى سيناء يمكن أن يتوقف فى نفس اللحظة التى يعلن فيها السيسى تراجعه عن الانقلاب وأن يعود بسلامته الحاج مرسى رئيسًا من مجاميعه. هنا يقول لك بنفس الابتسامة: إنه مجرد كلام! وتقول له: وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم يا مولانا.. وكما جاء فى حديث سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ).. إذا به يحاور ويناور ويلف ويدور، بل الأدهى والأمر عندما نسأله عن الدم الذى يجرى بأفعالهم أنهارًا فى شوارعنا فإنه يقول: ابحث عن الفاعل.. فالإخوان مظاهراتهم سلمية. وتكاد هنا أن تفلت أعصابك وترد عليه بالطريقة الإسكندرانية الشهيرة.. لكن الأدب يمنعك لأنك فى زمام المسجد، ثم لا يجوز أن ترد على السفالة بما هو أسفل. أرأيت الذى يتنكر لوطن يعيش فى رحابه.. يبيع أسراره ويفرط فى أرضه لأجل سلطان يسعى إليه مهما كان ثمن الخيانة فادحًا وكبيرًا إلا على أصحاب العقول التى تفهم.. والقلوب التى تحس.. والعيون التى ترى.. أرأيت الذى يحرق علم بلاده ويريد أن يستبدله بذلك الشعار الأردوغانى الذى يحول رابعة إلى مكان مقدس أطهر من مكة والمدينة.. وكما جاء على لسان بعض المتخلفين عقليًا إنهم شاهدوا مرسى يطير فى الهواء يرتدى أبيض فى أبيض.. وأكملت له الحلم بأن اللبس الأبيض هو ملابس الحبس وأنه سيهبط حتما إلى القفص الزجاجى لمحاكمته بقدر ما خان وباع، ثم إن حسابه الأكبر عند ربه، وقد اتخذ من كتاب ربه وسُنة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) مطية إلى كرسى الحكم.. فهو لا يحارب لأجل الإسلام، بل بالإسلام لأجل أغراضه هو.. وبدعم صهيونى متمثل فى أمريكا وتركيا وقطر وكلها صاحبة علاقات وثيقة مع تل أبيب. وأيها الإخوانى لن ترضى عنك الأمريكان واليهود حتى تتبع ملتهم.. وأنت فى نهاية المطاف من الخاسرين فى الدنيا والآخرة!