فاقد عقله من لا يذوق حلاوته ويتجاهله ولا يتعايش معه.. فهو من أسمى المشاعر الإنسانية والفضيلة العظمى التى تعلو بالنفس عن الابتذال وتطهرها.. ألا وأنه الحب.. فكيف إذا كان المحب هو الله.. فهنيئًا له شهادة ميلاد جديدة فى حياة مفعمة بالحب كما قال ( صلى الله عليه وسلم ): «إذا أحب الله عبدا دعا جبريل فقال يا جبريل إنى أحبه فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادى جبريل فى أهل السماء إن الله يحب فلانا فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول فى الأرض».. فالحب فى الله يعنى طاعته لأوامره واجتناب نواهيه.. فإذا قال فلانا أحب الله ثم اقترف المعاصى وأصر عليها فهو كاذب ومخادع.. فكثير من العباد يكبرون ليلا ونهارا ويعصون الخالق ويجلون المخلوق ويتقربون إليه زلفى ولا يستحون من الله فهؤلاء غضب الله عليهم ولعنهم.. وبعد ذلك يظنون أنهم يخادعون الذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم. والحب فى الله يتجلى فى الأخوة بين المسلمين كما قال ( صلى الله عليه وسلم ): «رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» والمحبة لأخيك المسلم لكونه عبدًا صالحًا ليس لقرابة ولا لمالا من أوثق الروابط الاجتماعية، ويترجم حب الله فى العلاقة السامية بين المسلمين ولكن اليوم يشوبها نقائض كثيرة وتباغض.. والحب الصادق بين المتحابين يلزم عليهم عدة حقوق أولها حب الخير للحبيب ومناصرته فى الحق وتفريج كربه وإدخال السرور عليه وهنا يقول رسولنا ( صلى الله عليه وسلم ): «إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه».. وينشد الإمام الشافعى شعرا فى ذلك بقوله: سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا والحب فى اللغة يعنى الصفاء لأن العرب تقول لصفاء الأسنان «حبب».. والحب يعنى التضحية والبذل والعطاء والإيثار على النفس وأسمى مثالا لذلك تقاسم الأنصار لمالهم وأزواجهم مع المهاجرين.. وقد وعد رب العزة أمثال هؤلاء بسخاء العطاء كما قال الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): فى الحديث القدسى عن رب العزة «المتحابون بجلالى لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء».. حتى وصل الأمر إلى أن المولى تعالى اشترط الفوز بالجنة بالإيمان له ولن يصبح الإيمان حقيقيا إلا حينما يسود الحب بين المسلمين وإفشاء السلام بينهم. والحب ليس نزوة أو سلعة رخيصة أو شعارا براقا يخدع الآخرين بل يصنع المعجزات، ويتخطى العقبات.. ويتولد عنه المودة والسكينة والرحمة ولا يعرف الشقاق والعداء.. والحب الحقيقى ليس بالأعمى أو المجنون كما يردد البعض فهو تفاعل العقل مع المشاعر والعواطف.. فغياب العقل يفقده البصيرة الواعية ويضع غشاوة على أعين المحب فيرى الآخر فى صورة جميلة دون المضمون.. فتزل قدميه ويتعثر وتفشل العلاقة.. أما توحد العقل والقلب يوطد أركانه ويحصنه. وأثبت العلماء عند نجاح علاقة الحب يفرز المخ «الأوكسيتوسين» والمعروف بهرمون الحب ويستطيع فعل تغييرات إيجابية فى حياة الإنسان من الصحة النفسية والعامة فهو يخفض ضغط الدم ويعالج كثيرا من أنواع الصداع ويخفض معدلات هرمون التوتر مما يساعد على الاسترخاء فى النوم ويجعل المحب أكثر كرمًا وعطاءً عن غيره.. وتمكن العلماء من تصنيعه فى المعامل لاستخدامه كمعالج لحالات مرضية مثل الإدمان عن طريق الاستنشاق فيمنع الرغبة فى تناول المخدرات كالهيروين والمشروبات الكحولية.. واكتشف الباحثون أن معدل هرمون «الأوكسيتوسين» يزيد لدى المرأة الحامل خلال الشهور الثلاثة للحمل ثم يفرز بكميات كبيرة أثناء عملية الولادة مما يزيد ارتباط الأم بمولدها ويسهل أيضًا عملية الرضاعة الطبيعية. *** ** مشاهد قسوة القلوب فى المجتمع صارت حالة مرضية بسبب انتزاع الرحمة منها وتحتاج إلى علاج سريع من خلال إشاعة الحب والتآلف وغرزه فى النفوس.. وأفضل دليل على ظاهرة قسوة القلوب تعلقها لغير الله وحرصها الشديد على الدنيا حتى كادت أن تودى بالحب وتقضى عليه.. وغليظ القلب تأخذه العزة بالإثم إذا حاول الإفصاح عن حُسن مشاعره بكلمة طيبة.. وليس بوسعنا إلا أن ندعو الله بقوله تعالى: (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)