«تسلم الأيادى.. يسلم جيش بلادى» صيحة غنائية صادقة رائعة مبهرة فى الكلام والنغم والأداء. يشارك فى أدائها عدة أصوات رجالى وحريمى فهل هى أوبريت أم ديالوج أم أغنية. هل كان بمقدور كارم محمود أن يغنى فى التسجيل الإذاعى لأوبريت «العشرة الطيبة» «على قد الليل ما يطول» بدون أن تشاركه فى الغناء المطربة أحلام وهل كان فريد الأطرش يستطيع غناء «مالكش حق» لو لم تكن تشاركه نور الهدى ومحمد فوزى من كان سيجيب على سؤاله ورجائه فى «شحات الغرام» لو لم تجبه ليلى مراد .. ولم نسمع عبد الوهاب يدندن فى جلسة خاصة «حكيم عيون» ما دامت المطربة رقية إبراهيم غير موجودة ولم يغن عبد الحليم على المسرح «حاجه غريبة» أو «تعالى أقولك» أو «أحنا كنا فين» ما دامت شادية لم تظهر معه على المسرح. ولا كان قد كتب النجاح للمطرب جمال وهو يغنى «ممكن أشوفك بكره» لو لم ترد عليه المطربة طروب. الأغنية التى يمكن أن يؤديها صوت منفرد لا تكون ديالوجا، أو دويتو أو ثلو فقالب الديالوج يعتمد على الحوار بين طرفين. وغالبًا ما يكون الحوار مفاوضات اسمع لحن سيد درويش من تأليف بيرم التونسى فى ديالوج «أدينى أهه جيتلك بدرى.. فى أوبريت شهر زاد تغنى حورية «قوم حط إيدك على قلبى» فيرد زعبلة: «مع الأسف أنا ماقدرشى.. مادمت فى الخدمة بنطشى» واسمع لحن محمد عبد الوهاب وكلمات حسين السيد فى ديالوج «ياللى فت الحال» مع رجاء عبده تقول «قولى بقى اتأخرت ليه»، فيرد «أبدا يا روحى مافيش تأخير».. وفى الديالوج الساخر «مالكش حق» تغنى نور الهدى «إزاى أعيش» ويرد فريد الأطرش «مايهمكيش»، ويغنى محمد فوزى «شحات ومد إيديه وكسر خاطره حرام» فترد ليلى مراد «حدفه الهوى هنا ليه؟» ويسأل محمد جمال «ممكن أشوفك بكره؟».. فترد طروب «ممكن». كل هذه الأعمال لا يصلح أن يؤديها صوت واحد، إنما صوتان أحدهما يسأل والثانى يجيب. وقد انتشر فى الفترة الأخيرة اصطلاح «ديو» ويطلق على أى عمل غنائى يشارك فيه صوتان دون أن يكون حوارا، بل ولم يراع فيه طبيعة الصوت الرجالى ومساحته التى تختلف عن طبيعة الصوت النسائى، فاللحن عبارة عن جملة واحدة يؤديها الشاب والشابة، إما معا أو كل على حده، مثل هذا الغناء لا يعد ديالوجا إنما غناء يقصد منه الاستفادة من عنصر آخر من أجل الجاذبية وشد الانتباه، الأغنيات التى شاركت فيها نجمات أجنبيات الغناء مع عمرو دياب وهشام عباس وعمرو مصطفى وحكيم، لن يختل طابعها اللحنى إذا تم الاستغناء عنهن، وكان فى إمكان إليسا أن تغنى وحدها «بتغيب بتروح» بدون مشاركة راغب علامة، وأن تغنى سميرة سعيد «يوم ورا يوم» بدون الشاب مامى وإلا اعتبرنا أغنية «ع اللى جرى» قد تحولت من أغنية تؤديها عليا إلى دويتو عندما أدتها أصالة بالاشتراك مع صابر الرباعى. هبط مستوى الغناء المصرى وهبطت معه ثقافتنا الموسيقية «الغنائية»، فكل أغنية يظهر فيها نجمان نسميها دويتو، وكل عمل غنائى يشارك فيه أكثر من صوت نقول إنه «أوبريت»، وفى عصر التوهج الغنائى لا نقول إن «الوطن الأكبر» أو «الجيل الصاعد» أوبريت إنما هى «أغنية لمجموعة من الفنانين»، ولما غنى هانى شاكر مع محمد ثروت «بلدى يا بلدى» لم نقل إنها دويتو إنما أغنية، ولما غنى محمد الحلو ومدحت صالح ونادية مصطفى ومنى عبد الغنى «يا جريد النخل العالى» كانت أغنية وليست أوبريت ولا ديالوج ولا ديو! زمان كان علامة الملحن الجيد هى ألحانه الدرامية فى المسرح أو السينما أو الإذاعة، هكذا كان عباقرة ملحنينا زكريا أحمد، محمد القصبجى، رياض السنباطى، محمد عبد الوهاب، أحمد صدقى، محمد الموجى، بليغ حمدى، وسوف تبقى أعمالهم هذه رمزا لمكانتهم من التلحين. فقد تنوعت بين مونولوج وديالوج وتريالوج، أى ثلاثى، وألوان غنائية أخرى. والسؤال مرة أخرى: هل الغناء العظيم «تسلم الأيادى.. يسلم جيش بلادى» أوبريت أم دويتو أم «أغنية لمجموعة من الفنانين».