يعد الشاعر المخضرم زهير بن أبى ربيعة أحد زعماء الشعر الجاهلى مع أمرئ القيس والنابغة الذبيانى، ووصف بأنه شاعر عفيف لم يهج ولم يتكسب من مدحه.. ولم يشرب الخمر ولم يشعر فيها، بل أنه كان من عقلاء القوم صاحب نفس مؤمنة.. عمر طويلا فى نهاية العصر الجاهلى حتى بلغ الثمانين عاما ولكنه لم يدرك الإسلام، ومع ذلك.. كان كلما مر بإحدى الشجرات ذات الأشواك - العضاة - وكان البعض يتعبد بها.. يخاطبها بقوله: لولا أن تسبنى العرب لأمنت أن الذى أحياك بعد يبس.. سيحيى العظام وهى رميم!. ويقال إنه كان يؤمن بوجود الله الواحد الأحد المتحكم فى الكون: وهو ما عبر عنه ببعض أبياته فى معلقته الشهيرة: فلا تكتمن الله ما فى نفوسكم ليخفى ومهما يكتم الله يعلم يؤخر فيوضع فى كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينتقم وقيل عنه أيضا إنه كان محطة رئيسية فى مدرسة شعرية خاصة توارثتها الأجيال المتعاقبة من أسرته، فأبوه كان شاعرا، وتتلمذ هو على زوج أمه أوس بن حجر وخاله بشامة بن الغدير، وكانت أختاه الخنساء وسلمى شاعرتين، وكذلك أبناؤه كعب وبجير، وأيضا حفيده عقبة بن كعب. ولكن أهم الأحداث فى حياة هذا الشاعر المخضرم أنه عاصر حرب داحس والغبراء والتى استمرت أكثر من 40 عاما بين قبيلتى عبس وغطفان.. حيث كان يدعو إلى وقفها ويحذر من مغبة استمرارها.. وخلد بشعره من توسطوا فيها للصلح ولذلك لقبه البعض بشاعر السلام. أما قصة داحس والغبراء.. فقد بدأت بمسابقة للخيل بين فرسين هما: داحس وكانت مملوكة لقيس بن زهير زعيم بنى عبس، والغبراء وكانت لحذيفة ابن بدر زعيم الفزارين من قبيلة ذبيان وغطفان. وعندما اقترب الفرس داحس من نقطة النهاية وتحقيق الفوز، برز له رجل من قبيلة ذبيان كان مختبئًا قرب خط النهاية وألقى التراب فى عينيه.. فعدل الفرس عن الطريق.. ومن ثم سنحت الفرصة للغبراء لتحقيق الفوز، ورفض قيس بن زهير نتيجة السباق.. وحدث صدام بين الفريقين المتنافسين تطور إلى عراك ثم امتد إلى القبيلتين. وبعد 40 عاما من الحرب التى سقط فيها الكثير من القتلى والجرحى وخسرت القبيلتان وحلفاؤهما الكثير من الأموال والخيول، تقدم رجلان من أعيان ذبيان هما «هرم بن سنان» و«الحارث بن عوف» للتوسط وتعهدا بدفع جميع الديات والتعويضات عن القتلى من الطرفين، وقد نجحا فى مسعاهما.. وانتهت الحرب وخمدت نارها.. وقيل تحملا دفع ثلاثة آلاف ناقة على مدى ثلاث سنوات. وقد سجل شاعرنا تلك الأحداث فى معلقته.. وأشاد فيها بما قام به هرم والحارث.. حيث قال: يمينا لنعم السيدين وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم تداركتما عبسا وذبيان بعد ما تفانوا ودقوا بينهما عطر منشم وقد قلتما: إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الأمر نسلم فأصبحتما منها على خير موطن بعيدين فيها من عقوق ومأثم عظيمين فى عليا مُعّدّ هُدِيتُمَا ومن يستبح كنزا من المجد يعظم حيث أوضح أنهما خير الناس من عشيرتهما فى كل حال.. وأنهما أدركا القبيلتين قبل أن ينهى على فرسانهما عطر منشم.. وهى امرأة عطارة كانت بمكة.. تعطر عندها محاربون فقتلوا جميعا.. فصارت رمزا للتشاؤم، ثم يشير إلى عظيم قدرهما وما تبرعا به من مال باعتبارهما من زعماء القبيلة الأم «معد».. والتى تفرعت عنها القبائل المتحاربة. وكان قبل ذلك يحذر قومه من عواقب الاستمرار فى الحرب حيث قال: ألا أبلغ الأحلاف عنى رسالة و«ذبيان» هل أقسمتم كل مقسم وما الحرب إلا ما علمتم وذقتموا وما هو عنها بالحديث المرجَّم متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتضر إذا ضريتموها فتضرم ومن الطرائف التى تحكى عن شاعرنا الكبير أنه بعد وفاة أبيه من قبيلة مزينة تزوجت أمه من أوس بن حجر من قبيلة ذبيان وهم أخواله، وعندما هجمت القبيلة على إحدى القبائل الأخرى وغنمت منها لم يعطوا لزهير نصيبًا من الغنائم فغضب وذهب للإقامة مع أعمامه من قبيلة «مزينة»، وبعد فترة قاد مجموعة من فرسان القبيلة لغزو قبيلة أخواله.. ولكن عندما توسط أرضهم.. فوجئ بهروب كل من معه وتركه وحيدا.. فقرر الإقامة لدى أخواله ومنهم بشامة بن الغدير الذى وهبه أشعاره وجزءًا كبيرًا من أمواله. وقد كان شاعرنا.. كعادة شعراء الجاهلية يبدأ قصيدته بالبكاء على الأطلال.. ثم يدخل فى الموضوع.. وينتهى بمجموعة من الحكم.. وهو ما يتضح من معلقته الشهيرة.. حيث يقول فى بدايتها: وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأيا عرفت الدار بعد توهم فلما عرفت الدار قلت لربعها ألا عم صباحا أيها الربع واسلم ثم يحكى قصة الحرب ووساطة هرم والحارث ويشيد بهما.. ثم ينتهى ببعض أبيات الحكمة ومنها: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته، ومن تخطئ يعمر فيهرم وأعلم ما فى اليوم والأمس قبله ولكننى عن علم ما فى غد عم ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم وله أيضا بعض الأبيات المشهورة والتى توارثت العرب والعجم ترديدها.. حتى الآن: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ومهما تكن عند امرئ من خليقة ولو خالها تخفى على الناس تعلم ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ولا يغنها يوما من الدهر يسأم