«إسرائيل جيش له دولة.. وليست دولة لها جيش».. هذا ما كشف عنه كتاب جديد صدر بعنوان «عسكرة التعليم فى إسرائيل» للكاتبة «حجيت جور» والتى أكدت فى كتابها أن التعليم فى إسرائيل لم يسلم من العسكرة التى طالت كل شىء فى الدولة العبرية حتى أن العسكريين السابقين يتولون وظائف عُليا وقيادية فى سلم التعليم، كما يقوم ضباط جيش بالتدريس فى المرحلة الثانوية. الكتاب الذى قامت جامعة القاهرة بترجمته من خلال مركز اللغات الأجنبية والترجمة أزاح الستار كذلك عن توجيه التعليم فى إسرائيل لخدمة خيار الحرب والقتال، حتى أن طلاب المرحلة الإعدادية يتحولون بفعل المناهج الإسرائيلية إلى جنود معبئين بمفاهيم السلب واغتصاب حقوق الآخر. مؤلفة الكتاب «حجيت جور» هى تربوية ومؤلفة مناهج دراسية متخصصة فى الجوانب العملية والنظرية للتربية ولها العديد من المؤلفات بحقوق الإنسان وتعمل أستاذة بجامعة كولومبياالأمريكية.. أما مترجمه فهو د. يحيى إسماعيل أستاذ الأدب العبرى بجامعة المنصورة والمتخصص فى دراسات الشخصية الإسرائيلية فى إطار مشروع جامعة القاهرة للترجمة الذى أطلقه مركز اللغات الأجنبية والترجمة بالجامعة بإشراف «د. محمد عثمان الخشت» مدير المركز. ويعتبر الكتاب الذى نعرضه فى السطور التالية إضافة مهمة للدراسات التى تتناول الشخصية الإسرائيلية كما يقول د.الخشت والتى أسهمت فى فهم الشخصية الإسرائيلية والموروث اليهودى. ويتناول الكتاب قضية التعليم فى إسرائيل وكيف ارتبط بطبيعة عسكرية استقوائية ألقت بظلالها على طبيعة ووضعية الحياة فى إسرائيل.. لاسيما فيما يتعلق بقرارات الحرب والسلم كما يتضمن مدخلًا تتحدث فيه محررته عن الأسباب التى دفعتها إلى الاهتمام بموضوع العسكرة فى التعليم ومن بينها - فى رأيها - أن مظاهر عديدة فى المجتمع الإسرائيلى باتت تطغى على جوانب عديدة به مما يخلق مناخًا يهيئ المدنيين الإسرائيليين إلى قبول فكرة الحرب واعتبار الحلول العسكرية للمشاكل السياسية أمرًا منطقيًا. ويعرض الكتاب جوانب مختلفة من عملية صبغ التعليم فى إسرائيل بصبغة عسكرية من خلال مجموعة مقالات لكتاب إسرائيليين من بينها مقالة للكاتبة «هنريت كاليف» تحت عنوان «جنرالات التعليم فى إسرائيل» وتشير فيه كاتبة المقال إلى أن التعليم الإسرائيلى يساهم فى خلق مناخ يكون فيه خيار الحرب والقتال اتجاهًا مقبولًا.. وأن النزعة العسكرية تغللت فى التعليم كما تغللت فى مؤسسات الدولة اليهودية. ومقالة أخرى للكاتبة الصحفية «تامارا هاجر» بعنوان «مظاهر الحرب والسلام فى أدب الأطفال» خلصت فيها إلى أن بعض كتب الأطفال تدرس مقولات باتت راسخة فى المجتمع الإسرائيلى منها أن الحرب شىء لابد منه إلى جانب مجموعة أخرى من المقالات التى أشارت إليها محررة كتاب «عسكرة التعليم فى إسرائيل» لعدد من الكُتّاب الإسرائيليين تنتقد إشارات التطرف والميل لاستخدام القوة ضد الآخر العربى فى مناهج رياض الأطفال وحتى فى الجامعات وهى إشارات تنمى مشاعر العداء والتعصب. وأشارت مقالة أخرى للكاتبة «روتى قنطور» إلى تأثير البيئة البصرية على وجدان المتلقى وإلى الحضور الكثيف والطاغى للصور والمشاهد ذات الطابع العسكرى فى الحياة العسكرية اليومية مما يخلق انطباعًا بأنها أمر مألوف وعادى وطبيعى وجزء لا يتجزأ من روتين الحياة اليومى. وهكذا تتغلغل العسكرة فى جميع مراحل التعليم ابتداء من رياض الأطفال وحتى الجامعة.. ناهيك عن تغلغلها فى قطاعات مدنية أخرى لتصوغ وجدان الإسرائيلى وتزيف وعيه وتجعله دائمًا أسير جانب معرفى أحادى البُعد ينمى مشاعر العداء والكراهية والتعصب ضد الآخر العربى ويغذى التطرف والميل إلى استخدام القوة.. لذا فإن إسرائيل تعيش حالة حرب مستمرة مع جيرانها! وأكدت محررة الكتاب أنه على الرغم مما ترصده إسرائيل للتعليم من موازنة والذى يتراوح ما بين 4.2 و4.6 من الموازنة العامة إلا أن الحكومات الإسرائيلية تحرص على عسكرة التعليم فى إطار موروث عام طبع وجدان اليهود منذ أعوام بالعداء والتعصب تجاه الآخر. وتكشف محررة الكتاب بأن المجتمع الإسرائيلى يتسم بمظاهر عديدة من مظاهر العسكرة إذ يثير التواجد المكثف للعسكريين فى الشارع اندهاش الغرباء الذين يزورون إسرائيل للمرة الأولى ويشغل عسكريون سابقون وظائف عُليا فى المجالات التعليمية والاقتصادية والسياسية.. مشيرة إلى أن العسكرة فى المجتمع الإسرائيلى حاضرة فى كل مجال بما فى ذلك التعليم سواء الرسمى أو غير الرسمى والذى يتضمن عمليات تأهيل الفتيان والفتيات من خلال المناهج الدراسية ووسطاء فى الإعلام لحتمية الحرب.. وتجنيد الرجال والنساء واعتبار ذلك مكونًا رئيسيًا فى الواقع اليهودى، كما أن هيئة التعليم فى المجتمع الإسرائيلى ترسخ فكرة أن الخدمة العسكرية للفتيات أمر مرغوب فيه ومرحلة طبيعية.. كما تتعرض محررة الكتاب لما يقوم به التعليم فى إسرائيل بتعميق التعليم العسكرى لطلاب المدارس الثانوية الذى يشارك فى تدريسه ضباط من الجيش الإسرائيلى! وتوضح محررة الكتاب أن مفهوم السلام فى المناهج الدراسية يتم بمعزل عن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى فيما يتم تبنى أفكار الحرب المفروضة على إسرائيل. ويناقش هذا الكتاب السُبل المختلفة التى يقوم التعليم فى إسرائيل من خلالها يجعل حضور الجيش والحرب أمرًا بديهيًا فى حياة الشبان والشابات ويخلق المبررات المطلوبة وبتمكين الاستعداد العاطفى ليس فقط من أجل التجنيد والتضحية وإنما أيضًا من أجل إلحاق الأذى بالآخر وقتله (!!) وتشير محررة الكتاب إلى أن التعليم فى إسرائيل يقوم على التفكير المزدوج الذى يرى العالم عبر مصطلحات قاطعة من خلال التركيز على متناقضات قاطعة: خير - شر - نهار - ليل - قوى - ضعيف - بنون - بنات - نحن - هم.. يضع تكرار هذه الثنائيات الوعى فى القوالب الحيوية للتفكير المتعسكر.. هذه الازدواجية تخلق وهمًا ذا خطوط فاصلة واضحة وهذه هى إحدى الطرق التى تجرى عبرها عملية البناء الاجتماعى الذى يعزز العسكرة. وتؤكد محررة الكتاب أن أهم ما يميز التربية والتعليم فى إسرائيل هو عسكرتها لدرجة تجعل الطالب خصوصًا فى المراحل الإعدادية والثانوية جنديًا وبهذا تتكامل المناهج مع التربية لتؤدى دورًا واحدًا هو خلق «جيل متطرف معبأ بكافة المبررات ليسلب ويغتصب حق الآخرين (!!) وتكشف محررة الكتاب أن عسكرة التعليم تتوازى بشكل كامل مع عسكرة المجتمع الإسرائيلى كله حتى باتت إسرائيل جيشًا له دولة وليست دولة لها جيش.. وتتأسس هذه العسكرة على عدد من القواعد والمبادئ العامة منها.. حشو عقول النشء بأن الآخر يضمر لهم شرًا ويشكل خطرًا داهمًا على المجتمع الإسرائيلى مما يستلزم الاستعداد الدائم للتصدى لهذا الآخر.. وكذلك اختلاق الأكاديب والافتراءات حول الآخر والتركيز على سلبياته فضلًا عن ترديد قصص بطولات زعمائهم عبر عصور التاريخ وتعاقبها والتركيز على أن هؤلاء الزعماء خاضوا الحروب وتعرضوا للتنكيل والتعذيب من أجل «شعب إسرائيل ودولة إسرائيل» مما يلزم النشء بضرورة حماية مكاسب الشعب والدولة وهى قصص يزيف فيها التاريخ ويشوه إضافة إلى قصور الشخصية العربية فى المناهج التعليمية بالهمجية والعدوانية والاحتيال والغباء والوحشية وسعيها الدائم للتخريب وجنوحها الدائم لسفك الدماء وكراهية الإسرائيليين وكذلك الحرص على إنكار أى وجود للشعب الفلسطينى أو ذكر أية إشارة له فى المقررات والمناهج فضلًا عن وصف الفلسطينيين بأنهم عرب يعيشون على «أرض إسرائيل».. وأيضًا الربط الكامل بين المؤسسات التعليمية والعسكرية من خلال إشراف العديد من كبار القادة العسكريين - بعد انتهاء الخدمة العسكرية - على العملية التعليمية وتوليهم المناصب العليا وهو أمر شائع فى مؤسسات الدولة الإسرائيلية. فضلًا عن الخلط الواضح بين التعليم والعسكرة ففى منهج الرياضيات مثلًا مسائل تدريبية ترتبط بالحرب كأن يقول: لديك 8450 جنديًا انضم للسلاح الجوى 667 مجندًا وانضم لسلاح المظلات 1245 جنديا.. فكم يتبقى لديك من الجنود؟! وتوضح محررة الكتاب أن إنشاء المدارس والمعاهد التعليمية الدينية التى تولى اهتمامًا غير عادى بالعسكرة والتطرف الدينى على فكرة التفوق على الآخر فيما يسمى «يشيفوت ههسدير» ويقوم الجيش الإسرائيلى بتمويل هذا النوع من المدارس. وتؤكد محررة الكتاب أن المناهج التعليمية والتربوية فى إسرائيل نجحت فى إذكاء نار الكراهية والانتقام من الآخر لدى النشء مما سيؤدى إلى سقوط ثقافة التسامح عند أجيال إسرائيلية قادمة.