فى 4 نوفمبر القادم تبدأ محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى أمام المحاكم المصرية فى الوقت الذى ينتظر فيه المصريون جميعًا المؤيدون والمعارضون هذا التاريخ. أثارت الدعوات التى أطلقتها اللجنة الدائمة القانونية للدفاع عن القضاة، بشأن إعداد ملف قانونى لتوثيق جرائم الرئيس المعزول لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية، انتقادات قضاة ومستشارين، مشيرين إلى أن تلك الدعاوى من شأنها الإساءة للقضاء المصرى، فيما رأى بعضهم أنها قد تكون سبيلاً لإخراج مرسى من مصر والتحايل على إدانته بها. وعن قانونية مثل تلك الدعاوى، وهل يجوز إقامتها؟ وما ذا عن قاعدة إقليمية القانون؟ وغيرها من التساؤلات يجيب عنها قضاة ومستشارون فى سطور التحقيق التالى: بداية، يرى المستشار رفعت السيد رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس نادى قضاة أسيوط السابق أنه لا مجال للحديث عن محاكمة الرئيس المعزل محمد مرسى دولياً فى ظل محاكمته أمام قاضيه الطبيعى فى مصر، لما نسب إليه من اتهامات واردة فى قانون العقوبات المصرى، مشيراً إلى أن مثل تلك الدعاوى تسئ إلى القضاء المصرى، كما أن الداعين لها أو مقدميها من القضاة أو نقابة المحامين أو أساتذة القانون فى الجامعات أو أى مواطنين عاديين، ليس من اختصاصهم الاتصال بالمحكمة الجنائية الدولية وطلبها محاكمة مواطن لا يشغل منصباً سياسياً أو تنفيذياً فى أى دولة. إهانة للقضاء المصرى وأضاف يمكن محاكمة الرئيس المعزول دولياً عن جرائم ضد الإنسانية إذا كان فى السلطة مثل البشير أو رئيس دولة الصرب.. أما إذا كان محبوساً على ذمة قضايا فلا يجوز ذلك، موضحاً أن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لا بد أن تأتى من الأممالمتحدة ومجلس الأمن الذى يحيل الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال السيد إن السودان كانت قد وقعت على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية وصدقت عليها، أما مصر فقد شاركت بوفد برئاسة الدكتور شريف بسيونى ووافقت عليها وشاركت فى الإعداد ووضع قانون المحكمة الجنائية الدولية لكنها لم تصدق عليها حتى الآن أى أنها ليست عضواً وليست ملتزمة بها. تدخل سياسى رأى المستشار أحمد يسرى النجار الفقيه القانونى والمحامى بالنقض أنه من المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية تحاكم فقط فى حالة فشل المحاكم الوطنية عن القيام بذلك طبقا للمادة 17 من نظام روما الأساسى والتى تنص على أن القضية ترفض إذا كانت الدولية المختصة تجرى تحقيقات فى الواقعة أو أن الشخص المطلوب محاكمته معروض أمره على القضاء فيها أو إذا كانت الدولة غير راغبة أو غير قادرة على مقاضاته أو يكون قد سبق محاكمة الشخص المتهم على الفعل ذاته طبقا للفقرة الثالثة من المادة 20 من نظام المحكمة كما أن المحكمة تختص فى حالة ما إذا كانت المحاكمة لم تتم بصورة تتسم بالاستقلال أو النزاهة وفقاً لأصول المحاكمات المعترف بها دولياً. أضاف: يجب أن نلاحظ أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية منحصر فى الإبادة الجماعية، فضلاً عن الجرائم ضد الإنسانية أى الأفعال المحظورة والمرتكبة على نطاق واسع أو منهجى ضد السكان المدنيين مثل القتل العمد والإبادة والاغتصاب والعبودية الجنسية والإبعاد والنقل والتهجير القسرى للسكان والتفرقة العنصرية والاضطهاد الدينى، كما تختص أيضا المحكمة بجرائم الحرب التى تمثل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف عام1949 متى ارتكبت على نطاق واسع وتم تحديد هذه الاختصاصات فى نظام روما الأساسى لتفادى أى غموض أولبس. وأشار النجار إلى أنه لا يخفى أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل انسحبتا من المحكمة الجنائية الدولية، كما لأن للتدخل السياسى للدول الكبرى تأثيرا قويا على تلك المحكمة وهو ما يتطلب منا إعادة النظر فى مثل هذا المطلب الخاص بإحالة مرسى للجنائية الدولية، وخاصة أن القضاء المصرى مشهود له بالكفاءة والنزاهة والشفافية على مستوى العالم وهو ما يكفى لمحاكمة الرئيس المعزول أمامه كما أن إحالته للمحاكمة الجنائية عن أفعاله سواء بالخيانة العظمى أو التخابر أو بقتل المتظاهرين أو التربح أو خلافه من جرائم ارتكبها تجرى فيها النيابة العامة تحقيقاتها والتى تتميز بالنزاهة الكاملة، ولعل خير دليل على ذلك هو انسحاب المستشار د.عبد المجيد محمود من منصبه كنائب عام حتى يزيل أى شك أو شبهة بشأن التحقيقات التى تجرى مع الرئيس المعزول أو الجماعة المحظورة. مكانة القضاء وأضاف: من جهة أخرى فأن إحالة الرئيس المعزول للمحاكمة الجنائية أمام القضاء المصرى سبب فى عدم قبول محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية عن ذات الأفعال المقدم بها أمام القضاء المصرى الذى يتسم بالنزاهة والحيادية ضارباً المثل على نزاهته بالقضايا التى حركها مواطنون ضد قضاة ومستشارين وحكمت المحاكم ضد هؤلاء الأخيرين وأنصفت المواطنين. دلائل الإثبات ورأى المستشار محسن هيكل رئيس محكمة الاستئناف بمحكمة استئناف الإسكندرية أنه إذا ما ثبت أن الرئيس المعزول السابق مرسى قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم تتسم بالعنصرية أو الطائفية أو التطهير العرقى فيجب أن تكون محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تخرج هذه الجرائم من إطار المحلية إلى الدولية كونها تشكل خطورة ليس على المجتمع المحلى فحسب، بل على المجتمع الدولى بأسره ومن ثم تجوز محاكمة كل من يثبت ارتكابه لمثل هذه الجرائم دولياً. وأشار هيكل إلى أن الرأى الذى يذهب إلى محاكمة مرسى أمام الجنائية الدولية هو رأى له وجاهته، وله سنده من القانون الدولى، شريطة أن يثبت ارتكابه لهذه الجرائم فإن لم يثبت ذلك فلا كلما، ولا سند لمحاكمته أمام الجنائية الدولية ولا ينطق على الرئيس المعزول فحسب، ولكن ينطبق ذلك على كل مسئول له صفة رسمية يسلك هذا السلوك. إقليمية القانون وقال المستشار علاء شوقى رئيس محكمة جنايات الجيزة إن القانون الوضعى يؤكد أن ما يرتكب على أرض مصر تتم محاكمة مرتكبيها على أرض مصر وهو ما يعرف بمبدأ إقليمية القانون أما المحاكمة الجنائية الدولية فهى توصية تنشأ أو تخرج من المنظمات العالمية المنبثقة عن الأممالمتحدة وتكون إزاء جرائم تمت فى بلد ما أو فى دولة ما ولم يقم حكامها بمحاسبة من قام بهذه الجرائم لاعتبارات سياسية أو حزبية أو عرقية أو دينية أو غيرها. قال شوقى إن المحاكمة الجنائية الدولية تكون فى حالة امتناع الدولة عن المحاكمة لمرتكب الجرائم ورداً على تجاوزات وجرائم أو انتهاكات فى حق شعوب يتراخى حكامها عن ملاحقة مرتكبيها بالعقاب أو المحاكمة فهو حق دولى ينشأ نتيجة الصمت المحلى للاعتبارات التى ذكرناها. خطة إخوانية ورأى المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولية الأسبق أن الهدف من ذلك هو إخراج مرسى من حيز القضاء المصرى لمحاكمته فى لاهاى وإخراج د.مرسى خارج البلاد فهى خطة إخوانية، فمن ينادى بذلك يعمل لصالح خطة وهى محاكمة مرسى فى الخارج والإفلات من القضاء المصرى والمحاكمة فى مصر وهم يعتقدون أن ما يتم هو اعتقال وليس حبسا احتياطيا نتيجة تحقيقات جنائية. وأضاف أن جرائم الإبادة الجماعية لا تنطبق على حوادث الشيعة فمن حرض هو محرض فقط ولكنه لم يرتكب الجريمة وواقعة الإبادة الجماعية لم تحدث ولكن من نفذ الجريمة هم من السنة ضد هؤلاء الأفراد الشيعة. أضاف أن العبرة بالنسبة للقانون بمكان وقوع الجريمة، فالجرائم التى وقعت هنا ارتكبت على أرض مصر بغض النظر عن جنسية المتهم، فالجريمة هنا وقعت على أرض مصر والعبرة هنا أن القانون الجنائى يحترم الأمن الوطنى للأرض الوطنية فما دامت الجريمة وقعت على الأرض الوطنية فالوطن هنا يعاقب ويحاسب من ارتكب هذه الجريمة. ويضيف أن هذه الدعاوى ليست فى محلها على الإطلاق. الاختصاص المكانى رأى المستشار إسماعيل البسيونى رئيس محكمة الاستئناف ورئيس نادى قضاة الإسكندرية السابق أن هذا المقترح لا يصح قانونًا لأن مبدإ أقليمية القوانين يقتضى أن تختص محاكم الدولة بجميع مرتكبى الجرائم التى تقع على أرضها وتحت سمائها وفى مياهها الإقليمية مادام أن مرتكب هذا الفعل متواجدًا على الأراضى المصرية، أما إذا كان الرئيس المعزول قد غادر البلاد أو هرب منها ففى هذه الحالة يمكن أن نطلب من المحكمة الجنائية الدولية أن تحاكمه. وهذا ما حدث مع سيف الإسلام القذافى عندما طلبت المحكمة الجنائية الدولية من السلطات الليبية تسليمه لمحاكمته أمامها، ورفضت الدولة الليبية وأكدت أن المحاكم الليبية هى وحدها المختصة بمحاكمة سيف القذافى عن الجرائم التى ارتكبها على الأراضى الليبية، ومثل ذلك أيضًا ما أصدرته المحكمة الجنائية الدولية من أمر بضبط البشير لمحاكمته أمامها إلا أنها لم تستطع تنفيذه لأنه ما زال فى الأراضى السودانية، ولكنه إذا سافر إلى الخارج وتواجد فى دولة موقعة على اتفاقية الجنائية الدولية ومصدقة عليها فينبغى أن تقبض عليه وتسلمه إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته أمامها، وهو الأمر الذى حدث مع سيلونان سلوميت حاكم يوغوسلافيا السابقة (جمهورية العرب) الذى ارتكب مذبحة سير بريتشا فى حرب البوسنة والهرسك. وتمت محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية لأن الدولة التى لجأ إليها وهى النمسا سلمته إلى المحكمة الجنائية الدولية. قضاء مستقل ويضيف نحن دولة لنا سيادة ولنا قضاء مسستقل ومحاكم تحاكم كل مواطن يعيش على أرض مصر ولا تستطيع مصر أن تسلم أحدا من رعاياها إلى المحكمة الجنائية الدولية عملًا بمبدأ السيادة على أراضيها وإقليمية القوانين وهذا الأمر كان مثار شد وجذب بين القذافى والولاياتالمتحدة وبريطانيا عندما أسقط رجال مخابراته طائرة لوكيربى وكان القذافى يرفض تسليم رجاله «المقرحى» وتمت محاكمته فى إسكتلندا على أساس تطبيق مبدأ إقليمية القوانين وهو مبدأ تتمسك به جميع الدول فىالعالم كله. عدم جواز قال المستشار إبراهيم محمد نجيب المحامى بالنقض والفقيه القانونى إنه لا يجوز فى حالة الدكتور مرسى محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية لأن القضاء المصرى كفيل بمحاكمته إذا ثبت عليه ارتكابه جرائم ينطبق عليها قانون العقوبات، وإذا وجدت هناك أدلة فالقانون المصرى كفيل بمعاقبته. توثيق جرائم المعزول وأكد المستشار رواد فاروق حما المتحدث الرسمى باسم اللجنة القانونية للدفاع عن القضاء وسيادة القانون أن اللجنة تعكف على توثيق مخالفات الرئيس المعزول خلال فترة حكمه باستخدام السى دى والفيديوهات وقد انتهت هذه اللجنة من ترجمة حكم جنح استئناف الإسماعيلية الخاص بقضية اقتحام السجون وهروب المسجونين ومنهم المعزول والمعروفة بقضية «الهروب الكبير» والتى أدين فيها المعزول وقادة جماعته وقد أكدت حيثيات الحكم التى تم ترجمتها إدانة المعزول بالهروب وإشاعة الفوضى فضلا عن اتهامه بالتخابر مع «حماس». ويضيف المستشار حما أن اللجنة تقوم أيضًا بتوثيق جميع الجرائم الإرهابية وترويع المواطنين والقتل وإثارة الفوضى منذ 25 يناير 2011 وحتى ثورة 30 يونيو 2013 والتى تعد من الجرائم الإرهابية فى القانون الدولى تمهيدًا لإرفاقها بملف الدعوى. ويؤكد أنه لا توجد ازدواجية فى حال قبول المحكمة الجنائية الدولية الدعوى ضد الرئيس المعزول وبين محاكمته محليًا. حيث إن المحكمة الجنائية الدولية تعاقب على أفعال تسمى جرائم وفق القانون الدولى وغير منصوص عليها فى قانون العقوبات المصرى مثل التمييز والاضطهاد العرقى والازدراء وان الرئيس المعزول ارتكب مثل هذه الأفعال فى حق عدد من طوائف المجتمع ومنهم القضاة والأقباط فضلًا عن دعوى التمييز التى أدت إلى مقتل الأربعة الشيعة والتمثيل بجثثهم. ويضيف أنه بعد انتهاء القضاء المصرى من محاكمة الرئيس المعزول وقضائه مدة العقوبة داخل السجون المصرية فى حالة إدانته ستكون السلطات المصرية ملزمة بتسليمه إلى الانتربول وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ليقضى عقوبته التى ستقرها المحكمة الدولية فى الإدانته شريطة ألا يكون الحكم الصادر ضده من المحكمة الجنائية الدولية لم يعاقب عليه أمام المحاكم المصرية. لا مبرر للانزعاج أما المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق فقد رأى أنه إذا كانت هذه القضية لها فروع فى جميع الدول فما المانع من إنشاء هذا المكتب فى مصر وإذا كانت الحكومة تتخذ قراراً فى هذا الشأن ولابد أن تكون قد قامت بدراسة متأنية لآثار هذا القرار المهم فحينما يوجد فرع لمنظمة دولية تمثل الأممالمتحدة فلا خطورة منها ما دامت تعمل تحت رقابة الحكومة ونظرها. ويضيف أن مصر بثقلها التاريخى ووصنعها الإقليمى والعربى والأفريقى وريادتها وزعامتها للأمة العربية توجب الاهتمام بها وإنشاء مكتب للمفوضية لها بالقاهرة وإذا كنا سنسمح بإشراف دولى للانتخابات البرلمانية والرئاسية فلماذا ننزعج من وجود فرع للمفوضية لمراقبة حقوق الإنسان وبملاحظة أن إنشاء فرع لها سيأتى بموافقتنا وأن بقاءها واستمرارها مرهون بموافقتنا على استمرار عملها فى بلدنا. ويضيف أنه لا مبرر للازعاج وأن مجرد التخوف ليس كافيا للازعاج فنحن أعضاء فى الأممالمتحدة ونحن ملتزمون بميثاق حقوق الإنسان والأممالمتحدة فما المانع من ذلك.