معظم الأنبياء حجوا إلى بيت الله الحرام منذ آدم عليه السلام إلى رسول الله(( صلى الله عليه وسلم )) ونتناول ذلك فى ضوء أقوال الرسول (( صلى الله عليه وسلم ))فى حج الأنبياء:(آدم عليه السلام حاجاً: عن أنس بن مالك أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) قال: (كان موضع البيت فى زمن آدم شبراً أو أكثر علماً، فكانت الملائكة تحجه قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة فقالوا: يا آدم من أين جئت؟ قال: حججت البيت، فقالوا: قد حجته الملائكة قبلك). وعن عروة بن الزبير أنه قال (ما من نبى إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود و( صلى الله عليه وسلم )الح، ولقد حجه نوح فلما كان من الأرض ما كان من الغرق أ( صلى الله عليه وسلم )اب البيت ما أ( صلى الله عليه وسلم )اب الأرض، وكان البيت ربوة حمراء، فبعث الله هوداً عليه السلام فتشاغل بأمر قومه حتى قبضه الله إليه فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله لإبراهيم عليه السلام حجه، ثم لم يبق نبى بعده إلا حجه. يقول ابن هشام: لم يبعث الله - تعالى - نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج هذا البيت، فموسى حج راكباً على جمل أحمر، وعليه عباءتان، فطاف بالبيت، وبين ال( صلى الله عليه وسلم )فا والمروة. وروى ابن عباس عن النبى (( صلى الله عليه وسلم )) أنه قال: ( أتى على هذا الوادى عيسى، وموسى، و( صلى الله عليه وسلم )الح، وذكر غيرهم من الأنبياء على بكرات خطمهم الليف، وأذرهم النمار، وأرديتهم العباء، يلبون يحجون البيت العتيق). وروى عبد الله بن الزبير أن النبى (( صلى الله عليه وسلم )) قال: (حج البيت ألف نبى من بنى إسرائيل، لم يدخلوا مكة حتى عقلوا أنعامهم بذى طوى)، وعن مجاهد قال: كنا عند ابن عباس رضى الله عنهما فذكروا الدجال فقال: إنه مكتوب بين عينيه كافر، وقال ابن عباس: لم أسمعه قال ذاك ولكنه قال: أى النبى (( صلى الله عليه وسلم )) (أما إبراهيم فانظروا إلى ( صلى الله عليه وسلم )احبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر، مخطوم بخلبة، كأنى أنظر إليه إذ انحدر فى الوادى يلبى). حج إبراهيم - عليه السلام – يظهر حج إبراهيم فى ثلاثة مواقف فى القرآن الكريم: الموقف الأول: الأذان والإعلان للناس بالحج يدل عليه قول الله: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}. الموقف الثاني: بناء البيت ورفع قواعده مع ابنه إسماعيل، والخوف والوجل من عدم تقبل العمل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. الموقف الثالث: تعرض الشيطان لسيدنا إبراهيم – عليه السلام – ورميه له بالحجارة مما جعل هذا الفعل سنة متبعة إلى يومنا هذا. عن ابن عباس - رضى الله عنهما - رفعه إلى النبى(( صلى الله عليه وسلم )) قال: (لما أتى إبراهيم خليل الله ( صلى الله عليه وسلم )لوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع ح( صلى الله عليه وسلم )يات حتى ساخ فى الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع ح( صلى الله عليه وسلم )يات حتى ساخ فى الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع ح( صلى الله عليه وسلم )يات حتى ساخ فى الأرض)، قال ابن عباس - رضى الله عنهما -: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون. وعن عمرو بن عبد الله بن ( صلى الله عليه وسلم )فوان أن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفاً بعرفة مكاناً بعيداً من الموقف، فأتانا ابن مِرْبَع الأن( صلى الله عليه وسلم )ارى فقال: إنى رسول رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) إليكم يقول: (كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم - عليه السلام). حج نوح عليه السلام: وقال الحافظ أبو يعلى: حَدَّثَنا سفيان بن وكيع، حَدَّثَنا أبي، عن زمعة - هو ابن أبى ( صلى الله عليه وسلم )الح - عن سلمة بن دهران، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: حج رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) فلما أتى وادى عسفان قال: (يا أبا بكر أى واد هذا)؟ قال هذا وادى عسفان. قال: (لقد مرّ بهذا نوح وهود وإبراهيم على بكران لهم حمر خطمهم الليف، أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق). فيه غرابة. حج موسى ويونس بن متى - عليهما السلام - : عن ابن عباس - رضى الله عنه - أن رسول الله (( صلى الله عليه وسلم )) مرَّ بوادى الأزرق فقال: (أى واد هذا؟) فقالوا: هذا وادى الأزرق، قال: (كأنى أنظر إلى موسى - عليه السلام - هابطاً من الثنية (المرتفع من الأرض) وله جؤار (( صلى الله عليه وسلم )وت مرتفع) إلى الله بالتلبية، ثم أتى على ثنية هَرْشى قال: كأنى أنظر إلى يونس بن متى - عليه السلام - على ناقة حمراء جعدة (كثيرة اللحم) عليه جبة من ( صلى الله عليه وسلم )وف، خطام ناقته خُلبة (ليف) وهو يلبى 30 قال النووي: «أخبر عما أوحى إليه - ( صلى الله عليه وسلم )لى الله عليه وسلم - من أمرهم، وما كان منهم، وإن لم يرهم رؤيا عين». وجاء من حديث ابن مسعود أن النبى (( صلى الله عليه وسلم )) قال: (كأنى أنظر إلى موسى فى هذا الوادى محرما بين قطوانتين).وجاء عن ابن عباس - رضى الله عنه - قال قال رسول الله (( صلى الله عليه وسلم ))( كأنى أنظر إلى يونس على ناقة خطامها ليف و عليه جبة من ( صلى الله عليه وسلم )وف وهو يقول : لبيك اللهم لبيك). حج عيسى - عليه السلام : قال - ( صلى الله عليه وسلم )لى الله عليه وسلم -: (كأنى أنظر إلى موسى، وكأنى أنظر إلى عيسى، وكأنى أنظر إلى يونس عليهم السلام). عن أبى هريرة - رضى الله عنه - عن النبى (( صلى الله عليه وسلم )) قال: (والذى نفسى بيده ليهلنَّ ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهم). حج سليمان عليه السلام: أورد المؤرخون أن سليمان عليه السلام حجَّ إلى بيت الله الحرام بمكة، فى ركبٍ مَلَكيٍ كبيرٍ وفّى فيه نذره، وقدم فى حجته ذبائح وقرابين كثيرةً، وأنه بعد حجه عليه السلام سافر بركبه إلى اليمن، ودخل أرض ( صلى الله عليه وسلم )نعاء. والله أعلم. قال النووي: «قال القاضى عياض - رحمه الله: أكثر الروايات فى و( صلى الله عليه وسلم )فهم تدل على أنه (( صلى الله عليه وسلم )) رأى ذلك ليلة أسرى به، وقد وقع ذلك مبيناً فى رواية أبى العالية عن ابن عباس، وفى رواية ابن المسيب عن أبى هريرة - رضى الله عنه ، وليس فيها ذكر التلبية، قال: فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم أموات، وهم فى الدار الآخرة، وليست دار عمل، فاعلم أن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة:-أحدها: أنهم كالشهداء بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم فلا يبعد أن يحجوا وي( صلى الله عليه وسلم )لوا كما ورد فى الحديث الآخر، وأن يتقربوا إلى الله - تعالى - بما استطاعوا، لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم فى هذه الدنيا التى هى دار العمل، حتى إذا فنيت مدتها وتعقبتها الآخرة التى هى دار الجزاء؛ انقطع العمل. الوجه الثاني: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء قال الله - تعالى -: ( دعوتهم فبها سبحنك اللهم و تحيتهم فيها سلم ). الوجه الثالث: أن تكون هذه رؤية منام فى غير ليلة الإسراء أو فى بعض ليلة الإسراء كما قال فى رواية ابن عمر - رضى الله عنهما -: (بينا أنا نائم رأيتنى أطوف الكعبة) وذكر الحديث فى ق( صلى الله عليه وسلم )ة عيسى - عليه السلام -. الوجه الرابع: أنه (( صلى الله عليه وسلم )) أُرى أحوالهم التى كانت فى حياتهم، ومثلوا له فى حال حياتهم كيف كانوا، وكيف حجهم وتلبيتهم كما قال (( صلى الله عليه وسلم )): (كأنى أنظر إلى موسى، وكأنى أنظر إلى عيسى، وكأنى أنظر إلى يونس عليهم السلام). الوجه الخامس : أن يكون أخبر عما أوحى إليه (( صلى الله عليه وسلم )) من أمرهم وما كان منهم وإن لم يرهم رؤية عين، وهذا آخر كلام القاضى عياض - رحمه الله».