هل يهدف الرئيس الإيرانى حسن روحانى لحوار جدى مع الغرب حول البرنامج النووى لبلاده؟ سؤال تطرحه المستجدات الراهنة على الساحة الدولية، حيث أبدى روحانى استعداده للحوار مع الغرب بدون شروط مسبقة، وأكد ذلك فى مقال له بصحيفة « واشنطن بوست» الأمريكية، حيث أشار فى المقال الذى كتبه بعنوان «لماذا تطمع إيران لمشاركة بناءة»: قبل ثلاثة أشهر تفاءل الإيرانيون بالسياسة الجديدة التى اتبعتها، والتى تعتمد على الأمل والتعقل، فأنا أطمح للوفاء بعهودى ومن بينها السعى من أجل حوار مع العالم. ولم يكتف روحانى بالمقال الذى نشره فى كبريات الصحف الأمريكية، إذ أجرى حوارا تليفزيونيا مع قناة «إن بى سى» الأمريكية، وشدد فيه على أنه يريد إيصال رسائل إيجابية للأمريكيين والغرب بشكل عام عن نهجه التصالحى، وأن ذلك يحظى بدعم مباشر وقوى من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله على خامنئى، ولم تكن الحوارات الصحفية والتليفزيونية الوسيلة الوحيدة التى استخدمها روحانى فى إيصال رسائله للغرب، إذا شدد على رغبته فى فتح حوار جدى مع الغرب خلال مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، ولقائه العديد من الرؤساء مثل الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند. وقد أثار التوجه الإيرانى الجديد تساؤل المراقبين والمهتمين بالعلاقات الإيرانيةالأمريكية حول ما إذا كانت المحاولة الإيرانية تعنى تحولا استراتيجيًا فى السياسة الإيرانية. وفى هذا الإطار ذكرت مجلة « إيكونوميست» البريطانية أن الخطوات التى اتخذتها إيران خلال الأيام الأخيرة تشير إلى أن نهجها المتشدد إزاء العلاقات الدولية قد تراجع، وأوضحت المجلة أن روحانى يبدو راغبا فى إقامة حوار موسع مع الولاياتالمتحدة بهدف إيجاد حل حتى لو كان مؤقتا للأزمة النووية بين البلدين، وركزت إيكونوميست على مجموعة من الخطوات التى اتخذها روحانى، وتعد مؤشرا على سياسته الجديدة مثل قراره بالإفراج عن 11 سجينا سياسيا بارزا من بينهم الناشطة الحقوقية « نسرين سوتوده» وغيرها، ثم قيامه بتوجيه رسائل مكتوبة تحدث فيها مباشرة مع أعدائه، فقد وجه خطابا إلى نظيره الأمريكى باراك أوباما، كما كتب تغريدات على موقع تويتر لتهنئة اليهود بأعيادهم، أما الخطوة الأكثر جرأة من وجهة نظر المجلة فتتمثل فى تحويل مهمة الملف النووى إلى وزارة الخارجية بقيادة جواد ظريف وليس مجلس الأمن القومى. ولكن يبقى السؤال، هل المرونة التى يبديها روحانى يمكن أن تكون بعيدة عن توجه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية أو دون موافقته؟ يؤكد «على نوريزادة» مدير مركز الدراسات الإيرانية فى لندن لإذاعة «دويتشه فيله» الألمانية أن المرونة التى يبديها روحانى تأتى فى ظل ضوء أخضر من المؤسسة الدينية فى البلاد، فالمرشد الأعلى يشعر بقلق بالغ جراء غليان الشارع الإيرانى، بالإضافة إلى ما تشهده دول المنطقة من تغييرات، فخامنئى يثق فى روحانى، وهو بحاجة إليه فى الوقت الراهن لإنقاذ نظام الجمهورية الإسلامية من الانهيار، ويؤكد نوريزادة أن النظام الإيرانى يبحث فى الوقت الراهن عن السبل التى من شأنها إخراجه من العزلة المفروضة عليه، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية، والتى كبدت الاقتصاد الإيرانى خسائر بمليارات الدولارات، وأثرت بشكل مباشر على حياة الإيرانيين، وهو ما ظهر فى خيارات الناخب الإيرانى فى انتخابات الرئاسة، بل إن أحد أسباب انتخاب روحانى كان العمل على إخراج البلاد من الوضع المأساوى الذى وقعت فيه، وتوفير مناخ مناسب للخروج من العزلة والانفتاح على العالم، وروحانى باعتباره رجل براجماتى قد يكون مناسبا لهذه المرحلة. وحول التنازلات التى يمكن أن يقدمها روحانى لإنجاح حواره مع الغرب، يقول المحلل الإيرانى أن بإمكان روحانى أن يفعل الكثير لطمأنة الغرب، مثل فتح الأبواب أمام المفتشين الدوليين، وباستطاعته كذلك إقناع العالم أن له القدرة على وقف تخصيب اليورانيوم أو على الأقل عدم تجاوز نسبة العشرين فى المئة من التخصيب. على الجانب الآخر، أكد «كينيث بولاك» محلل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق فى مقال بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن رغبة روحانى فى توجيه بلاده نحو مسار جديد يتسم بالاعتدال والانفتاح يجب ألا تعمى الولاياتالمتحدة عن رؤية الصعوبات التى لاتزال تقف فى طريق الوصول لحل دبلوماسى لأزمة البرنامج النووى الإيرانى مشيرا إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية خامنئى هو المسئول عن إصدار القرار النهائى بشأن هذه التسوية وليس روحانى، ورأى بولاك أنه فى حال فشلت المساعى فى التوصل لحل دبلوماسى، فإن الولاياتالمتحدة ستختار أحد بديلين، إما استخدام القوة لمنع إيران من تطوير ترسانة نووية، وإما احتواء إيران نوويا إلى أن ينهار نظامها السياسى بسبب عيوبه، وقال بولاك إن ذلك سيكون اختيارا صعبا، لذا ينبغى علينا التفكير فيه من الآن، نظرا لأن الولاياتالمتحدة لن تستطيع تحمل رؤية انهيار جهودها الدبلوماسية فجأة، أو أن تجد نفسها مجبرة على أن تزج بنفسها دون استعداد مسبق مثلما حدث فى سوريا.