عملية بزوغ نجم كوميدى يستحوذ على ضحكات الجمهور المصرى تستغرق مابين 20و 25 سنة. تكون هى الزمن الفاصل بين لحظة صعود نجم جيل من الكوميديانات وزمن تألق جيل سابق له. نجيب الريحانى وعلى الكسار وثالثهم شالوم الممثل الكوميدى اليهودى المصرى الذى ظهرت له سلسلة أفلام فى الثلاثينيات .الثلاثة من مواليد بدايات القرن العشرين وبالتحديد مابين سنة 1887و1900.. المعنى أنهم الثلاثة من فئة عمرية واحدة بمعنى أن الثلاثة عاصروا وتفاعلوا مع جملة التغيرات السياسية والاجتماعية التى شهدتها مصر وقتها. ومن عمق هذا التعايش خرجت إلينا شخصية كل واحد فيهم الكوميدية الساخرة معنا مما يدور حولنا .نفس الملاحظة تنطبق على الجيل التالى لهم. جيل فؤاد المهندس. وعبد المنعم مدبولى وعبد المنعم إبراهيم.. عبد المنعم مدبولى من مواليد عام 21و فؤاد المهندس وعبد المنعم إبراهيم من مواليد عام 24 بين الجيلين ظهر الكوميديان المحبوب إسماعيل ياسين وهو من مواليد عام 1912. وإذا كان جيل المهندس ومدبولى لمع فى الخمسينيات فإن السبعينيات حملت إلينا حدث بزوع الجيل التالى لهم .جيل عادل أمام . وسعيد صالح. ويونس شلبى وأحمد بدير .ومحمد أبو الحسن وفؤاد خليل... عادل أمام وحسن مصطفى وسعيد صالح وفؤاد خليل ومحمد أبو الحسن وسميرغانم وجورج سيدهم والضيف أحمد. كلهم من مواليد السنوات الأخيرة من الثلاثينيات والأولى من الأربعينيات.. ففى نهاية الثلاثينيات كان ميلاد سمير غانم وسعيد صالح (عام37) وجورج سيدهم (عام 38) ومحمد أبو الحسن (عام38). فىحين كان عام 40 هو عام ميلاد النجم عادل أمام وعام 49 هو عام ميلاد يونس شلبى وعام 45 هو عام ميلاد النجم أحمد بدير،......جيل محمد هنيدى بزغ نجمهم فى التسعينيات (بعد 20سنة) من تألق نجم جيل عادل أمام...جيل محمد هنيدى أيضاً تنطبق عليه نفس الملحوظة كلهم من مواليد الستينيات.. أشرف عبد الباقى مولود عام 63، محمد هنيدى مولود عام 65، محمد سعد من مواليد عام 68 ، أحمد حلمى من مواليد عام 69، هانى رمزى من مواليد عام64....ونصل إلى جيل المضحكين الجدد. آخر جيل ظهر وهو جيل أحمد مكى وماجد الكدوانى وإدور.وإن كان مكى لوحده حتى الآن الذى تأكدت نجوميته.هم أيضا من مواليد فترة زمنية واحدة تقريباً. وظهورهم جاء أيضا بعد 20سنة فاصلة بينهم وبين الجيل السابق لهم جيل محمد هنيدى. ...هذا العرض يدفعنا إلى السؤال عن (السنوات المشتركة بين جيل متألق ووصل إلى ذروة النجومية وجيل صاعد متغول فى استحواذه على فرصة التربع على عرش النجومية) والسؤال نفسه يجرنا للحديث عن سنوات النهاية فى حياة نجوم الكوميديا... ....قبل الإجابة على السؤالين نتعرف أولاً .كيف صاغ كل جيل صوره الساخرة مما يدور فى زمانه؟ فى الثلاثينيات كانت مصر تعيش حالة المد الثورى الذى بدأ مع ثورة 19 بقيادة سعد زغلول وفى الوقت نفسه تعانى من سطوة صراعات القوى الاستعمارية على مصائر الناس فى العالم والأيام السابقة للحرب العالمية الثانية والمعاصرة لها. والأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة فى الثلاثينيات. فى هذه الأجواء وعلى مدى ربع قرن تقريبا جاءت الصور الساخر من هذه الأحوال فى كوميديا. شالوم. ونجيب الريحانى وعلى الكسار ومن بعدهم اسماعيل ياسين. نجيب الريحانى واسمه الحقيقى نجيب إلياس ريحانه. ولد فى حى باب الشعرية الشعبى وقضى سنوات حياته الأولى فى حى باب الشعرية. والده كان مسيحيا من أصل عراقى يعمل فى تجارة الخيل وبحسب الروايات التاريخية كان نجيب الريحانى شخصية انطوائية وربما من الانفراد بنفسه وقت أطوال نفهم كيف اكتسبت سخرية الريحانى عمقها الفلسفى. الريحانى دخل مدرسة ألفرير الفرنسية ولما وصل إلى الباكالورية تدهورت حالة والده المالية فلم يكمل تعليمه، وعمل موظفًا فى الحسابات بشركة السكر فى نجع حمادى ب 6 جنيهات فى الشهر،.. وتقريبا من هذه التجربة ابتدع الريحانى الشخصية الكوميدية التى ذاع بها صيته شخصية كشكش بك. شالوم وهو كما قلت ممثل يهودى مصرى لم تتوفر لدى عند كتابة هذه السطور معلومات عن نشأته لكن تاريخ السينما المصرية يحتفظ ب «سلسلة أفلام باسمه». شالوم صاغ سخريته مما يدور حوله فى ثنائى كان ثابتا فى كل أفلامه هذا الثنائى كان شالوم وعبده. على الكسار عمل فى بداية حياته مع أبيه فى مهنة السروجية ثم هجر هذه المهنة وعمل «طباخ» مع خاله وهذه التجربة «تجربة العمل طاهيا» أتاحت له فرصة الاحتكاك بالنوبيين.الذين كانوا شبه محتكرين لمعظم مهن العمل فى بيوت «الأكابر» فى ذلك الزمن، ومن احتكاكه بالنوبيين ابتدع على الكسار الشخصية الكوميدية التى أفرغ فيها سخريته مما يدور حواه ومعه اسماعيل ياسين على نخلة وشهرته اسماعيل ياسين. ماتت أمه وهو طفل وكان هو الولد الوحيد لأبيه كان الأب ميسور الحال لكنه كان مسرفا وتسبب إسرافه فى إفلاسه ودخوله السجن الأمر الذى دفع اسماعيل ياسين إلى الانقطاع عن المدرسة «كان قد وصل إلى سنة رابعة ابتدائى» ولما اضطر اسماعيل إلى تحمل نفقات نفسه عمل وهو صبى فى مهن عديدة عمل مناديا أمام محل أقمشة فى السويس «بلده» وعمل مناديا فى موقف السيارات بالبلدة أيضًا وفى سن ال 17 ترك السويس وجاء إلى القاهرة وقبل احترافه العمل بالفن عمل صبيا فى مقهى فى شارع محمد على.. ومن تجربة الحياة فى شارع محمد على جاءت الفرصة الأولى لإسماعيل ياسين. عمل مغنيًا مع عالمة اسمها نوسة من عوالم شارع محمد على لكن تعارفه ب أبو السعود الإبيارى قاده إلى ملهى بديعة مصابنى.. وشكلت ثنائية اسماعيل وأبو السعود كل الصور التى قدمها اسماعيل فى أفلامه ساخرًا مما يدور فى زمانه. فى الجيل التالى لهؤلاء كانت السمة الملحوظة انتماء هذا الجيل «جيل المهندس ومدبولى» إلى الطبقة المتوسطة أو للدقة إلى طبقة المتعلمين. فؤاد المهندس. هو الابن الثالث للأستاذ زكى المهندس العالم اللغوى المعروف عضو مجمع اللغة العربية لسنوات. وشقيق الإذاعية الشهيرة صفية المهندس خريج كلية التجارة. ومن قبل درس فى مدارس العرب التركية. عبد المنعم إبراهيم محمد حسن وشهرته عبد المنعم إبراهيم أحمد من قرية ميت حلاوة بالغربية ويرقد جسده فى مدافنها حاليا. لكن حياته وحياة شبابه كان فى مدينة بنى سويف.. وهو حاصل على دبلوم صناعى متوسط من مدرسة بولاق، عبد المنعم مدبولى من مواليد حى باب الشعرية الحى الذى خرج إلينا منه (نجيب الريحانى)تعليمة أيضا متوسط لكنه درس التمثيل فى المعهد العالى للتمثيل العربى (عبد المنعم إبراهيم أيضا درس التمثيل تأثر هذا الجيل بالجيل السابق له من الكوميديانات كان واضحا جدًا فؤاد المهندس أخذ سكة قريبة من سكة أستاذه نجيب الريحانى (هو عمل فى فرقة الريحانى فى آخر أيام الريحانى) شاهده الريحانى فى فريق التمثيل بالكلية فاعجب به وضمه للفرقة. مدبولى أخذ سكة على الكسار، عبد المنعم مدبولى استهوته الكاكترات. وبالذات كاركتر الأزهرى أو المتحدث باللغة العربية الفصحى. المدرسة التى ضمتهم جميعاً كانت البرنامج الإذاعى ساعة لقلبك. .. ومن هذا الجيل كان ثلاثى أضواء المسرح (سمير وجورج والضيف أحمد) وهم اختاروا تجسيد صورة شباب ذلك الزمن وسخريتهم مما يدور فى محيط حياتهم.. سمير من أسيوط، وجورج من سوهاج والضيف من القاهرة، ومن نجوم فريق برنامج ساعة لقلبك كان أمين الهنيدى وجاء لاحتراف الفن من الخرطوم حيث كان يعمل مدرس ألعاب (تربية رياضية) ومعه فى ساعة لقلبك.. الدكتور شديد أو محمد فرحات من مواليد العباسية، والخواجة بيجو أو محمد فؤاد أمين راتب ومنهم محمد يوسف ومحمد أحمد المصرى (أبو لمعة). الدكتور شديد جسد شخصية الشخص ضعيف التركيز ومحمد أحمد المصرى قدم شخصية الكذاب، والخواجة بيجو قدم شخصية خواجة دئما بينها وبين الآخرين مسافة، وجسد أحمد الحداد فى برنامج ساعة لقلبك شخصية (الرغاية) أو الثرثار. وفى الفترة الزمنية الوسطى بين هذا الجيل وجيل عادل أمام ظهر نجم محمد عوض.. عوض ابتعد عن تقديم الكاركترات النمطية وبدأ أقرب إلى تقديم (الشباب) طارحا سخريته من جيل شباب زمانه ومما يدور حوله. محمد رضا أحمد عباس وشهرته محمد رضا من أسيوط درس الهندسة التطبيقية كما درس التمثيل فى المعهد العالى للفنون المسرحية وتتلمذ على يد يوسف وهبى وزكى طليمات، عمل لفترة مهندس بترول، رضا استهوته شخصية المعلم (ابن البلد)، وسار فيها على سكة عبد الفتاح القصرى. ونصل إلى الجيل الذى يتزعمه النجم عادل إمام.. عادل استهوته الشخصية (الفهلوية) فقدمها فى أنماطها المختلفة «اللص، النصاب، الهلفوت، الموظف، المحامى، الخ...». فى سكة موازية سار زميل مشواره سعيد صالح الذى استهوته الكوميديا السياسية ودفعت به إلى المحاكم بل وأدخلته السجن (بتهمة تعاطى المخدرات)... فى حين اختار يونس شلبى، القادم للقاهرة من إحدى قرى المنصورة شخصية (الأهوج)، وللسخرية مما حوله.. الأهوج شخصية ملمسه مع شخصية (عثمان عبد الباسط ) التى قدمها على الكسار. كان هذا الجيل هو الذى عكس بسخريته تناقضات سنوات عصر الانفتاح الاقتصادى. أما أحمد بدير فكان له أسلوب مختلف حيث التزم بدير بأنه (مشخصاتى) فى كل أعماله الكوميدية وكان ذلك ما دفعه إلى تقديم شخصيات تراجيدية وشريرة على الشاشة فى تجاربه التليفزيونية.. فى جيل (هنيدى) الصورة مختلفة تماماً تخلى جيل الكوميديانات الجدد عن أن يكونوا ساخرين بعمق مما يجرى فى المجتمع المصرى. واكتفوا جميعهم بتجسيد شخصيات تعبر عن (الشباب) فى زمانهم. محاولات هنيدى فى (بلية ودماغه العالية) و (همام فى امستر دام) لم تتضمن اتجاها واضحًا نقول إنه (فلسفة ساخرة) أو موقف عميق. سنوات النهاية فى حياة نجوم الكوميديا فى مصر حكايات نحكيها فى العدد القادم...انتظرونا