لاشك أن التغييرات التى أجراها الرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة داخل المؤسسة العسكرية أثارت جدلا واسعا فى الساحة السياسية المحلية، خاصة وأن الأغلبية الساحقة من المراقبين والصحف ذهبت فى تحليلها إلى وصف التغييرات بأنها حرب من الرئيس بوتفليقة على جهاز الاستخبارات. ويبدو أن خبر إقالة مدير أمن الجيش الجنرال جبار مهنة، أثار بلبلة لدى النخبة السياسية خاصة أنه يعتبر الرجل الثالث فى جهاز الاستخبارات، والذى يشغل هذا المنصب منذ عام 2005، وكانت له تجربة طويلة فى محاربة الإرهاب والجماعات المتشددة فى تسعينيات القرن الماضى، وهو الخبر الذى لم يتم تأكيده بشكل رسمى، كما أن احتمال استقالة الجنرال جبار تبقى واردة، خاصة أن بوتفليقة أعلن أنه سيتم إجراء تغييرات مهمة فى قيادة الجيش فى الأول من نوفمبر المقبل المصادف لذكرى اندلاع الثورة التحريرية ويذكر أن الشرطة القضائية التابعة لجهاز الاستعلامات والأمن (جهاز المخابرات) التى اشتهرت فى السنوات الأخيرة بالتحقيقات العديدة حول الرشوة، وضعت تحت الوصاية المباشرة للقضاء العسكرى الذى يتبع قائد أركان الجيش الذى يوصف بأنه من أقرب المقربين من الرئيس بوتفليقة. ويأتى إلحاق الشرطة القضائية لجهاز المخابرات بقيادة أركان الجيش بعد القرار المشابه القاضى بإلحاق مصلحة الإعلام والمديرية المركزية لأمن الجيش التى كانت أيضا تحت سلطة المخابرات. وعاد بوتفليقة للظهور مجددا بعد تعافيه من آثار الجلطة الدماغية التى تعرض لها فى 27 أغسطس فى رحلة علاجية استمرت أكثر من 80 يوما. والغريب أن بوتفليقة الذى كان يوصف قبل أيام ب «الرجل المريض» غير القادر على الحكم وإدارة شئون الدولة، تحول بقدرة قادر فى نظر المحللين وبعض الساسة إلى الحاكم بأمره، الذى استطاع بجرة قلم أن يقلب جهاز الاستخبارات الذى كان يوصف بالحاكم الفعلى رأسا على عقب، وأن يبعد من طريقه عسكريين بحجم الجنرال جبار مهنة واللواء عبد المالك قنايزية الوزير المنتدب السابق للدفاع. وحول نوايا بوتفليقة فى الترشح لمدة رابعة يشار إلى أن جميع رؤساء الجزائر منذ الاستقلال حاولوا التربع على عرش الرئاسة مدى الحياة و أنه فى عام 2008 تاريخ تعديل الدستور بفتح الفترات الرئاسية، تمكن بوتفليقة من الشروع فى تحضير مشروع الرئاسة مدى الحياة منذ ذلك الوقت، وليس مؤخرا كما يعتقد البعض. وبذلك يتم التأكيد على أن الجزائر تسبح ضد التيار فى العالم العربي، حيث ستصبح الجزائر البلد الوحيد فى المنطقة برئيس مدى الحياة. وفى ظل القرارات الرئاسية المفاجئة استبعدت النخبة السياسية إجراء انتخابات رئاسية فى موعدها المفترض فى أبريل 2014 وذلك نظرا للتحولات الجيوسياسية التى تم فرضها على الساحة السياسية فى البلاد. ويبدو أن شبح الانتخابات الرئاسية القادمة خيم وسيخيم على أى قرار سيتم اتخاذه أو أى قرار يتم تأجيله، غير أن وقوع معركة حول من يرسم ملامح الرئيس القادم يبقى شبه مؤكد، خاصة وأن الوصول إلى مرشح إجماع هذه المرة يبدو صعبا، خاصة فى ظل ما يتردد عن رغبة الفريق الرئاسى فى الاستمرار سواء مع بوتفليقة أومع أى حد محسوب على بوتفليقة والوقوف ضد رغبة المؤسسة العسكرية فى إحداث تغيير يضع حدا لحكم بوتفليقة، ويفتح الباب للتداول على السلطة. وعلى أية حال فإن المؤسسة العسكرية عموما وجهاز الاستخبارات على وجه التحديد متمسكان بالشرعية، وأنه بالنسبة لها فإن بوتفليقة هو الرئيس المنتخب الى أبريل القادم، ولا معنى للدخول معه فى صدام أو صراع بعيدا عن مهامها المحددة قانونا، وأن محاربة الفساد تدخل فى صلب عملها، فى حين أن اللعبة السياسية واختيار الرؤساء لا يدخلان فى صلب اهتماماتها. وعلى صعيد آخر وفى إطار القرارات التى اتخذها الرئيس الجزائرى مؤخرا رفض بوتفليقة أى تواجد عسكرى أجنبى على الحدود مع بلاده فى إشارة إلى القاعدة الأمريكية المزمع إقامتها بتونس بالقرب من الحدود الجزائرية وهو ما نفته الحكومة التونسية جملة وتفصيلا.