مازالنا مع «الدعاء المستجاب» وشروطه، فسبحانه وتعالى هو الذى أمرنا أن نلجأ إليه «ادعونى أستجب لكم» وأوضح بجلاء أنه قريب ليجيب دعوة كل من يدعوه ولكن لمن يستجيب الله؟ بالطبع كلنا نلجأ إليه سبحانه وتعالى.. فهو المرجعية الأولى والأخيرة للبشر المؤمنين، فهو من يحيى ويميت، وهو الخالق البارئ، وهو الرزاق، وهو الشافى، وهو الغفور، ومن ثم فكلنا نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى طلبا للعون والمساعدة، الطالب لكى ينجح، والمريض حتى يشفى، والمحتاج حتى يرزق، والملهوف إلى أن يطمئن.. فلكل دوافعه وأسبابه.. فمنا من يطلب العون والمساعدة، ومنا من يطلب تخفيف الضرر أو اللطف فى القضاء.. ومنا من يطلب الرحمة من عذاب الدنيا.. والمغفرة من سيئات السلوك والأفعال والتعامل مع غيره من خلق الله! ولكن لمن يستجيب الله؟.. ليس هذا سؤالا وإنما هو تذكرة بأنه سبحانه وتعالى أخبرنا بأن ندعوه «مخلصين له الدين» أن نكون صادقين فى دعوانا وأن نستهدف بها الخير ودفع الضرر، وليس التشفى أو رغبة فى الإضرار. فقد وصف سبحانه وتعالى بعض الناس فى قرآنه الكريم وصفا دقيقا معبرا.. فمنهم من يمتلئ قلبه بالحقد والغيرة أو الرغبة فى التشفى.. المهم أن أمثال هؤلاء يكرهون الخير لغيرهم ويفرحون أشد الفرح لمن يصاب بضرر سواهم، فيقول العزيز الحكيم فى سورة آل عمران (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا).. يا سبحان الله.. ما هذه النفوس الخربة؟.. وماذا نفعل مع أمثال هؤلاء.. جاء الجواب سريعا من ذات الآية وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ لأن الله الذى يعلم السر وما يخفى.. على علم تام بما يعملون وما ينوون عمله.. إنه العليم بما تخفيه الصدور. ولذلك يقول سبحانه فى سورة آل عمران أيضا إن الهدى هدى الله، يمنح رحمته لمن يشاء.. ويمنع فضله عمن يشاء.. فهناك أناس تأمنهم على «قنطار» يردونه إليك، وهناك من تأمنهم على «دينار» يستحلونه لأنفسهم ولا يردوه.. بل يكذبون وهم يعلمون.. والمعنى أن هناك أناسا لا خلاق لهم فلا تشغل بالك بهم ولا تتعب نفسك معهم، وخليك مع الله.. فهو الذى يغفر الذنوب ويكفر عن السيئات.. ويتوفاك مع الأبرار، فماذا تريد بعد ذلك. والمعنى أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها إن كل نفس سوف تجزى بما عملت، ولا تزر وزارة وزر أخرى.. فلكل يوم إذن شأن يغنيه. وأيضا وكما نصحنا سبحانه وتعالى لا تكن كمن ينعم الله عليه فيتبطر ويبعد بنفسه، وكأنه مستغن عن الله، وإذا مسه الضر أو الشر كان كثير اليأس والحسرة، فسبحان الله هو المستغنى وهو الذى يعلم بكل إنسان وكيف يتصرف فى السراء أو الضراء.. وهو من يكافئ ومن يحاسب.. ولا تُظلم نفس شيئا. وكل ما تقدم سببه وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. فهذا سيدنا يوسف بن يعقوب الذى تآمر عليه إخوته وألقوه فى أعماق البئر، ثم تأتى قافلة وتجده فتنقذه.. ولكنها لا تتحمل تكاليف إعاشته فباعوه بثمن بخس، وكانوا فيه من الزاهدين.. وهم لا يعلمون أن ربه سوف يمكنه فى الأرض ويعلمه تفسير الأحداث ويلهمه كيفية التعامل معها بحكمة منحها الله له. وانظر هنا كيف تعاملت زوجة عزيز مصر الذى اشترى يوسف، وقارن تصرفها مع زوجة فرعون مصر والتى كفلت موسى قبل أن يعيده الله إلى أمه كى يطمئن قلبها ويهدأ فؤادها. واقرأ التعبير القرآنى البليغ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ) ومن المعروف أن زليخة زوجة العزيز كانت فى غاية الجمال، ولكنها لم تكن تنجب، واستغلت أن يوسف فى بيتها أى تحت أمرها، ورهن إشارتها.. وبدأت فى التحرش به وأعلنت عن ذلك صراحة بعد أن أغلقت الأبواب عليها حيث قالت أقدم فأنا راغبة (هيت لك). ولكن ولأن يوسف من عباد الله الصالحين لم يخن الذى أكرمه واشتراه وأوصى زوجته بأن تحسن تربيته وتهتم به فلعله يكون لهم ابنا بارا ينفعهما فى كبر سنهما، ومن ثم كان رد يوسف الفورى (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ). ولم تكتف زوجة العزيز بذلك وجمعت نسوة المدينة ليشاهدن يوسف وجماله الذى لا يقاوم وحتى لا يعايروها بحبها له، ولكن يوسف أيضا وللمرة الثانية يلجأ لربه داعيا (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) وهو ما حدث فعلا حيث استجاب له ربه وصرف عنه السوء وخاب كيدهم. هذا بينما أحسنت زوجة فرعون (آسيا) رعاية موسى وجلبت له المرضعات حتى اهتدت إلى «أمه» وظلت تحميه من بطش فرعون والمحيطين به..وبعدما يئست من ذلك وبعد أن اضطر موسى للهرب.. دعت ربها أن يبنى لها بيتا «عنده» فى الجنة وأن ينجيها من فرعون وعمله فهؤلاء قوم ظالمين.. (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) *** فبالله نسألك الستر والصحة والرزق الحلال.. وأن تتقبل دعاءنا وتغفر ذنوبنا وأن تعفى عنا.. سبحانه إنك الغفور الرحيم.