لابد أن نعترف بمهارة إسرائيل والولايات المتحدة فى توجيه العرب بعيدًا عن المطالبة الملحة بتسوية القضية الفلسطينية، والسبب فى هذه المهارة أنهما تمكنتا من وضع خطة محكمة منذ عام 1973 تقوم على تحقيق هدف أساسى وهو أن يفنى العرب بعضهم بعضا بعد أن نجحت الدولتان باقتدار فى سلخ الجلد الفلسطينى من الجسد العربى بعد أن هالهما قيادة مصر للعالم العربى لتحرير الأراضى العربية عام 1973، فكان الدرس واضحًا والحل جاهزًا : حرمان العرب من عوائد بترولهم واستنزاف أموالهم وإشعال قضية الأمن والتسليح، وأن العدو الجديد هو إيران، وقد أسعدهما أن تنجح الخطة، وكانت النتيجة هى ما نشهده اليوم من احتراب جميع أعداء إسرائيل وشل المقاومة ضدها، ثم خلق فتنة السنة والشيعة فى العراق أولاً ثم المنطقة العربية بأسرها. وإذا كان الصراع السنى الشيعى بعيدا عن مصر، فلها عندهما صراع آخر هو الإسلامى – المسيحى، وإحراق الكنائس، ولا تزال تلح على خاطرى كلمات عاموس يادلين مدير المخابرات العسكرية السابق فى إسرائيل فى تقرير النجاح والإنجاز فى المنطقة العربية عام 2010، الذى أكد فيه أن هدف الموساد هو تفتيت المجتمع المصرى حتى لا تقوم له قائمة بعد زوال نظام مبارك الذى بنى له الإسرائيليون فى حيفا تمثالاً باعتباره كنزهم الاستراتيجى على حد قول صديقه الصدوق الذى تقطر يده بدماء الأسرى من الجيش المصرى فى حروب 1967، 1973 وهو دافيد بن اليعازر وزير البنية التحتية الإسرائيلى. ويضاف إلى فتنة المسلمين والمسيحيين، فتنة أخرى تطل برأسها وهى تحريض المؤسسات الدينية من جانب الأطراف العربية والأجنبية ولو بشكل غير مباشر على أن تكون طرفًا فى الصراع الجديد السنى الشيعى، وذلك من خلال مؤشرات كثيرة تتعاظم على عكس ما هو معروف من التسامح المصرى والطريف أن أصحاب المؤامرة يوجهون النقد لمصر ويحاسبونها على طريقة التعامل مع ما أسموها الطائفية الشيعية فى مصر، وكأنه دين جديد، ولم لا فقد ردد بعض السلفيين أن الشيعة خارجون عن الملة وأن التحول من المذهب السنى إلي الشيعى هو ارتداد عن الإسلام، وهو رأى بعض علماء السعودية أيضا،وبعض أقطاب التيارات الإسلامية وهو أمر لا يخص حديثنا اليوم إلا بقدر ما رصده من دخول عناصر جديدة فى مصر لإضافة فتنة الشيعة والسنة إلى فتنة المسلمين والمسيحيين، وكأن مصر قد سلمت من الفتن المدمرة الأخرى، وأن روحها تحتمل كل هذا البلاء. وأقسم بالله لو أن إيران اعترفت بإسرائيل اليوم فسوف يصبح الشيعة فى العالم العربى كله أبناء أمة إسلامية واحدة، وأن فقهاء اليوم سوف يملأون الدنيا ضجيجًا وخشوعًا طلبًا للاستغفار عما بدر منهم فى حق مسلم منهم لم يفارق حوزة الإسلام الرحبة. وقد بلغت مهارة إسرائيل أنها وضعت إيران وحزب الله فى مأزق تاريخى، فبعد أن كان حسن نصر الله معبود الجماهير العربية فى زمن غاب فيه الرجال، أصبح متورطًا فى حرب غاشمة فى سوريا وداعمًا لكل الشيعة فى العراق والبحرين والسعودية وغيرها، مما عمق الخطر بين الشيعة والسنة. صحيح أن خيارات حزب الله كلها بالغة المرارة، وأنه استدرج إلى تصفيات سياسية ومعنويته وفى صلب قواه، حتى فرح أعداؤه الذين تصدوا لسلاحه وراهنوا على أن هذا السلاح ليس مصنوعًا للمقاومة، ولكنه يستخدم أيضا فى فتنة العالم العربى والإسلامى، صحيح أن فى سوريا معركة مصير ولكن حبك الخطة تصهر كل أعداء إسرائيل ولا تترك أمامهم سوى هذا الانتحار الكبير. إنها مؤامرة كبرى على أمة عاشت قرونًا يعيش فى كنفها المسلم والمسيحى والدرزى والكردى والعربى، إلى جانب الشيعى والسنى، فما الذى جعل الطابع الشيعى هو وقود المعركة منذ ثورة الخمينى عام 1979 وبعد أن حلت مصر محل إيران فى خدمة المخطط الصهيونى الأمريكى، وبدأ التحالف الإيرانى- السورى، ثم ظهور حزب الله بعد الغزو الإسرائيلى لبيروت فى صيف 1982 بعد عام تقريبًا من ضرب المفاعل النووى العراقى الذى ساعدت إيران على ضربه خلال حربها مع العراق. فأصبح فك التحالف الإيرانى السورى الداعم للمقاومة ضد إسرائيل هو هدف خطة إسرائيل، خاصة بعد ظهور قصة المفاعل النووى الإيرانى الذى شغل العالم كله بينما سكت العالم عن أسلحة إسرائيل النووية رغم أن الأسلحة الفتاكة فى المنطقة هى خطر على المنطقة بأسرها، فصار الصراع الإيرانى الإسرائيلى مرتبطًا بالصراع الإيرانى الخليجى، وأسفر ذلك عن محرقة سوريا، ثم فتنة السنة والشيعة. الحل عندى هو أن يراجع الجميع موقفه من هذه الفتنة على أساس فصل المذهب الشيعى والسنى عما لحق بهما من توظيف سياسى والعودة إلى احترام فكرة الدولة فى المنطقة، فشيعة السعودية والكويت والبحرين ولبنان وغيرها هم مكون دينى فى هذه الدول لا علاقة لإيران بهم، كما أن الأزهر والمؤسسات الدعوية كرابطة العالم الإسلامى يقع عليها عبء تأكيد وحدة الإسلام والمسلمين ضد عدو يغتال الأقصى وهم جميعًا فى غيهم يعمهون. أفيقوا ياسادة قبل أن يلعنكم الأقصى فى معجزة جديدة فى مرحلة الأهلية الإسلامية ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). فكيف عدتم إلى جاهليتكم وأنتم تقرأون هذا الفضل العظيم. إننى أستحلفكم بالله ونحن فى الأشهر الحرم وعلى أبواب رمضان أن تعودوا إلى كتابكم وتحقنوا دماءكم، فهى حجة عليكم يوم الدين. اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد. إن السعودى سعودى قبل أن يصبح سنيًّا أو شيعيًّا، وكذلك العراقى والبحرينى واللبنانى واليمنى، كما كانت فارس سنية قبل اعتناق المذهب الشيعى عام 1601، كذلك كان الشاه شيعيًّا أيضا، فلماذا ظهرت الفتنة الآن؟ إننى أدعو كل المثقفين والمفكرين العرب إلى أن يلتقوا فى اجتماع طارئ لإعلان موقفهم من هذه الفتنة وغيرها من الفتن التى تعصف بالوجود العربى.