السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق قال: يعتبر موضوع الأمن المائى من الموضوعات الهامة جدًا بالنسبة للأمن القومى المصرى ويستوجب تضافر كافة الجهود وتوحد القوى السياسية والوطنية من أجل مواجهة التحديات التى باتت تواجه الأمن القومى المصرى (الأمن المائى) خاصة أنه موضوع مرتبط ببقاء هذه الأمة. وأنا أعتقد أن الشعب المصرى يستطيع النهوض بصورة كبيرة عندما يجد أن هناك مخاطر خارجية تحيط به ورب ضارة نافعة فالمجتمع المصرى حاليا فى حالة انقسام شديد وقد تكون هذه الأزمة ما سيوحد جموع المجتمع المصرى بكافة طوائفه وفئاته وانتماءاته السياسية والفكرية. وأضاف العرابى: سوف أتناول الموضوع من ناحية الجهود الدبلوماسية التى من الممكن ان تتبناها الحكومة المصرية لإيجاد حل لهذه المشكلة، خاصة أننا تأخرنا كثيرا، ولكننى اقول إن علينا أن نتوحد أولًا فلا الحكومة الحالية ولا السابقة هى المسئولة عن هذه الأزمة. اليوم كنت أقرأ كتابًا للإمام محمد عبده وهو مجموعة مقالات صدرت له عام 1881 فى هذه المقالات كتب تحت عنوان «النهر الحبشى» يقول: إن الخديو توفيق رصد مبالغ لإقامة مشروعات فى الحبشة وكان النجاشى يطلب ود الدولة المصرية حتى أنه طلب من الخديوى توفيق أن يعين مطران الكنيسة فى الحبشة واثنين من القساوسة فى ذلك الوقت فأنا هنا أريد أن أدلل أن الدولة المصرية استخدمت القوى الناعمة فى ذلك الوقت كدولة قوية وإن كان أصابها بعض الوهن والضعف خلال الفترات السابقة التى بالتأكيد جميعنا يسأل عنها وعن مدى الضعف فى علاقتنا مع أفريقيا. أتذكر عندما كنت شابا عام 1982 كنا نسافر مع د. بطرس غالى كان جميع الرؤساء الذين نلتقى بهم. كان جميع الرؤساء يتحدثون عن مساعدة مصر للدول الإفريقية خلال فترة جمال عبدالناصر وكان ذلك فى عهد الرئيس السادات. وأود أن أؤكد لكم أن هذا الرصيد كان منذ عهد الرئيس عبد الناصر وقد سافرت عدة مرات لافريقيا وأنا مساعد لوزير الخارجية وبعد ذلك عندما أصبحت وزيرا للخارجية وكان يسافرمعى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب وهى من الشركات الرائدة التى تمتلك مشروعات كبيرة فى أفريقيا وكذلك شركة السويدى للكابلات وشركة النصر للاستيراد والتصدير كل هذه الشركات المصرية لها دور رائد فى العمل داخل أفريقيا جميعها كانت علامات فارقة فى العمل داخل القارة ولكن للأسف نحن كدبلوماسية مصرية تعاملنا بعلو وتعالى مع دول أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، فى الوقت ذاته نجد أن أبناء القارة ينظرون إلى المصريين على أنهم من الجنس الأبيض لأننا فى شمال القارة وهو ما يضع عبئا كبيرا على الدبلوماسية المصرية من أجل إزالة هذه الرؤية، ويعتبر د. بطرس غالى من أفضل من يجيدون التعامل فى هذه النقطة. ولا شك أننا لم نكن نمتلك استراتيجية خاصة للتعامل مع أفريقيا وإن كان فى الحقيقة أن د. بطرس غالى أنشأ صندوق التعاون الفنى مع أفريقيا وهذا الصندوق قام بدور مهم إلى حد كبير فى إقامة علاقات قوية مع أفريقيا لكن مصر ضعفها الاقتصادى جعلها لا تستطيع أن تصنع لها تواجد داخل أفريقيا مثل دول حوض النيل فى الوقت الذى كانت هناك دول أخرى تبحث عن موضع قدم فى أفريقيا وبالفعل وصلت اليه مثل تركيا وإيران والصين وإسرائيل بالإضافة إلى الدول الكبرى التى كانت معظم دول القارة خاضعة لها، كما أننا لم نستغل التواجد الإسلامى فى القارة وارتباطه بالأزهر الشريف وكذلك دور الكنيسة المصرية فقد كان لها دور كبير فى أفريقيا وأثيوبيا على وجه الخصوص، ومن هنا اؤكد على أننا اهملنا الى حد كبير فكرة التعاون مع الجنوب، كما أن هناك بعض المواقف التى ارتبطت بالسمعة المصرية والتدخل العسكرى مثل الكونغو وهذه اثرت سلبا وإن كنت أرى أن هذه نقطة ايجابية لأن من الواجب أن يكون لدينا سياسة العصا والجزرة. ويضيف العرابى: أرى أن منطقة حوض النيل يجب أن تكون مكانًا دائمًا للتعاون وليس للمواجهة والصراع، وأنا إلى الآن وخلال الفترة القادمة أرى أن الحلول الدبلوماسية هى الأفضل سواء عن طريق المنظمات الدولية أو الجهود الدبلوماسية من خلال منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقى والتى من الممكن من خلال ممارستها الضغوط على أثيوبيا أن يكون له تاثير ايجابى. ويؤكد أن الأمر بالنسبة لمصر واقصد هنا الأمن المائى المصرى قضية حياة أو موت وهو خط أحمر وأن أى انتقاص من حصة مصر المائية بمثابة إعلان حرب يجب أن نكون أكثر جاهزية للعمل الدءوب وربط المصالح فالعمل الدبلوماسى النشط قد يؤدى إلى نتيجة ايجابية وليس هناك مانع من إقامة مشروع ربط كهربائى مع أثيوبيا وهذه فكرة كانت موجودة ولكنها للأسف لم تأخذ حيز التنفيذ فالربط الكهربائى بين مصر ودول حوض النيل وشرق أفريقيا كان من الواجب إتمامه، خاصة أننا قمنا بعمل ربط كهربائى مع دول لا تحتاج إليه، بالإضافة إلى ضرورة وجود مصالح مشتركة لأن هذا يعد أحد أهم الوسائل للتعامل خلال الأزمات. فالأزمة الحالية تستوجب علينا ألا ننشر الهلع فى نفوس الناس ولكن يجب علينا أن نعى اخطاء الماضى بشكل أفضل فمشكلة مشروع سد النهضة لا يخص وزارة الرى فقط وإنما يخص وزارة التنمية، وزارة الدفاع، والمخابرات العامة لان هذا الملف خاص بالأمن القومى المصرى فلا ينفرد به أحد ويجب أن يكون هناك تعاون بين الجميع. أما بالنسبة للمنطقة العربية فهى منطقة ليست فاعلة، وهى الآن مهددة بعد أن إنهار جيشان من الجيوش العربية الجيش العراقى والجيش السورى على الأبواب، وسوف تكون المنطقة العربية خلال الفترة القادمة ليست لها قيمة فى السياسة الأمريكية لأنها تتجه استراتيجيا نحو دول أخرى للحصول على النفط، خاصة أن الولاياتالمتحدة تقترب من الوصول الى حد الاكتفاء من الطاقة، وهو ما يفقد المنطقة العربية أهميتها بالنسبة لها، فإذا لم تسترد المنطقة العربية قوتها فسيكون مصيرها التقسيم، خاصة أن الولاياتالمتحدة سوف تتركها فريسة لعربدة إسرائيل بها.