ليست المرة الأولى التى يعلن فيها أحمد السنوسى تحويل برقة إلى إقليم فيدرالى اعتمادًا على دستور 1951، فقد سبق إعلان السبت الماضى، إعلان مشابه فى أوائل مارس من العام الماضى، فيدرالية برقة أثارت تساؤلات عدة حول توقيت هذا الإعلان وأسبابه، وما هو موقف الحكومة والقوى السياسية، وتأثير هذا الإعلان على باقى أقاليم ليبيا، ومستقبل وحدة ليبيا. فى المرة الأولى كان أول أسباب إعلان «فيدرالية برقة» هو ضعف وفشل المجلس الوطنى الانتقالى فى إدارة الملف الأمنى والعسكرى والسياسى، وعدم سيطرة المجلس على المرافق الحيوية فى البلاد رغم مرور أشهر على سقوط القذافى.. السبب الثانى كان استمرار التهميش والإقصاء لإقليم برقة ومدينة بنغازى التى انطلقت منها شرارة الثورة. وفى المرة الثانية وتحديدًا يوم السبت الماضى أعلن أحمد الزبير السنوسى برقة إقليمًا فيدراليًا يدير شئونه بنفسه فى إطار الدولة الليبية، وأكد رفض الالتزام بأى «قانون فرض بتهديد السلاح كقانون العزل السياسى». وقال السنوسى خلال احتفال أقيم بمدينة «المرج» القريبة من بنغازى «برقة تعد إقليما فيدراليًا من هذا اليوم معتمدًا على الدستور الذى صدر عام 1951» وقال «إن شرعيتنا مستمدة من أبناء برقة وقبائلها ونحن نستعمل هذه الشرعية لمصلحة البلاد وليس لمصلحتنا» وأضاف أن برقة «تستحق أن يكون لها حرية فى تكوين إرادتها» مشيرًا إلى أنه سبق وأن طالب برلمان وحكومة البلاد بإجراء استفتاء لهذه المنطقة غير أن كل مراسلاته جوبهت بالإهمال. وأصدر الإقليم بيانًا قرر فيه «إنشاء برلمان برقة المكون من مجلسين للشيوخ والنواب من جميع مكونات برقة دون إقصاء حتى تجرى انتخابات فى الإقليم، وإنشاء حكومة للإقليم بالتعاون مع كافة الأطراف وقوة دفاع تخص الإقليم تقوم بواجبها بمساندة الجيش والأمن العام. وتعهد الإقليم فى بيانه بالتعاون مع جيران الإقليم فى تصحيح الأمن ومكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة المخدرات واحترام كافة الاتفاقيات المبرمة مع دول العالم. ويشار إلى أن ليبيا فى بدايات تأسيسها بعد الاستقلال كانت تضم ثلاثة أقاليم، هى طرابلس وبرقة وفزان، غير أن الملك وبعد عدة سنوات ألغى النظام الفيدرالى وأعلن ليبيا موحدة، لكن هذه الدعوات عادت للظهور بعد سقوط القذافى. والسنوسى هو ابن عم الملك الليبى الراحل إدريس السنوسى، وعمته الملكة الراحلة فاطمة الشريف، وقد سجن فى فترة حكم القذافى أكثر من ثلاثين عامًا، بعدما حاول تنظيم انقلاب فى أوائل عقد السبعينيات وظل فى السجن إلى أن صدر عفو عنه عام 2001. ودعا السنوسى السلطات الليبية إلى إيداع ميزانية إقليم برقة فى فرع مصرف ليبيا المركزى. وانتقد ما وصفه بانعدام الأمن والأمان وخيبة أمل المواطن تجاه عجز الحكومات المتعاقبة عن إصلاح أى شىء، بالإضافة إلى سيطرة الميليشيات المسلحة على مقاليد الأمور، وأجبرت الحكومة والمؤتمر الوطنى على الرضوخ لإملاءاتها، وعلى هذا فقدت الثقة بالحكومة. مستقبل ليبيا ألقى إعلان فيدرالية برقة بظلاله على مختلف النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى الرغم من اتفاق الجميع على أن وحدة ليبيا هى خط أحمر، فإن هناك مخاوف من أن تحذو مناطق أخرى حذو بعض البرقاويين وتدعو لفيدراليات أخرى، الأمر الذى ستكون له عواقب وخيمة تؤكد مخاوف التقسيم. ففى الغرب تبرز مصراته على ساحل المتوسط والزنتان فى الجبل الغربى كقوتين فاعلتين على الأرض. وتنافسان الحكومة المركزية فى طرابلس، وهو ما يمهد لانقسام إقليم طرابلس إذا تم العمل بالنظام الفيدرالى، وكذلك الوضع فى إقليم فزان الجنوبى هو الآخر، حيث يسكن الطوارق جنوب الإقليم على الحدود مع مالى والنيجر ولهم امتدادات سكانية مع دول الجوار، وهناك مشاكل ربما تدفع هى الأخرى تجاه الفيدرالية فى ظل استمرار ضعف الدولة فى طرابلس. وكرد فعل مباشر لإعلان فيدرالية برقة، خرجت فى العديد من المدن الليبية وخاصة المنطقة الشرقية فى طبرق والبيضا وأجدابيا ومصراته وطرابلس مظاهرات تندد بانفصال برقة ورفعوا لافتات تؤكد وحدة ليبيا وأن الثورة لم تقم من أجل تقسيم وتفتيت ليبيا وأن الشعب الليبى لم يستفت على ما أعلنه السنوسى. ويعتبر بعض المراقبين النظام الفيدرالى فى ليبيا نظاما قديمًا، ولا يتناسب مع المرحلة الحالية، لكن هذا يعنى البحث فى خيارات واقعية كقانون الحكم المحلى، الذى تقسم ليبيا إلى محافظات، ولا شك أن تطبيق أسلوب الإدارة المحلية عند تطبيقه سيعالج الكثير من المشاكل الموجودة حاليًا. ويمكن إقرار اللامركزية كبديل للمشروع الفيدرالى وأن حالة الضعف التى تمر بها الدولة الليبية الآن لا تسمح بتطبيق المشروع الفيدرالى فى الوقت الراهن خشية من التقسيم، رغم أن القائمين على فيدرالية برقة يصرون على أنهم لا يريدون الانفصال وليس لديهم أى نوايا انفصالية. ويؤيد كثير من المثقفين الليبيين تطبيق اللامركزية بديلًَا عن الفيدرالية، للمحافظة على كيان ليبيا موحدًا وتجنيبه المصير الذى واجهته السودان والذى انتهى بانفصال الجنوب عن الشمال منذ عامين.