لم تكن تهديدات تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامى بفتح باب الجهاد من أجل تحرير مدينتى سبتة ومليلة وانتزاعهما بالقوة من إسبانيا التى تحتلهما منذ قرون، هى الأولى من نوعها، فالتنظيم الإرهابى طالما وجه – عبر العديد من قياداته- تحذيرات مماثلة لإسبانيا على مدار السنوات السابقة، لكن هذه المرة تبدو مختلفة، لأنها تأتى فى ظل موجة من العمليات الإرهابية تضرب الغرب، بداية من الولاياتالمتحدة وتفجيرات بوسطن، مرورا بحادثة قتل جندى بريطانى، وأخيرا طعن جندى فرنسى، مما دفع الحكومة الإسبانية لأخذ التهديدات هذه المرة بجدية شديدة. وفى هذا السياق، قالت صحيفة «باييس» الإسبانية إن تهديدات تنظيم القاعدة تأتى فى وقت تتزايد فيه مخاوف السلطات الإسبانية من موجات التطرف المتزايدة، خاصة بعد تأكيد بعض المصادر على أن هناك من غادر مدينة سبتة إلى سوريا مرورا بالمغرب، بعد أن استقطبتهم شبكات التجنيد بالمغرب، مما يزيد المخاوف الاسبانية ممن التحقوا للقتال فى سوريا، حيث إن هذا يرفع من درجة الخطورة التى يشكلونها بعد عودتهم، خاصة وأن مجندين إسبانًا طلبوا وبدون أسباب مقنعة إعفاءهم من عملهم بصفوف الجيش، الأمر الذى اعتبرته الاجهزة العسكرية استعدادا لتلبية نداء الجهاد فى سوريا وغيرها من بؤر التوتر. وكرد فعل سريع من الحكومة الإسبانية على هذه التهديدات، أصدر وزير الدفاع الإسبانى «بدرو مورينيسى» تعليمات إلى رئيس هيئة أركان القوات الإسبانية باتخاذ إجراءات لتعزيز أمن القوات داخل وخارج إسبانيا، وذكرت مصادر عسكرية أن وزارة الدفاع الإسبانية لم ترفع حالة التأهب، ولكنها عززت إجراءات الحماية، ولم تكتف الحكومة بذلك فقط، فقد صادقت حكومة ماريانو راخوى، أثناء مجلس وزراء استثنائى، على الخطة الوطنية الاستراتيجية للأمن، والتى أعلنت بموجبها، المدينتين المغربيتين المحتلتين، سبتة ومليلة، منطقتين أمنيتين ذات أولوية استراتيجية. وبحسب صحيفة «باييس»، فإن حكومة الحزب الشعبى، اضطرت إلى إعطاء المدينتين المحتلتين، أهمية استراتيجية خاصة، كونهما تعتبران نظريا مصدرا للخطر على الأمن الوطنى الإسبانى، وأضافت الباييس، أن الحكومة الإسبانية، تبوئ المدينتين المكانة الاستراتيجية ذات الأولوية القصوى، لكون حلف الناتو، الذى تنتمى إليه إسبانيا، يرفض وضع سبتة ومليلة ضمن خرائط تدخله، وهو ما تعتبره مدريد انتقاصا من سيادتها على المدينتين المحتلتين. والمعروف أن مدينة سبتة البالغ مساحتها حوالى 28 كيلومترا مربعا تقع فى أقصى شمالى المغرب على البحر الأبيض المتوسط، وقد تعاقب على احتلالها البرتغاليون عام 1415 يليهم الإسبان عام 1580، أما مليلة الواقعة فى الشمال الشرقى للمغرب والبالغ مساحتها 12 كيلومترا مربعا، فتديرها إسبانيا منذ عام 1497. وقد أصبحت المنطقة منذ عام 1992 متمتعة بصيغة للحكم الذاتى داخل إسبانيا بقرار البرلمان الإسبانى عام 1995، وتعمل إسبانيا على جعل معالم المدينتين أكثر انسجاما مع الجو الإسبانى، وتعمد إلى انتهاج أساليب عديدة، عن طريق الترغيب مرة بإغراء الشباب المغاربة من أهالى سبتة ومليلة لحمل الجنسية الإسبانية مقابل الاستفادة من منح التجنس وتسهيلات أخرى، كالحصول على عمل والإعفاء من الضرائب التجارية، أو بالترهيب مرة أخرى عبر اجراءات التضييق ومنع بناء المساجد أو فتح الكتاتيب القرآنية.