بعد أكثر من عام ونصف العام على الإطاحة بنظام القذافى، مازالت ليبيا غارقة فى الفوضى، وتواجه انفلاتا أمنيا حادا، تمثل فى حصار وزارتى العدل والخارجية لمدة أسبوعين، وتفجيرات متتالية ضربت مراكز للشرطة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ورفع المسلحون سقف مطالبهم إلى رحيل رئيس الوزراء على زيدان. الولاياتالمتحدة قللت عدد رعاياها وكذلك فعلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا. لقد صدر قانون العزل السياسى تحت ضغط السلاح، إن نجاح المسلحين فى فرض مطالبهم بالتأكيد سيدفعهم إلى الذهاب إلى أبعد حد وسيقوى شوكتهم، وقد يؤدى إلى وضع كارثى سيدفع ثمنه الشعب الليبى. وتشهد ليبيا انفلاتا أمنيا متزايدا منذ الإطاحة بنظام القذافى، وسط انتشار كثيف للأسلحة والمسلحين فى معظم أنحاء ليبيا، ويقول تقرير للأمم المتحدة، إن الأسلحة تنتشر من ليبيا «بمعدل مثير للاتزعاج»، وتعزز ترسانات المتطرفين وعصابات الجريمة فى المنطقة، وأعد التقرير مجموعة من الخبراء بمجلس الأمن الدولى. وقال التقرير إن ليبيا أصبحت مصدرا رئيسيا للأسلحة فى المنطقة، بينما تسعى حكومتها جاهدة لبسط سيطرتها، وإن قوات الأمن الحكومية مازالت ضعيفة، فى حين تملك ميليشيات النفوذ على الأرض. تفجيرات بنغازى وتشهد مدينة بنغازى منذ عدة أشهر هجمات واغتيالات استهدفت عناصر من قوات الأمن وشخصيات تنتمى إلى النظام السابق، وشهدت المدينة مؤخرا عدة تفجيرات استهدفت مراكز للشرطة. وتأتى هذه الهجمات بعد هدنة شهدتها المدينة التى تعد معقل الثوار وشرارة الثورة التى أطاحت بالقذافى عام 2011. وتمثل الهجمات أحدث علامات على انعدام الأمن فى ليبيا. وجاءت التفجيرات الأخيرة بعد ساعات قليلة من لقاءات مع ناشطين وحقوقيين قام بها وزير الدفاع بالحكومة الليبية المؤقتة، محمد البرغثى، وطرح البرغثى مبادرة للحوار الوطنى من أجل تحقيق المصالحة الوطنية وجمع السلاح. فك الحصار وفى طرابلس تم الانتهاء من تسليم مقرى وزارتى العدل والخارجية إلى الجهات المسئولة، بعد أسبوعين من حصار المسلحين لهما للضغط على الحكومة والبرلمان لإقرار قانون العزل السياسى الذى تم إقراره بالفعل. وأعلن وزير العدل صلاح المرغنى، أن المسلحين «سلموا الوزارتين إلى لجنة شكلتها الحكومة والمؤتمر الوطنى العام». وفى سياق آخر، أعلن وزير الخارجية محمد عبد العزيز أن سلطات بلاده أخذت علما بأن الولاياتالمتحدة عازمة على تخفيض عدد الرعايا الأمريكيين فى ليبيا على خلفية توتر الأوضاع. كما أعلنت شركة النفط البريطانية أنها سحبت بعض موظفيها غير الأساسيين من عملياتها فى ليبيا لأسباب أمنية. وكانت عناصر الميليشيات التى حاصرت وزارتى العدل والخارجية تطالب بقانون عزل سياسى يقصى المسئولين السابقين والمتعاونين مع نظام القذافى عن الساحة السياسية، وبعد إقرار المؤتمر الوطنى للقانون، أعلنوا أنهم يطالبون أيضا باستقالة رئيس الحكومة على زيدان المتهم بالتعاطف مع المتعاونين سابقا مع نظام القذافى. العزل السياسى وصف رئيس حزب تحالف القوى الوطنية فى ليبيا محمود جبريل قانون العزل السياسى الذى أصدره المؤتمر الموطنى العام مؤخرا بأنه «سيزيد التشرذم والتشظى فى ليبيا» وأن المؤتمر الوطنى ضحى بالمصالحة الوطنية تحت ضغط السلاح بسبب قانون العزل السياسى. وتشير بعض الدراسات الأولية إلى أن قانون العزل السياسى قد يقصى حوالى نصف مليون ليبى عن الإدارات والمؤسسات الحكومية، ما يعنى تفريغها من كوادرها وتأخير بناء مؤسساتها. وعمليا فالقذافى حكم ليبيا 41 عاما، وهذا يعنى أنه لا يوجد ليبى واحد لم يعمل فى دولته فى أى وظيفة كانت، مما يعنى أن قانون العزل، يعنى عزل كل الليبيين. إن الذين يحاصرون الوزارات ويهددون بالسلاح، يرفضون النظام الديمقراطى، ويؤمنون بفرض مطالبهم بالقوة كما كانت تفعل لجان القذافى الشعبية. العزل جائز فى حق رموز نظام القذافى الذين خدموه ولم يعارضوه، ولكن ليس كل من عمل فى النظام يستحق أن يعزل. وما معنى أن يعزل «محمد المقريف» الذى عارض القذافى ثلاثين عاما متواصلة، وحاول القذافى اغتياله. هؤلاء الذين يتهمون المقريف حاربوا القذافى 6 أشهر، أما المقريف فحارب القذافى ثلاثين عاما. رئاسة الحكومة وعلى صعيد آخر أفادت مصادر سياسية وبرلمانية بقرب التوصل إلى مرشح بديل عن الدكتور على زيدان رئيس الحكومة الحالى فى حال إقالته من المؤتمر الوطنى العام - البرلمان - أو تقديم استقالته. وأضافت المصادر أنه يتم حاليا تداول ثلاثة أسماء مرشحة للمنصب وهم الدكتور سليمان قجم عضو المؤتمر الوطنى الليبى والدكتور عبد الحميد النعمى مرشح سابق لرئاسة الحكومة ورئيس حزب الوسط، والدكتور محمد المفتى مرشح سابق أيضا لرئاسة الوزراء. وكان د. زيدان رئيس الوزراء الحالى قد حذر قبل فترة من وضع ليبيا تحت البند السابع وفرض الوصاية الدولية عليها، بسبب طغيان العنف على المشهد العام الليبى، فمن صراع بين الميليشيات، إلى سيطرة على مقرات ووزارات تابعة للدولة، واغتيال السفير الأمريكى بعد مهاجمة القنصلية الأمريكية فى بنغازى، وتفجير السفارة الفرنسية فى طرابلس، وصولاً إلى التوتر الحالى الذى يخيم على العاصمة. لتجاوز هذا المشهد ينبغى إنهاء سيطرة الميليشيات وفرض هيبة الدولة وسيادة القانون، ودمج العناصر المسلحة فى الجيش والقوى الأمنية. ليبيا الآن فى حاجة لمصالحة وطنية بين جميع مكونات الشعب، حتى تصل ليبيا إلى بر الأمان قبل فوات الآوان.