بعد فشل أمريكا فى حروبها ومغامراتها العسكرية فى أفغانستان والعراق وحدوث تراجع كبير لها وتهديد كامل لمكانة الغرب المتسلط على العالم.. فأعلنت عن استخدام الخطة البديلة وهى «الحرب الناعمة» على لسان «ماكس ماتوارينج» الباحث العسكرى فى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط ويتبع مؤسسة «إيباك» المعنية بالشأن العام الأمريكى - الإسرائيلى. والحرب الناعمة أو حرب الجيل الرابع أعلنتها أمريكا تحت مسمى «الدولة الفاشلة» ونفذتها من قبل فى العراق والآن نشاهد خطواتها فى ليبيا واليمن وتونس ومحاولاتهم المستميتة فى مصر.. وتعنى إخضاع شعوب الدولة المعادية لسياسة المستعمر وإرغامه على الاستسلام بدون استخدام الآلة العسكرية التى أثبتت فشلها. وتعتمد فى تنفيذها على مواطنين داخل دولة العدو.. وترتكز فى تفعيلها على عدة أساليب محورية أولها الحرب الثقافية ثم الإعلامية والاقتصادية والدبلوماسية وقد تستخدم عناصر مسلحة وطائرات بدون طيار والنموذج الأخير استخدمته فى باكستان.. ويشتد تأثيرها عندما يتفكك الجهاز الأمنى ويفسد القضاء ويتفشى الاستبداد ويتحلل الجهاز الإدارى ومفاصل الدولة ثم ينهار أخيرا الاقتصاد. وقد مهد النظام السابق هذا المناخ وأصَّله لما اتسم به من فساد وتهميش وإقصاء وفرض الظلم بأيدى الجهاز الأمنى وخلق الدولة البوليسية.. والآن يتم الدفع بهؤلاء المشاركين السابقين فى إفساد الحياة وبدعم لوجستى لهم من أمريكا ومنظماتها وأعوانها لزعزعة استقرار الدولة وإنهاك مقوماتها وانهيار أمنها لتعود سطوتهم على البلاد والحفاظ على امتداد مصالحهم باستسلام النظام الحالى أمام ضغوطهم.. وأكبر دليل ما قاله المهندس أسامة كمال وزير البترول أمام لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى عن أسباب أزمة السولار بأن أصحاب محطات الوقود ومفتشى الوزارة يتحالفون مع بلطجية لتهريبه فى ظل حالة تردى الأمن ويحذر من شن الحرب عليهم دفعة واحدة حتى لا تخرج الأمر عن السيطرة لأنهم يتربعون على مفاصل الدولة. ونعود إلى «ماكس ماتوارينج» الذى يقول إن أهم سلاحين فى الحرب الناعمة قوة المال وقدرتنا العقلية.. فالمارك الألمانى هو الذى أسقط حائط برلين. وقد اعترفت «باترسون» السفيرة الأمريكية بعد الثورة بأن أمريكا صرفت 200 مليون دولار على بعض الجمعيات والمجموعات التى تمرست من قبل على نوعية تلك الحرب.. ولا يخفى على أحد أنها مارست نفس الأسلوب وهى سفيرة بباكستان وغيرها من الدول.. واتهمت منذ أيام القوى المعارضة المصرية بعدم قدرتها على الحشد بعد فشل محاولاتهم فى اقتحام قصر الاتحادية حيث تكرر نفس السيناريو مع شافيز. وأفضل الوسائل لإفشال الدولة هى انتشار البلطجية والجريمة والفوضى والمخدرات والدعارة أو تأجيج الخلافات العرقية والطائفية.. مستغلة فى ذلك أوجه القصور والتناقضات الموجودة بالفعل داخل المجتمع.. وبالتالى تفقد الدولة سيطرتها وتُكره على الإذعان لسياسة المستعمر بإصدار قرارات لا تعبر عن الإرادة الشعبية. ولا يخفى أيضا على أحد أن الصهاينة احترفوا «هندسة الفتنة» وسلاحهم الأول فيها الإعلام عن طريق شيطنة الخصم وتشويهه بالأكاذيب وشهادات الزور ونشر الأدلة الملفقة والاستهزاء بالشخصيات القيادية وتصوير الباطل حقا والإنحلال الأخلاقى إبداعا.. وبالتالى تمجيد التيارات المعارضة والمبالغة فى دورها وأنه لا بديل عن ثقافة الغرب وأخلاقياته مثل فرض وثيقة المرأة. ويأتى بعد الإعلام ضرب الاقتصاد القومى وتجفيف منابع الدعم والتمويل من الخارج.. وهذا ما صرح به الاتحاد الأوروبى مؤخرا من عدم ضخ مساعداته التى أعلن عنها بحجة الخلاف السياسى والاضطرابات.. ويؤكد «ماتوارينج» على أسلوب الإتقان والآناه فى تنفيذ الحرب الناعمة أو إفشال الدولة حتى يسقط عدوك ميتا. ويأتى تأكيدا على بدء تنفيذ هذه الحرب بعد الثورة.. ما حذر منه «مارك كيرل» - السيناتور الأمريكى بمجلس الشيوخ بعد انتخابات مجلس الشعب الأولى - القيادة الأمريكية ووزارة خارجيتها من هيمنة التيار الإسلامى وضعف الكتلة العلمانية.. وشدد على تدعيم الأخيرة والحد من استحواذ التيار الإسلامى على السلطة.. لأنه سيمثل هزيمة تاريخية وتهديدا للمصالح الأمريكية لأن الحكومة الإخوانية ستتحكم فى قناة السويس وفى أكبر عاصمة فى الشرق وستهدد حلفاءنا الإسرائيليين. ولوقف هذا المخطط الشرس لابد من صحوة للشعب لما يخطط له.. والحكم بالعدل لأن العدل أساس الملك.. فقد أرسل أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يطلب منه بناء سور حول الولاية فقال له عمر «ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونق طرفها من الظلم».