عندنا الآن تاريخ من العرى.. بعضه سياسى.. والبعض الآخر فنى وعرى تجارى.. وفى ذلك قالت فيلسوفة اللحم الرخيص إيناس الدغيدى ان اهتمامها بالعرى فى أفلامها يهدف إلى تعرية العقول والأفكار البالية وليس لا سمح الله تعرية الأجساد. العرى قد يأتى اختيارا.. يفعله صاحبه للاحتجاج وقد يأتى جبراً بالعافية من الانظمة السياسية ضد معارضيها فإذا ما ارتبط العرى بالبهدلة سمى سحلاً والسحل فى اللغة يعنى الثوب الأبيض الرقيق الذى يكشف وبالتالى فإن من يكشف ستره فهو مسحول وعند الفرانين وفى المخابز يقال «العيش السحلة» أى الذى لا يتم بيعه للجمهور.. ويقومون بتوزيعه على العاملين فى المخبز آخر اليوم.. لأن به عيوباً فى شكله أو فى درجة نضجه. والتاريخ يقول لنا إن الاحتجاج بالعرى وهو الأهم عندنا يرجع إلى أكثر من ألف سنة تقريباً.. عندما قامت الليدى «جودافيا» بركوب حصانها وهى عارية زلط ملط حتى تقنع زوجها حاكم المدينة بتخفيض الضرائب على السكان.. كتر ألف خيرها.. وربما يفسر البعض هذا التصرف بأن حضرة الحاكم لم يكن مهتماً كما ينبغى بالست بتاعته فأرادت أن تعرض بضاعتها على الملأ وبالمرة تلبى مطالب الجماهير.. والناس فيما يتشلحون مذاهب.. ممثلة الإغراء تعتبره «شغل».. تفخر به وتتباهى.. يعطيها العافية. وبعد ألف سنة خرجت فتاة فى العشرين .. تضع صورتها العارية بكامل إرادتها ومزاجها.. قال ايه تعترض على العنف والعنصرية وقالت على الأنترنت إلى جانب لحمها المكشوف انها ليبرالية نباتية أنثوية رافضة للحجاب.. وكان الأولى بها أن ترفض الملابس الداخلية فهى مكشوفة من مجاميعه!!. الفتاه صاحبة المدونة الإلكترونية زارها 800 ألف فضولى فى يومين واللى ما يشترى يتفرج. وتحولت علياء المهدى إلى عنوان عريض فى كل مكان.. هى لا سعه غاوية شهرة وهناك من يقوى شوكة هؤلاء الملاحيس ويعتبرها حرية يجب الدفاع عنها.. ألا يعرف هؤلاء أن التعرى حتى فى البلاد المتحررة يسمونه بالفعل الفاضح الذى يعاقب عليه القانون. لكن التعرى لأسباب سياسية يسمونه احتجاجاً وكأن وسائل الرفض والإحتجاج انتهت وخلصت لكن على ما يبدو هناك فئة من الناس عندها حساسية ضد هدومها.. وتعشق لفت الأنظار بكل السبل ويبدو أن «عرياء المهدى» وجدت لها من يؤيدها ويحولها إلى ظاهرة عالمية.. فقد تضامنت معها كاتبة إيرانية وخلعت هى الأخرى.. لكن بعيداً عن طهران لأنها تعيش براحتها فى الغرب.. ونفس الشىء فعلته. وفى سكة «التشليح» تعرت الرسامة السورية هالة قال ايه احتجاجاً على الحرب ضد العراق وفلسطين على أساس ان الجزء العلوى للعراق.. والأسفل لفلسطين.. وفى بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة تعرت مجموعة على الهواء مباشرة استثماراً للنقل المباشر إلى جميع أنحاء العالم والعريان غالبا ما يصطاد اللحظة المناسبة. وتبلغ مسألة التعرى الإجرامى أو ما يسمى بالسحل وبالبلدى أن تمسح الشرطة الأرض بالمواطن كأنه ممسحه.. بخلاف الشلاليت واللكم والضرب بالعصى.وفوق كل هذا الشتيمة.. حيث إن الوجبة تنزل كاملة فلا ضرب بدون شتيمة. فهى السلطات التى لا يمكن بلع الإهانة بدونها. رأينا الفتاة المعروفة بست البنات وهى تداس فى التحرير.. بشكل فاضح.. ولك أن تتصور إذا كان هذا ما يحدث فى الشارع فما بالك خلف الجدران المغلقة.. ربنا ما يوريك! والسؤال هل تغيرنا؟.. ابداً وحياتك.. إلا أن الشرطة هذه الأيام تعتذر وتعترف بالخطأ .. وعلينا أن نعرف الظروف التى تمت فيها عملية السحل وما الذى أوصل العسكر للاقدام على ذلك مع هذا المسحول دون غيره. يجب أن نقرأ الصورة من جميع الزوايا قبل الحكم عليها لكننا للأسف نتوقف أمام المشهد الرئيسى أو ننسى أن لكل نتيجة مقدمات ولكل نهاية بداية.. ولكل فعل أسبابه.. أرأيت ماذا فعل المحتل الاجنبى فى الفلاح الرمز محمد ابو سويلم.. لقد تمت عملية السحل زراعياً فى أرضه وبين أهله وزادوا على ذلك أنهم نزعوا عنه رمز رجولته وهو شاربه.. ولكن امام الجميع ازداد رجولة وأصبحنا نضرب به الأمثال إذا انكسرت شوكتنا وانحنى الظهر منا.. أن نسترد كل هذا بشرط أن تكون رجولة أولاد رجالة. وقد شهد عام 2005 ذروة السحل الجماعى الحكومى أثناء انتخابات مجلس الشعب وما جرى فيها من تزوير وعلى مرأى ومسمع من الملايين جرجروا زميلنا المناضل محمد عبد القدوس فى مستهل ثورة يناير وانتهكت أعراض بعض الزميلات فى تلك الوقفات الاحتجاجية. العرايا دائما وأبداً ضد «السرايا» أو النظام مهما اختلفت الاسماء والمسميات.. العريان ليس لديه ما يخاف عليه.. وسواء اختلفنا أو اتفقنا معه.. وهو لا يفعلها إلا إذا فاض به الكيل وبلغت الحلقوم. وعندنا مثل شعبى يقال للمعذور والمخنوق والموجوع أنا خلاص طلعت من هدومى وملابسنا ستره.. ولأن السحل والتعرى تمثل قمة الإهانة للإنسان.. استثمرت الدراما العربية والعالمية هذا الفعل لكى تعكس الحالات الدرامية بشكل مؤثر وعرفنا مؤخراً أن الممثلة العالمية الشهيرة بينيلوبى كروز فى فيلمها الجديد «المراقب» تتعرض للسحل والضرب أثناء مشهد رأت الشركة المنتجة أنه أكبر دعاية للفيلم الذى يدور حول محام ضليع فى القانون ويستثمر ذلك فى الإتجار بالمخدرات ويتورط مع رجال العصابة. وفى كل حالات السحل والتشليح سواء بالكيف أو بالغصب المسألة تعنى تجاوز القانون والتنكيل به. وكم ارتكبت أمريكا العظمى من جرائم السحل والتعذيب فى سجون أبو غريب وجوانتانامو.. ولم يتعرض لها أحد من لجان حقوق الانسان التى تسلط تقاريرها على الدنيا كلها إلا أمريكا نفسها. فى الغرب محلات تقدم فقرات لفتاة تتعرى وتتجرد من ملابسها بحركات مثيرة تسمى «استربتيز» وقد قدمت النجمة «ديمى مور» فيلماً بنفس العنوان والحقيقة أن عالم السياسة فيه الكثير من «التعرى». حيث تسقط أوراق الحياء والصدق والنخوة. ويا سبحان الله هناك من تتعرى لتسلية الناس وإثارتهم وهناك من يتم تعريتهم قسراً وبالعافية لتخويف الناس. وهناك فئة أخرى ولدت من بطون أمهاتهم عرايا. إلا من ورقة توت لا بيت ولا مأوى ولا لباس. وربك هو الستار الرحيم ورحم الله نزار قبانى عندما قال: أقاوم كل أسوارى.. اقاوم كل واقعى المصنوع من قش وفخار.. اقاوم كل الكهف والتنجيم والزار.. تواكلهم.. تأكلهم.. تناسلهم كأبقار.. امامى ألف سياق وسياق وخلفى ألف جزار وجزار.. فياربى أليس هناك من عار سوى عارى!!