هل يضطر رئيس الوزراء الإسبانى «ماريانو راخوى» إلى التخلى عن منصبه، وتقديم استقالته؟ سؤال طرحته الصحف ووكالات الأنباء العالمية، بعد الاتهامات التى تحدثت عن تورط راخوى فى فضيحة فساد، حيث نشرت صحيفة « الباييس» الإسبانية وثائق تظهر أن رئيس الوزراء وثلاثة من قادة الحزب الحاكم تلقوا بين عامى 1990 و2009 مبالغ مالية طائلة من أمين صندوق الحزب السابق. ورغم نفى رئيس الوزراء بشكل قاطع هذه الاتهامات قائلا: «لم أتلق أموالا من أحد فى هذا الحزب السياسى، لا توجد أشياء أخفيها، ولا أخاف من الحقيقة»، إلا أن هناك حالة من الاستنكار والسخط سادت الشارع الإسبانى، حيث أثارت تلك الاتهامات حفيظة الإسبان الذين يعانون بالفعل من الأسلوب الذى تتعامل به الحكومة مع حالة الركود الاقتصادى الحاد وارتفاع معدلات البطالة، وخرجت مظاهرات فى مختلف المدن الإسبانية تطالب «راخوى» بالانسحاب من رئاسة الحكومة. كما أظهرت نتائج استطلاع الرأى الذى أجرته مؤسسة «متروسكوبيا» ونشرته صحيفة « الباييس» الإسبانية أن هذه الفضيحة هزت صورة الحزب، وأنه لم يعد يحظى سوى ب23.9% من أصوات الناخبين، وهو أدنى مستوى للحزب منذ عام 2011، أما الحزب الاشتراكى المعارض فحصل على 23.5%، وقال 77% ممن شملهم الاستطلاع إنهم غير راضين عن إدارة راخوى لسياسات الحكومة، فيما قال 85% إنهم لا يثقون به على الإطلاق أو بدرجة ضئيلة، وقال 80% ممن شاركوا فى الاستطلاع إنه يجب على زعماء الحزب الحاكم الذى أوردت وسائل الإعلام أسماءهم الاستقالة، بينما قال 96% ممن شملهم الاستطلاع إن الفساد منتشر، ولا يلقى مرتكبوه العقاب الرادع. لم يقتصر الأمر على استطلاعات الرأى والمظاهرات، إذ جمعت عريضة إلكترونية تطالب برحيل راخوى عن منصبه نحو 740 ألف توقيع. أما القوى السياسية، فلم يختلف موقفها كثيرا حيال تلك الاتهامات عن موقف عامة الشعب، إذ طلب زعيم المعارضة فى البرلمان الإسبانى « ألفريدو روبالكابا» من راخوى تقديم استقالته، لأنه متورط فى عمولات غير قانونية، مشيرا إلى أن استمراره يسىء إلى البلاد خاصة فى ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها، وفى هذا الإطار تشير صحيفة « الباييس» الإسبانية إلى أن مطالبة الحزب الاشتراكى المعارض لرئيس الحكومة بتقديم استقالته هى بداية أزمة مؤسسات حقيقية فى البلاد، فهذا يعنى غياب أى اتفاق بين الحكومة والمعارضة حول القوانين الكبرى التى تتطلب إجماعا بين القوى السياسية. وفى نفس السياق قال « فرناندو سيكو» مدير مؤسسة « فاندسيون انتاريس فور» لمناقشة السياسيات فى إشبيلية لصحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية إن ما حدث أمر مدمر لراخوى سواء ثبتت صحة مزاعم حصول الحزب على أموال بشكل غير قانونى أم لا، مضيفا أن ما حدث لم يضعف فقط الحزب الشعبى الذى يرأسه راخوى، بل أضعف الحكومة بأسرها فى لحظة حساسة جدا، حيث تحاول الحكومة تحقيق انتعاش اقتصادى. ورغم الهجوم الذى يتعرض له راخوى، إلا أن فكرة الاستقالة تبدو غير واردة على الأقل فى الفترة الحالية، ففى مؤتمر صحفى لراخوى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منتصف الأسبوع الماضى، نفى مجددا الاتهامات الموجهة له بالفساد، وقال إن حكومته لا تزال قوية، وستتغلب على هذه الاتهامات، كما تعهد بأن إسبانيا ستتجاوز أسوأ أزمة مالية تعصف بها خلال السنوات الأخيرة، وقال راخوى إن الحزب الشعبى الحاكم الذى ينتمى إليه ملتزم بالإصلاحات التى ستساعد إسبانيا على تجاوز الأزمة المالية. وبشكل عام، ستثبت الأيام القادمة عما إذا كان راخوى سينجح فى تجاوز الأزمة والاستمرار فى رئاسة الحكومة، أم سيتم إثبات تلك الاتهامات على قيادات الحزب الشعبى ومنهم راخوى مما يضطره إلى تقديم استقالته.