زمان ليس ببعيد كنا نحتفل بعيد حصاد القطن المصرى المعروف بالذهب الأبيض. وسر بهجة هذا العيد أن الفلاح يسدد ديونه ويزوج أولاده. وكانت مصر من الدول الشهيرة والمعروفة عالميًا وكان للقطن بورصة عالمية بالإسكندرية. كما كانت المنسوجات القطنية المصرية تمثل الصدارة فى أسواق العالم وكانت منتجات الشوربجى وعدس تغزو الأسواق العربية والأوربية بلا منافس. وقبل ربع قرن كانت تصدر مصر الأقطان طويلة التيلة إلى دول أوروبا وآسيا. وكانت قيمة الصادرات تصل إلى 700 مليون جنيه وكانت وزارة الزراعة تشترى القطن من المزارعين ويتم تحديد المساحات التى تزرع قطنًا سنويًا. وكانت الدولة توفر البذور والتقاوى وتنفذ حملات إرشادية لتوعية الفلاحين بأفضل أساليب مكافحة دودة القطن باعتباره محصولًا قوميًا استراتيجيًا وجاءت الألفية الثالثة لتدمر الذهب الأبيض وتصيبه فى مقتل حيث حددت وزارة الزراعة سعرًا لتوريد القطن لا يتناسب مع ارتفاع نفقاته وبالتالى عزف الفلاح عن زراعته وفى المقابل حررت الوزارة الفلاح من زراعة القطن وتركته يزرع ما يشاء. واتجه الفلاح لزراعة أشجار الفاكهة من مانجو وفراولة وكنتالوب ولم تعد لدينا سياسة زراعية ولا محاصيل استراتيجية مثل القطن والقمح الذى أصبحنا نستورده حتى وزارة التموين فتحت المجال للقطاع الخاص وأصبحنا نأكل قمحًا مسرطنًا وقمحًا بالحشرات!! المهم أن أحد أساتذة كلية الزراعة وهو الدكتور سمير الديب طرح فكرة عبقرية لاستعادة القطن المصرى لعرشه من جديد. بل لسداد ديون مصر وتحويلنا من دولة مفلسة إلى دول غنية اقتصاديًا.الفكرة تنحصر فى أن وزارة الزراعة تعلن عن استعدادها لاستلام قنطار القطن من جديد ورواج تجارة الذهب الأبيض طويل التيلة ب2000 جنيه والأقطان العادية ب1500جنيه لمصانع النسيج المحلية وهذا سيشجع الفلاح على زراعة القطن واستعادة عرش القطن المصرى لأننا الدولة الوحيدة فى العالم التى تنتج قطنًا 39 مليمترا ولذلك تستورد الدول الثلاث:ايطاليا والنمسا وألمانيا القطن المصرى فائق الطول وتصنعه كنسيج حيث تمتلك مصانع نسيج متطورة قدرتها تتراوح بين 1100 و1200 فتلة وتصنع كيلو القطن المصرى الذى ثمنه أربعون جنيهًا إلى مفرش سرير يباع فى أسواق أوربا وأمريكا بألف دولار لأنه مصنوع من القطن المصرى المنفرد فى طول تيلته عالميًا. وإذا دعت مصر أصحاب شركات النسيج فى إحدى الدول الثلاث لإقامة مصنع فى المناطق الصناعية وقدمت مزايا استثمارية مشجعة مثل توفير الأرض بأسعار رمزية أو إعفائها من الضرائب إلى جانب توفير المادة الخام بسهولة بعد تسابق المزارعين على زراعة القطن لارتفاع العائد والربح. وفى مقابل ذلك يتم تشغيل الشباب وتقليل معدلات البطالة وتحقيق عوائد اقتصادية عالية تسدد ديوننا وتجعلنا فى مصاف الدول القوية اقتصاديًا وذلك على غرار ما حدث مع فنلندا الدولة الاسكندنافية الصغيرة الحجم والتى أصبحت ثالث دولة فى العالم فى التصدير بعد أمريكا والصين بعد أن احتكرت صناعة المحمول بل إننا نتميز على فنلندا بأننا الدولة الوحيدة فى العالم التى تزرع وتنتج قطنًا 39مليمترًا ولا يوجد لدينا منافس بينما فنلندا يمكن أن تنافسها أى دولة أوربية متقدمة فى صناعة وسائل الاتصالات والإلكترونيات. إن تنفيذ فكرة إقامة مصنع أو أكثر لتحويل القطن المصرى فائق الطول إلى صناعات نسيجية سيوفر الملايين من العملات الصعبة بل المليارات التى نسدد بها ديوننا ونحقق دخلًا سنويًا أكبر بكثير من دخل قناة السويس وتحدث رواجًا اقتصاديًا وتجاريًا وتستعيد مصر عرشها من أمجاد وعراقة وتفرد الذهب الأبيض. إننا نملك المقومات الطبيعية والعقول والخبرات وعلينا فقط أن نزيل الغبار عنها وأن نستثمرها جيدًا وهذه الفكرة نقدمها إلى الرئيس محمد مرسى لكى يحولها إلى حيز التطبيق وهذا سهل ميسور ولا يحتاج إلى قدرات خارقة بل مجرد الطرح والحوار وتحويل الحلم إلى حقيقة. بدلًا من أن نقترض من البنك الدولى ويملى علينا شروطه ويزيد من عذاب ومعاناة الكادحين والفقراء من غول الغلاء والتضخم.