فى الأعراف الدبلوماسية للدول الكبرى هيكل وزارى من وزارات سيادية تُكسب الدول توجهها السياسى تجاه العالم، ولعل من أبرز تلك الوزارات وزارتى الخارجية والدفاع، ولقد آثر الرئيس الأمريكى باراك أوباما المعاد انتخابه لأقوى دولة فى العالم تغيير وزارتى الدفاع والخارجية حتى يكسب كرسيه الجديد مبررات وقوة لإعادة اختياره. لذا جاء ترشيح تشاك هيجل لحقيبة الدفاع ليشكل ملمحاً فارقاً للسياسات الأمريكية لولاية أوباما الثانية والذى وصفه البعض من الموالين لإسرائيل بأنه إفصاح عن ميول أوباما الحقيقية تجاه إسرائيل فى حين يرى آخرون أنه جاء لإصلاح استراتيجيات المحافظين الجدد التى سادت فى عهد جورج بوش الابن، والتى تسببت فى فوضى عالمية نجم عنها تورط الولاياتالمتحدة فى حربى العراق وأفغانستان وما ترتب عليهما من أزمة مالية طاحنة، لهذا اعتمد الرئيس أوباما سياسة القوة الناعمة كمنهج ساد فترته الرئاسية الأولى مع عدم تخليه عن سياسة التفوق العسكرى والهيمنة الدولية. أما بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط فقد سجلت إدارة أوباما خلال مدتها الأولى أعلى نسبة تعاون أمريكى إسرائيلى فى المجالين السياسى والعسكرى على الرغم من إعلان رفضها لإقامة المستوطنات على الأراضى الفلسطينية، وهكذا ظلت الخلافات الأمريكية الإسرائيلية مجرد (شو إعلامى) لا يؤثر على العلاقات الحقيقية بينهما ولذلك أثارت التعديلات الأخيرة التى أجراها أوباما ردودًا متناقضة ما بين مؤيد ومعارض، فجاء اختياره لجون كيرى كوزير للخارجية خلفاً لهيلارى كلينتون والمعروف عنه تأييده الدائم لإسرائيل ثم اختيار السيناتور الجمهورى السابق تشاك هيجل لحقيبة الدفاع والذى وصفته الصحف الإسرائيلية بأنه عدوها الأول بسبب آرائه الهجومية تجاه المنظمات اليهودية فى أمريكا واتهامها بالازدواجية والتحيز تجاه المصالح الإسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية وممارستها لسياسة التهديد والتخويف ضد الساسة الأمريكيين ومعارضته الدائمة للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية وإدانته لما أسماه بسياسة الفصل العنصرى الإسرائيلى تجاه الفلسطينيين. ويعلق المحلل الإسرائيلى (إيزى لابلار) على اختيار هيجل كوزير دفاع للولايات المتحدة «بأنه مقياس يكشف عن نية أوباما فى العودة إلى الخط المضاد لإسرائيل». ويقول آخرون إن تعيين هذا الجمهورى فى ظل مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون سيؤدى لحالة من الانقسامات والصراعات بين المحافظين الجدد لصالح الديمقراطيين الجدد، وهذا سيكون له أثره على السياسة الأمريكية فى السنوات القادمة والمتمثل فى تقليص الميزانية العسكرية. فالمعروف عن هيجل رفضه لحربى العراق وأفغانستان، وموافقته على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول عام 2014، وتأييده لسياسة الحوار لحل القضايا الخلافية منها قضيتا إيران وسوريا واستبعاد الحل العسكرى قدر الإمكان، وحرصه خلال عمله السياسى على تطوير العلاقات الأمريكية الروسية الصينية، ورفضه لاعتبار حماس وحزب الله والحرس الثورى الإيرانى من المنظمات الإرهابية. وهيجل هو جندى سابق شارك فى حرب فيتنام ونال خمسة أوسمة وانتخب «سيناتورًا» جمهوريًا لولاية نبراسكا لمدة 12 عاماً، ويرأس حالياً «المركز الأطلسى» وهو مركز أبحاث بارز وهو عضو فى المجلس الاستشارى للاستخبارات الذى عينه أوباما. وعن صفاته الشخصية يقول أصدقاؤه ومؤيدوه إنه شخصية مستقلة ووطنية. وكالعادة يداعب أوباما أحلام الكثيرين بينما يتركز اهتمامه أساساً على المصالح الأمريكية فقط لا غير.