قبل ما يقرب من الشهرين، وفى أثناء عملية «عمود السحاب» التى شنتها إسرائيل على قطاع غزة ردًا على التهديدات الأمنية لمدن وبلدان الجنوب الإسرائيلى، التقى أحد كُتاب صحيفة «هآرتس» بالرجل الذى على ما يبدو وعندما يحين الحين سوف يصبح الرئيس الفلسطينى القادم.. مروان البرغوثى. جرى اللقاء بإذن من السلطات الإسرائيلية فى سجن «هداريم» فى منطقة الشارون، بعد أكثر من عشر سنوات أمضاها البرغوثى فى السجن بعدما تم إلقاء القبض عليه بواسطة الجيش الإسرائيلى فى منزل أحد أصدقائه فى مدينة رام الله. يقول الكاتب الإسرائيلى: كانت تلك الفترة صاخبة بالأحداث وفى ذروتها عملية «السور الواقى»، وحاول أبو القسام المعروف فى إسرائيل أكثر بمروان البرغوثى، الاختباء بعيدًا عن أعين قوات الأمن الإسرائيلية، وفى النهاية سلم نفسه للقوات التى حاصرت البيت الواقع فى أحد الأحياء الشمالية لمدينة رام الله. ومنذ ذلك الحين ومروان البرغوثى قابع فى السجن بعد اتهامه بقتل خمسة من الإسرائيليين. ويعتبر البرغوثى وبحق مهندس الانتفاضة الفلسطينية الثانية والمتهم الرئيسى بتحويل هذه الانتفاضة إلى مواجهة مسلحة، قاسية ودامية، وتختلف تمامًا عن الانتفاضة الأولى على الأقل فى شهورها الأولى. ويعتبر البرغوثى أحد الشخصيات الأكثر شعبية فى المناطق الفلسطينية المحتلة حتى قبل إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الإسرائيلية، لكنه بالتأكيد وبعد سجنه أصبح بطلًا وزعيمًا لا يضاهيه أحد، وارتفعت صورته عاليًا مع كل حشد أو مظاهرة سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية. ويضيف الكاتب الإسرائيلى أن البرغوثى تم منعه طوال السنوات العشر الأخيرة من إجراء أية مقابلات صحفية، فيما عدا مقابلتين مع تليفزيون الجزيرة والعربية تم إجراؤهما عام 2006 عشية انتخابات البرلمان الفلسطينى، على أمل أن تحسن هاتان المقابلتان من وضع حركة فتح فى الانتخابات، وربما لهذا السبب فوجئ البرغوثى برؤية الكاتب الصحفى فى هآرتس وبصحبته تسفى يحزقئيلى محلل الشئون العربية فى القناة العاشرة الإسرائيلية. بدأت المقابلة فى زنزانته برفقة أحمد «الفرنساوى» البرغوثى الذى عمل كمساعد له على امتداد السنوات العشر الأخيرة، وهو أيضًا أحد مؤسسى كتائب شهداء الأقصى، ثم تحولت المقابلة بعد ذلك إلى مقابلة أمام كاميرا التليفزيون. ويصف الكاتب الإسرائيلى البرغوثى الآن ويقول: لقد أصبح أكثر نحافة من ذى قبل لأنه يمارس رياضة الجرى كل صباح فى فناء السجن، وظل محتفظًا بحسه الفكاهى الساخر بصفة خاصة عندما يتحدث عن السياسة الإسرائيلية الفلسطينية، وبعد عدة أيام فقط من بدء العملية الإسرائيلية على غزة، عرف كيف يتنبأ بدقة بارتفاع شعبية حماس فى الضفة وغزة وعلى الأخص بعد مقتل أحمد الجعبرى، وأخذ يشرح بصورة مبسطة كيف أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبو مازن» سيكون لزاما عليه الذهاب إلى الأممالمتحدة لطلب صفة «دولة مراقب» لفلسطين، وإلا فسوف يلحق به ضرر كبير من الناحية السياسية. ويؤكد الكاتب الإسرائيلى أن البرغوثى الذى يعرف جيدًا قوته ومكانته رفض القول صراحة ما إذا كان سيخوض انتخابات الرئاسة الفلسطينية القادمة أم لا، لكنه أوضح بأنه سوف يقرر عندما يحين الحين، لكن تصريحاته وتصرفاته كلها تدل على نيته الترشح من قبل فتح أو بصورة مستقلة فى الانتخابات إذا ما أجريت. وفى الحقيقة فإن كل استطلاعات الرأى التى أجريت فى المناطق المحتلة فى السنوات الأخيرة تظهر أن البرغوثى سوف يفوز بسهولة على أى مرشح من حركة حماس للرئاسة. وفى النهاية يقول الكاتب الإسرائيلى: هذا هو الواقع الذى ترفض دولة إسرائيل مواجهته، فالبرغوثى سوف يتم انتخابه فى مرحلة معينة على ما يبدو بعد أن يقرر الرئيس عباس ترك منصبه، وسوف يصبح هو الرئيس الفلسطينى القادم، فما الذى سوف تفعله إسرائيل فى هذه الحالة؟ لن يكون هناك مفر من التحدث مع مروان البرغوثى، فالبديل سوف يكون حماس، لأنه حتى الآن لم يظهر وريث لأبو مازن داخل قيادة حركة فتح. ويجب ألا تخطئ إسرائيل، فالبرغوثى ليس عباس، وهو لن يتنازل عن حق العودة، حتى ولو عن بيت أبو مازن فى مدينة صفد، كما أنه لا يخشى الدخول فى مواجهة حقيقية مع إسرائيل، ويحذر أيضا من انتفاضة ثالثة توشك على الاندلاع فى مواجهة السياسة الحالية لحكومة نتنياهو فى الضفة، يجب الحديث مع البرغوثى نظرا لشعبيته الطاغية بين الفلسطينيين ولأنه أيضا وبعد عشر سنوات قضاها فى السجن لا يزال يؤيد فكرة دولتين لشعبين.