أخشى أن تدفع مصر ثمن التهويل والتهوين!.. مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة وبدلا من أن نتعامل معها بمنطق أننا جميعا فى سفينة واحدة.. إذا غرقت غرقنا كلنا معها.. بدأنا فى الانقسام إلى فريقين.. فريق التهوين وفريق التهويل!.. فريق التهوين من الأزمة يعتبر ذلك نوعا من التأييد والدعم للرئيس والنظام.. وفريق التهويل يعتبر ذلك نوعا من المعارضة والهجوم على الرئيس والنظام!.. التهوين يقودنا إلى مفاجآت قاسية لن تتحملها مصر ولن يتحملها اقتصاد مصر.. والتهويل يضاعف مخاطر الأزمة الاقتصادية فالشائعات تضر الاقتصاد بأكثر مما يضره عجز الموازنة وقلة الإيرادات!.. وليس أمامنا إلا الحلول الوسط!.. و ليس خافيا أن الوصول إلى هذه الحلول الوسط يحتاج إلى حد أدنى من التوافق والاتفاق.. وهو ما يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا فى ظل هذه الأجواء المحتقنة التى يتسم بها المشهد السياسى فى مصر الآن!.. لكن ليس أمامنا طريق آخر إلا هذا الصعب وذلك المستحيل!.. وليس خافيا أيضاً أن أول وأهم وأكثر ما نحتاج إليه الآن هو الاستقرار.. وحتى إذا كان غياب التوافق وانعدام الاتفاق يمثلان حائلا أمام تحقيق الاستقرار الكامل.. فعلى الأقل علينا أن نسعى لتحقيق الاستقرار الجزئى.. حد أدنى من التفاهم وقبول الآخر!.. وإذا اتفقنا أن الاستقرار هو هدفنا - الكلى أو الجزئى- فلابد أن نتفق على أن تحقيق هذا الاستقرار يستلزم أموراً كثيرة منها ما يخص الحكومة والسلطة ومنها ما يخص المعارضة.. ونبدأ بالدستور الذى بسببه حدث الانقسام ووقعت الفرقة.. *** نتائج الاستفتاء على الدستور قد يعتبرها البعض المرجعية الوحيدة لحل الخلافات التى تفجّرت بسبب الدستور.. وقد يبدو ذلك صحيحا من الناحية الشكلية.. لكن الحقيقة أن التوافق على هذا الدستور أفضل ألف مرة من الناحية الموضوعية.. وأغلب الظن أن هذا التوافق يمكن أن يتحقق إلى درجة كبيرة إذا تم تعديل المواد الخلافية.. وقد وعد الرئيس مرسى بتقديم هذه المواد الخلافية إلى مجلس النواب بعد انتخابه لتعديلها.. ومن ثم فإن الوفاء بهذا الوعد يساهم إلى حد كبير فى الاقتراب من نقطة التوافق.. غير أن الأهم هو أن يدرك مجلس النواب القادم خاصة إذا كان الإسلاميون يشكلون أغلبيته أن "العروض المسرحية" ستزيد الاحتقان!.. وأن تفهم وجهة نظر المعارضة فيما يتعلق بالمواد الخلافية والعمل بجدية على الاستجابة لها أو لمعظمها.. سيخفف كثيرا من هذا الاحتقان ويصل بنا إلى نقطة التوافق.. فى نفس الوقت فإن المعارضة مطالبة بأن تقبل الدخول فى حوار حقيقى مع السلطة.. حتى وإن كانت وجهة نظرها أنه حوار فى الوقت الضائع!.. ثم إن عليها أن تدرك أن دورها ليس هو إحداث الفوضى وإسقاط النظام بالمظاهرات والاعتصامات إنما دورها الحقيقى هو أن تعارض سلميا السياسات التى ترى من وجهة نظرها أنها سياسات خطأ وأن تقدم الحلول ولا تكتفى بالمعارضة.. وإذا كنا نتكلم عن الدستور ومواده الخلافية فإنه يتعين على المعارضة أن تدرك أنه ليس معقولا ولا منطقيا أن تتصور أن كل طلباتها لتغيير المواد الخلافية أوامر!.. وبعد الدستور الذى حدث بسببه الانقسام يأتى الدور على مجلس الشورى الذى يمكن أن يعالج هذا الانقسام أو يزيد نيرانه اشتعالا!.. *** ليس خافيا أن المعركة القادمة هى معركة انتخابات مجلس النواب التى تسعى كل القوى السياسية سواء الإسلامية أو المدنية للفوز بها وتحقيق الأغلبية داخل المجلس.. وحسنا فعلت جبهة الإنقاذ بالإعلان عن خوضها الانتخابات البرلمانية القادمة.. كوسيلة سلمية لإسقاط الدستور الذى تعتبره غير معبر عن إرادة الأمة.. غير أن ذلك يقتضى أن تدرك المعارضة وتتفهم أن سعى القوى الإسلامية للفوز بالأغلبية حق مشروع.. وليس جريمة ولا خيانة ولا محاولة لإقصاء الآخر.. لكن ذلك كله يجب ألا ينسينا أن الانتخابات البرلمانية القادمة ستتم على ما سيشرّعه مجلس الشورى من قوانين تخص الانتخابات وخاصة قانون مباشرة الحقوق السياسية.. والحقيقة أن المعارضة تستشعر الخوف من قيام مجلس الشورى بسن قوانين انتخابية تحقق بها سيطرة تيار الإسلام السياسى على مجلس النواب.. وعلى سبيل المثال هناك مخاوف من إعادة تقسيم الدوائر وتحديد أعدادها بطريقة تحقق الفوز للإسلاميين وتضمن الخسارة للقوى المدنية.. وقد قرأت مؤخراً تصريحاً للرئاسة تحاول من خلاله إزالة هذه المخاوف وذلك من خلال الإعلان عن استعداد الرئاسة للحوار مع جبهة الإنقاذ حول قانون مباشرة الحقوق السياسية قبل مناقشته وإقراره داخل مجلس النواب مع استعداد الرئاسة لتفهم وجهة نظر المعارضة فى هذا الشأن. الكلام إيجابى والتصريح مطمئن لكن مجلس الشورى هو الذى سيحدد حُسن النوايا ويؤكدها إذا سعى لإصدار قانون للحقوق السياسية لا يخدم القوى الإسلامية ويقصى القوى المدنية.. وحتى يكون الاحتكام للصندوق مبدأ يرضى عنه الجميع!.. *** نحن فى مفترق طرق.. إما أن نسير فى طريق النجاة وإما فى طريق الهلاك.. المشكلة الخطيرة وإما أن البعض يتصور أن النجاة من نصيبه والهلاك من نصيب الآخر.. هذا هو الخطر بعينه.. لأننا كما اتفقنا.. كلنا داخل سفينة واحدة!..