حد أدنى للأجور يا حبذا لو ارتبط بالحد الأعلى لها هو ما نحتاج إليه الآن فى مصر بشدة ناهيك عن أنه مطلب من مطالب ثورة 25 يناير فشلت الحكومات التى تعاقبت على إدارة شئون البلاد بعد الثورة فى تحقيقه أو تطبيقه على أرض الواقع. القضية تفجرت مجتمعياً بعدما جاء فى إحدى مواد مشروع الدستور الذى ينتهى الاستفتاء عليه اليوم نصاً يشير إلى ربط الأجر بالإنتاج.. وقد يبدو أن معالجة قضية الأجور على هذا النحو تخدم اقتصاد المجتمع وترفع الدماء فى أوصال الكسالى العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة والمتنطعين فى أروقة المصالح وفى كثير من مواقع الإنتاج.. على الجانب النظرى النيات طيبة والمبدأ جيد.. لكن ماذا على الجانب العملى.. فى دراسة له يكشف عبد الفتاح الجبالى مستشار وزير المالية الأسبق واقع الحالة المصرية الخاص بالعمالة والإنتاج والأجور فى دراسة له تحمل عنوان «نحو حد أدنى جديد للأجور فى مصر» أشار فى مقدمتها إلى أن قضية الأجور لا يمكن أن يتم التعامل معها بحلول وقتية ولكنها تتطلب إعادة نظر فى المنهج التنموى الشامل، مضيفاً أن هناك خللا فى نظام الأجور والمرتبات بأكمله. ورصدت الدراسة أهم معوقات وضع حد أدنى للأجور وفى مقدمتها انخفاض نسبة العاملين بأجر والتى لا تتجاوز 60.9% من القوى العاملة حسب إحصاء (عام 2009) كما أن الأجور هى المصدر الرئيسى لدخل الفقراء وتشكل 44.4% من إجمالى مصادر الدخل للفقراء وفقا لمسح ميزانية الأسر لعام 2008 2009، والمعوق الثالث هو ارتفاع نسبة الإعالة فى سوق العمل المصرية وزيادة نسبة العاملين فى القطاع غير الرسمى. وتناولت الدراسة تطور الأجور فى المجتمع والتى زادت على المستوى القومى من 110.3 مليار جنيه عام 2002/2001 إلى 189.4% مليار جنيه فى العام المالى 2007/2006 استحوذت الحكومة على النصيب الأكبر منها (35.2 مليار عام 2001 إلى 51.3 مليار عام 2006، ورغم أن القطاع الخاص يعمل به 68% من العمالة (عام 2005/2004) إلا أن نصيبه من الأجور على المستوى القومى وصل إلى 54.4% من الإجمالى مما يعكس انخفاض متوسط الأجر فى القطاع الخاص مقارنة بقطاعات الاقتصاد القومى الأخرى، كما أن المتوسط الشهرى للأجور النقدية لدى القطاع الخاص يبلغ 576 جنيها للذكور و444 جنيها للإناث بينما يزيد فى القطاع العام إلى 684 جنيها للذكور والإناث. ونبهت الدراسة إلى وجود خلط بين الأجر الأساسى فى القطاع الحكومى والأجر الثابت الذى يحصل عليه الموظف والذى لا يوضع فى خانة المرتب الأساسى لبعض الاعتبارات العملية والقانونية وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن تعقيدات الهيكل الوظيفى للعاملين فى الدولة أفرزت بعض الاختلالات فى مستويات الأجور والسلم الوظيفى وارتفاع نسبة الأجور المتغيرة إلى الإجمالى، واختلالات الأجور بين القطاعات الحكومية المختلفة، واستحواذ الجهاز الإدارى على معظم الكادرات الخاصة، وظهور الهياكل الموازية. وانتهت الدراسة إلى أن التعامل الجدى مع مشكلة الأجور يجب أن يدور على عدة محاور أهمها إعادة النظر فى جداول الأجور الملحقة بقانون العاملين المدنيين بالدولة ووضعها فى صورة مرنة، وزيادة شرائح العلاوات الدورية الحالية التى لا تعبر عن مستويات المعيشة والتى لا تتجاوز 6 جنيهات شهريا للدرجة العالية و1.5 شهريا للدرجة السادسة، وإعادة تصنيف موظفى الحكومة وإعادة توزيعهم بطريقة اقتصادية سليمة. آراء الخبراء هذا ما تشير إليه الدراسات النظرية فماذا عن رأى الخبراء فى القضية؟ د. حمدى البنبى وزير البترول الأسبق يرى أن ثقافة المصريين ترفض هذا المبدأ من الأساس، فحينما تمنح أى جهة فى أى قطاع زيادة فى المرتبات، أو حوافز لبعض الخبرات المتميزة، فإن هذا الأمر يواجه معارضة شديدة من العمالة الأخرى، فعلى سبيل المثال إذا حصل الأساتذة فى الجامعات على رواتب أعلى، تجد الإداريين يعترضون على تلك الرواتب، وأيضاً فى قطاع البترول إذا حصلت بعض الخبرات القادرة على عمليات الحفر والدراسات، فى حقول البترول المختفية فإنك تجد الإداريين فى نفس المكان، يعترضون على تلك الزيادات للخبراء، ويطالبون بنفس أجور هؤلاء الخبراء، لافتاً إلى أن الحالة المصرية تختلف كليةً عن حالات الدول الأخرى ومنها البرازيل، موضحاً إن ما يتناسب مع الحالة المصرية يكون عن طريق زيادة الحوافز والمكافأت وليس زيادة الأجور فى جميع القطاعات والمؤسسات العامة والخاصة، ومن الممكن أن يقوم بهذه المهمة كل من له صلاحيات فى أماكن العمل المختلفة، لمن يقوم بأعمال ذات مهام خطرة. شىء مستحيل ويتفق مع الرأى السابق المستشار عادل عبد الباقى وزير التنمية الإدارية الأسبق، مضيفاً إن الحالة المصرية بها مشاكل لا حصر لها منذ سنوات طويلة تتعلق بقضايا الأجور حيث أصبحت الأجور لا تتناسب مع متطلبات الحياة وأسعار السلع، لافتاً إلى أن ربط الأجور بالإنتاج يحتاج لفترات زمنية أطول، لأن أى إنتاج سلعى يحتاج لوقت والحالة المصرية لن تنتظر هذه الفترات، مضيفاً أن حالة البرازيلية تختلف لأن الفجوة بين الأجور والأسعار ليست كبيرة، فى الوقت الذى يعانى أكثر من 40% من الشعب المصرى من حالات الفقر الشديد، حيث يحصل الفرد على دولار يومياً. ويشير المستشار عبد الباقى إلى أن الحل فى الحالة المصرية يتطلب تعديل هياكل الأجور، وهو ما تسعى له الحكومة المصرية الآن عن طريق قرض الصندوق الدولى، مضيفاً أن الفجوة بين الأجور الحالية وما يتطلب زيادته فجوة كبيرة وتكلف الدولة أعباء مالية ضخمة، فعلى سبيل المثال رفع الأجر من 400 جنيه إلى 1200 جنيه يعنى مضاعفة الأجر 3 مرات أى ما يعادل زيادة 300%، وهو شىء مستحيل. ومن جانبه يرى الدكتور شريف الجبلى رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات أن موضوع ربط الأجر بالإنتاج صعب تطبيقه فى مصر لأنه غير معروف فى مصر معدل إنتاج العامل بالنسبة لساعات العمل، والذى يختلف من دولة إلى أخرى، منوهاً إلى أنه من الممكن أن يؤثر ذلك بالسلب على أجر العامل فى مصر إذا ما طبق هذا الحل، مشيراً إلى أنه من الضرورى إعداد الدراسات المتميزة لحل هذه القضية الضرورية والتى تؤثر فى إنتاج المصانع والشركات، وأيضاً فى نمو الإقتصاد الوطنى الحافز تجربة رائدة ويختلف مع الآراء السابقة الدكتور محمود عبد الحى مدير معهد التخطيط القومى السابق وأستاذ الاقتصاد، موضحاً أن التجربة البرازيلية هى الأنسب والأفضل للتطبيق فى الحالة المصرية الحالية، مشيراً إلى أن جميع موظفى الدولة عانوا لسنوات طويلة من ظلم الأجور المتدنية وحصولهم على «بدلات الشحاتة» التى كانت تصرف حتى للخبرات فى كافة المجالات، منوهاً إلى أنه من الضرورى أن يزداد الأجر أو الحافز بشرط أن يكون ذلك متعلقاً بإضافة فى العمل المهنى أو الفنى ويكون ذلك للكفاءات وأصحاب الخبرات، أما المتكاسل وغير المنتج فلا يحصل على تلك الزيادات، مشيراً إلى أن ظاهرة الإضرابات للعمال هى إحدى ثمار الثورة المصرية السيئة، والتى أدت إلى توقف الإنتاج فى جميع مؤسسات الدولة مما عكس ذلك بالسلب على الاقتصاد وانخفض النمو، وزاد العجز فى موارد وموازنة الدولة، متسائلاً كيف يتم رفع الأجور مع عمال كسالى، وغير منضبطين ، ولماذا لا ترضى فئة المعلمين بما قدمته الدولى بزيادة الأجور 200% على دفعتين أول أكتوبر، ومع بداية العام الجديد، فى الوقت الذى لا يراعى الكثير منهم حالة الأسر المصرية ويرفعون فزيتة « الدروس الخصوصية» كل ساعة. ويطالب عبد الحى بضرورة مراعاة البعد الاجتماعى للعاملين بالدولة، عن طريق السياسات التى تضعها الحكومة، إلى جانب المؤسسات الخاصة، وذلك بربط الأجر بالإنتاج لأنه لا سبيل للنمو إلا بزيادة الإنتاج، وتقدم الدول لا يكون إلا بالإنتاج، وليس بالإضرابات عن العمل ومطالبة رفع الأجر بدون إنتاج ، ونظرة جيدة للعمل.