هل يتراجع الاهتمام الأمريكى بمنطقة الشرق الأوسط إذا ما فقدت الأخيرة أهميتها الإستراتيجية بالنسبة لواشنطن كمنطقة غنية بالنفط؟.. وهل سيستمر مضيق هرمز واحتمالات إغلاقه لأى ظرف مسألة مقلقة لأمريكا كما هو الحال الآن؟ .. وأخيرا: هل هناك قوى جديدة ستحل محل أمريكا من حيث اهتمامها بهذه المنطقة؟ هذه التساؤلات أثيرت على نطاق واسع خلال الأيام الماضية بعد صدور التقرير السنوى لوكالة الطاقة الدولية إذ توقع التقرير اقتراب أمريكا من تحقيق حلمها بالاكتفاء الذاتى من النفط والغاز، وهو ما يعطى مصداقية لتعهد الرئيس باراك أوباما خلال خطاب الفوز بالولاية الثانية بخفض اعتماد البلاد على النفط الأجنبى. وقالت وكالة الطاقة الدولية ومقرها باريس فى تقريرها السنوى للتوقعات طويلة الأجل، إن الولاياتالمتحدة ستتخطى روسيا كأكبر منتج للغاز فى العالم بحلول عام 2015، وإنها ستتفوق على السعودية كأكبر منتج للنفط فى العالم فى غضون الفترة بين عام 2017 و2020، بينما ستتمكن من تصدير النفط عام 2030، وبحلول عام 2035 ستقترب للغاية من تحقيق الاكتفاء الذاتى فى مجال الطاقة. وترجع هذه التوقعات المتفائلة بشأن الولاياتالمتحدة، إلى الازدهار الذى شهده إنتاج أمريكا من النفط والغاز الصخريين، كما يؤكد مايك ويتنر رئيس قسم أبحاث النفط فى مصرف سوسيتيه جنرال، والذى أشار إلى أن «التقنيات الحديثة مثل التكسير الهيدروليكى جعلت التنقيب عن النفط والغاز الصخريين أقل كلفة». يشار إلى أن الغاز والنفط الصخريين يتم استخلاصهما عن طريق تقنيات تكسير الصخور الزيتية الرسوبية عبر ضخ مزيج من الرمال والماء وبعض المواد الكيماوية تحت درجة ضغط عالية. ويقول خبراء فى هذا المجال إن هذه الطريقة المستخدمة آمنة لكنها قد تتسبب فى هزات أرضية وتلوث مصادر المياه الجوفية. وبينما يشير البعض إلى أن التوقعات طويلة الأجل بخصوص العرض والطلب على النفط لطالما أخطأت وبدرجة ملحوظة، إضافة إلى أن إنتاج النفط الصخرى لا يزال فى مرحلة مبكرة جدا، ويواجه تحديات أهمها المشاكل البيئية التى قد تخلّفها التقنية التى تستخدم فى استخراجه، أقرت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» لأول مرة مؤخرا فى تقريرها السنوى عن آفاق النفط العالمى، أن الزيادات الكبيرة فى إنتاج النفط والغاز الصخريين فى أمريكا الشمالية فى الآونة الأخيرة ستقلل من حصتها فى السوق الأمريكى وستغير من صورة الإمدادات العالمية بشكل كبير وهو ما يصب فى اتجاه توقعات وكالة الطاقة الدولية. ويرى محللون أن استقلال الولاياتالمتحدة فى مجال الطاقة ستكون له تداعيات سياسية كبيرة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات الأمريكية - الشرق أوسطية، لأنه سيفقد أمريكا رغبتها فى حماية خطوط إمدادات النفط البحرية فى الشرق الأوسط فى ضوء تراجع اعتمادها على الواردات، وكذلك سيتراجع اهتمامها بقضايا المنطقة نتيجة لشعورها بأن مصالحها الاستراتيجية لم تعد مرتبطة بها. وفى هذا السياق، أشارت «رنا فارهار» المتخصصة فى شئون الاقتصاد فى مجلة «تايم» الأمريكية، إلى أن استغناء الولاياتالمتحدة عن نفط المنطقة قد يؤدى إلى «فراغ قوة» قد تستفيد منه دول أخرى وعلى رأسها الصين التى تتطلع إلى دول الخليج وإيران من أجل تأمين احتياجاتها من النفط. ورأت المحللة أن هذه المعطيات قد تنعكس على واقع الصراع فى المنطقة، وكذلك على نظرة الأنظمة الموجودة أو التى قد تظهر مستقبلا فى دول مثل سوريا للعلاقات الدولية والروابط مع إيران حيث إن الصين مثلا غير مهتمة بإسرائيل التى ترتبط بعلاقات تحالف قوية مع الولاياتالمتحدة، كما أنها لا تهتم كثيرا بالطبيعة السياسية للأنظمة الحاكمة فى الدول التى تستورد منها النفط ما يبرر استمرار علاقتها مع إيران. ومن ناحية أخرى، يرى محللون أن الشرق الأوسط لن يفقد فى يوم من الأيام أهميته الاستراتيجية بالنسبة لأمريكا حتى فى حال انتفاء حاجة الولاياتالمتحدة إلى موارده النفطية، ويشير الكاتب الروسى فيودور لوكيانوف إلى وجود قضايا محورية تحول دون تحقيق سيناريو الانسحاب الأمريكى من منطقة الشرق الأوسط، وفى مقدمتها إسرائيل، إذ يعتبر ضمان أمن الدولة العبرية من الأولويات الثابتة لأية إدارة أمريكية بغض النظر عن انتمائها الحزبى أو توجهاتها الإيديولوجية. أما السبب الثانى فيعود إلى الصين حيث تنظر واشنطن إلى بكين باعتبارها خصما استراتيجيا خطيرا لها، ومما لا شك فيه أن واشنطن ستبذل كل ما فى وسعها لمنع استخدام موارد الشرق الأوسط النفطية فى خدمة الأهداف الصينية ولمنع ازدياد النفوذ الصينى فى المنطقة. ويضيف لوكيانوف أن الولاياتالمتحدة ستعمل فى هذا السياق على ضمان مواصلة توريد نفط المنطقة إلى أوروبا - بهدف الحيلولة دون وقوع القارة الأوروبية فى التبعية لروسيا فى مجال الطاقة - أو إلى الهند واليابان اللتين لا تعتبرهما أمريكا بالنسبة لها من «المنافسين الخطيرين». ويوافق لوكيانوف فى الرأى نيكولاس ريدمان، الباحث فى المخاطر الجيوسياسية والأمن الاقتصادى فى المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية بلندن، إذ يرى أن الولاياتالمتحدة حتى لو تحررت من الاعتماد على النفط الخليجى فإنها لن تترك الساحة خالية أمام منافسيها الصينى أو الهندى.