أحسب أن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور تدخل فى الجلسات القادمة مرحلتها الحاسمة للانتهاء من المسودة النهائية لمواد الدستور.. كما بدأت لجنة الصياغة المصغرة التى تتكون من ستة أعضاء عملها فى صياغة المواد التى تم التوافق عليها.. ولكن فى نفس الوقت تشهد الجمعية التأسيسية مناقشات ساخنة بين أعضائها تصل إلى حد تهديد بعض الأعضاء من القوى المدنية والليبرالية بالانسحاب من أعمال الجمعية.. وتجميد عضويتهم فيها. وأظن أن هذه القوى السياسية لابد أن تبتعدعن هذه اللغة.. فالانسحاب أو التجميد ليس هو الحل!.. فنحن جميعا فى قارب واحد.. ونسعى لإصدار دستور مصرى يحقق الحرية والعدالة والكرامة لهذا الشعب وللأجيال القادمة.. ولابد أن تكون لغة الحوار هى اللغة السائدة بين أعضاء الجمعية.. فالاختلاف فى الرأى يثرى المناقشة ويثرى مواد الدستور. فمواد الدستور الأولية التى ظهرت مسوداتها- مؤخرا- كانت نتاجا لجهد ومناقشات طويلة بين الأعضاء سواء فى اللجان أو الجمعية العمومية للتأسيسية.. ولابد أن يتوافق أعضاء الجمعية على بعض المواد الخلافية حتى يخرج الدستور معبرا عن كل آمال وطموحات الشعب المصرى.. وحتى يجد كل مصرى نفسه فى هذا الدستور الجديد. فالدستور هو أبو القوانين.. ولابد أن يبتعد عن الكلام المرسل والصياغات الركيكة والعبارات الإنشائية التى يتضمنها فى بعض المواد الأولية.. وأن تعيد لجنة الصياغة المواد الخاصة بالاقتصاد الوطنى والصناعة والزراعة والثروات المعدنية.. وتختصر منها كل هذه الاستطرادات، لأن القانون هو الذى ينظم تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها.. فالدستور يجب ألا ينص على هذه البديهات. وتم إلغاء المادة 26 من باب الدولة والمجتمع والتى تنص على أن يشترك المنتفعون بمشروعات الخدمات ذات النفع العام فى إدارتها والرقابة عليها وفقا لما ينظمه القانون. *** عموما إننى اتفق مع ما صرح به د.محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس البرلمانية بأن الجمعية يجب أن تكون خارج أى صراع سياسى.. وأن التأسيسية تستعمل المدنيين كديكور.. بينما الحقيقة كما -يقول د. محسوب- إن الأحزاب الإسلامية لم يعد لها شىء فى الدستور مما اقترحته سوى المادة 220. وقد شهدت المادة 220 من مسودة الدستور وتنص على «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة».. مناقشات ساخنة حولها بأن طالب البعض بأن يتم نقلها وراء المادة الثانية من المسودة والتى تنص على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». كما تم تعديل النص الخاص بالأزهر الشريف وشيخه.. فأصبحت المادة فى المسودة الأخيرة أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين وعلوم اللغة العربية فى مصر والعالم، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل ويحدد القانون كيفية اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وكل ذلك على الوجه الذى ينظمه القانون. ومعنى ذلك أن القانون هو الذى سوف يحدد كيفية اختيار شيخ الأزهر من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.. وكان النص السابق فى المسودة التى صدرت فى 5 نوفمبر الماضى أن هيئة كبار العلماء كانت هى التى ستختار شيخ الأزهر ولا يكون إعفاؤه من غيرها. *** إننى أعتقد أن هناك بعض الألغام التى مازالت فى طريق الجمعية التأسيسية ولم يتم حسمها حتى الآن وهى المواد الخاصة بالسلطة القضائية والأمن والدفاع.. والمواد الخاصة أيضا بالقضاء العسكرى واختصاصاته ويوجد نصان للمادة 199.. وستتم المناقشات حولهما فى الجلسات القادمة، كما لم يتم حتى الآن حسم نسبة تمثيل العمال والفلاحين فى مسودة الدستور لتمثيلهما فى مجلسى الشعب والشورى.. وقد هدد ممثل العمال بالجمعية التأسيسية للدستور عبد الفتاح خطاب بأن العمال سوف يصوتون ب «لا» على الدستور الجديد عند طرحه للاستفتاء إذا قامت الجمعية بإلغاء تمثيل العمال والفلاحين فى البرلمان بجناحيه بنسبة 50%.. لأن العمال والفلاحين هما أسس التنمية الشاملة.. وهم من أشعلوا فتيل ثورة 25 يناير. *** إن الجمعية التأسيسية تمر حاليا بمنعطف خطير ويجب على المستشار حسام الغريانى أن يتسع صدره لكل الآراء والاتجاهات وأن يعطى الفرصة لكل التيارات الحزبية والسياسية لتعبر عن رأيها وأفكارها واقتراحاتها حتى يخرج الدستور معبرا عن كل الاتجاهات حتى لو قررنا مد فترة هذه المناقشات لبعض الأسابيع.