اشتباكات بين مقاومين فلسطينيين وقوات الاحتلال في محيط دوار ثابت بمدينة طولكرم    عقب حلف اليمين.. أول رسالة من وزير الري بشأن سد النهضة    التشكيل الوزاري الجديد، مدبولي يعقد اليوم مؤتمرا صحفيا بالعاصمة الإدارية    فولكس ڤاجن تقدم أقوى Golf R فى التاريخ    سعر الأرز والدقيق والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الخميس 4 يوليو 2024    عبدالرحيم علي يهنئ المحافظين الجدد ونوابهم    بسبب وجبات طعام فاسدة.. هبوط اضطراري لطائرة أمريكية    «تاتا» توقف العمل ببريطانيا    لجنة تحقيق إسرائيلية: تفجير صور عام 1982 عملية انتحارية وليس حادثا عرضيا    طائرات استطلاع تابعة للاحتلال تحلق في سماء مخيم «شعفاط» بالقدس    وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يستعرضان هاتفيا التطورات في غزة    ملف يلا كورة.. قائمة الأهلي.. تعثر الزمالك.. وموقف بيراميدز من المنتخب الأولمبي    زيدان يكشف عن اللاعبين المنضمين لمنتخب مصر الأولمبي في رحلتهم إلى باريس    الأهلي يبحث عن انتصار جديد أمام الداخلية بالدوري    إصابة طفل وانهيار جزئي لعقار مجاور.. تفاصيل سقوط عقار بالحي القبلي في شبين الكوم    مصرع طفلين شقيقين غرقا في كفر الشيخ    طقس اليوم الخميس 4 يوليو 2024.. شديد الحرارة نهارا والعظمى 39    العثور على شاب مصاب بطلقات نارية في ظروف غامضة بقنا    عمرو أديب الزمالك «نمبر وان».. وكريم عبدالعزيز يرد: أنا اهلاوي مجنون (فيديو)    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    حظك اليوم برج الثور الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا.. احذر ضغوط العمل    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية منها علاج للضغط (تفاصيل)    حركة تغيير في أجهزة المدن.. أول قرارات وزير الإسكان شريف الشربيني    وزراء خارجية روسيا والصين ومنغوليا يناقشون التعاون في المجالات الاقتصادية    نهال عنبر عن حالة توفيق عبد الحميد الصحية: مستقرة    "مين كبر ناو".. شيكو يحتفل بعيد ميلاده    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    ميسي مهدد بالغياب عن مباراة الأرجنتين ضد الإكوادور في كوبا أمريكا 2024    عبدالرحيم علي يهنئ الوزراء الجدد ونوابهم بثقة القيادة السياسية    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    خبراء ل قصواء الخلالي: السير الذاتية لأغلبية الوزراء الجدد متميزة وأمر نفخر به    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    ملف رياضة مصراوي.. تعادل الزمالك.. قائمة الأهلي لمواجهة الداخلية.. وتصريحات وزير الرياضة    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    إجراء تحليل مخدرات لسائق ميكروباص تسبب في سقوط 14 راكبا بترعة بالصف    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    تونس وفرنسا تبحثان الآفاق الاستثمارية لقطاع صناعة مكونات السيارات    الجمعية العربية للطيران المدني تزكي الكويت عضوا بمجلسها التنفيذي للمرة الثالثة على التوالي    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    وزير الزراعة الجديد: سنستمكل ما حققته الدولة وسأعمل على عودة الإرشاد الزراعي    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    «مستقبل وطن»: تشكيل الحكومة الجديدة متناغم وقادر على إجادة التعامل مع التحديات    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبيك اللهم لبيك.. تتردد فى أرجاء بلاد إدريس عليه السلام
نشر في أكتوبر يوم 28 - 10 - 2012

كان الحجيج المصريون فى الماضى يطرقون دروب القوافل القديمة، خلال رحلتهم إلى بيت الله الحرام، وكانوا فى رحلتهم يواجهون مخاطر كثيرة، لكنهم أيضا كانوا ينزلون منازل الأنبياء السابقين، فى سيناء ومدن الحجاز، ويمرون بالمدن المصرية التى أسسها نبى الله إدريس أول من دعا المصريين للتوحيد وعبادة الله.
وظلت دروب الصحراء المصرية يتردد فيها عبارة “لبيك اللهم لبيك”، يهتف بها الحجيج المصريين وهم يتوجهون إلى بيت الله الحرام، قادمين من أراضى نبى الله إدريس، لزيارة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وقد حرص الحكام المصريون على أن يرسلوا مع الحجاج هدايا وعطايا لإخوانهم فى بلاد الحجاز وكان أشهر تلك العطايا ما عرف باسم المحمل والذى ظلت مصر ترسله لضيوف الرحمن فى موسم الحج منذ العصر الفاطمى وحتى منتصف القرن الماضى.
وطوال السنوات التى انتظمت فيها رحلات المصريين للحج لم يتعرض لقوافلهم أحد بسوء، ولم يتعرضوا للأذى إلا عام 286 من الهجرة، حين ظهرت دولة القرامطة بشرق الجزيرة العربية، وهى من أكبر الفتن التى تعرضت لها الدولة العباسية، فقد تحالفوا مع المغول للقضاء على العرب، وكان زعيمهم من أصل فارسى، ظاهرهم التشيع لآل البيت وباطنهم الكفر والانتقام من العرب الذين قضوا على دولتهم فى فارس، وفعلوا الكثير من الفظائع فى بلاد العراق والشام والجزيرة واليمن، حتى هاجموا مكة عام 317 ه واقتلعوا الحجر الأسود وباب الكعبة و سرقوا ما بها، وسدوا بئر زمزم بجثث الحجيج، وخلا جبل عرفات ذلك العام، لم يقف عليه أحد، وأخذوا يروجون لفكرة مسمومة تقول إن الحج عادة وثنية ترجع إلى ما قبل الإسلام.
ووصلوا إلى مشارف السويس ليقطعوا طريق الحج المصرى، فأرسل عبد الله المهدى مؤسس الدولة الفاطمية فى بلاد المغرب حملة عسكرية بقيادة أبى يوسف بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عماد وتقدم نحو بلبيس ومنها إلى القلزم (السويس حالياً) عام 320 هجرية والتقى مع القرامطة فى معركة حاسمة عند القلزم، وكان يدفع جنوده لحرب القرامطة قائلا: تقدموا إخوانا سواسية، واستشهد فى المعركة ليلة الجمعة 17 من ذى القعدة عام 320 هجرية، ودفن فى الضريح الذى أقامه له أهل البلد مع أربعة من مشايخ الصوفية الذين كانوا معه فى المعركة وهم الشيخ عمر والشيخ أبو النور والشيخ حسين والشيخ الجنيد، وهو صاحب المقام المعروف فى السويس الآن باسم «سيدى الغريب»، وتغير اسم المكان بعدها من «القلزم» إلى أرض الشهداء السواسية ثم السويس.
وظل طريق الحج القديم الذى كان يمر بشبه جزيرة سيناء حتى عقبة أيلة ثم يتجه جنوبا حتى يصل إلى المدينة المنورة غير آمن، وتعطل الطريق قرنين من الزمان، خاصة بعدما جاء خطر جديد واحتل الصليبيون هذه المنطقة وهاجموا قوافل الحج، وكان على الحجيج من مصر والمغرب العربى والأندلس، أن يأخذوا طريقا بديلا من القاهرة بمحازاة النيل جنوبا حتى أسوان ثم ينحرفون غربا فى صحراء حميثرة ويأخذون السفن ليعبروا البحر الأحمر إلى ساحل الجزيرة العربية ويتجهون إلى المشاعر المقدسة ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ألهمت هذه الرحلة خيال الكتاب والرحالة المسلمين، وكانت الأهرامات الضخمة تطل عليهم بغموضها من مواقع عديدة فى الصحارى الملاصقة للنيل، وكانت المعابد والمسلات والكتابات الكثيفة المرسومة على الجدران والعمائر الحجرية المشيدة مليئة بعلم لا يعلمه إلا الله، والتساؤلات لا تتوقف، والعقل لا يهدأ والفضول يثير الهمة للمعرفة، وظهرت مؤلفات عديدة تتناول تاريخ مصر القديمة وملوكها وأساطيرها، وحركة التحرك البشرى والغزاة من وإلى مصر ومرور أغلب الأنبياء بها، وكان مما ذكروه أن عددا كبيرا من المدن المصرية القديمة بناها نبى الله إدريس عليه السلام، الذى يعد مؤسس دولة مصر «الموحدة بالله»، وقد وافق ذلك ما ذكره حكماء وفلاسفة اليونان القدامى، لتصبح الحضارة المصرية هى هبة إلهية أوجدها الله على يد نبيه إدريس.
مؤسس مصر الموحدة
وفى تلك الأجواء الروحانية التى تهب نسائمها على مصر والأمة الإسلامية خلال موسم الحج تستعيد «أكتوبر» مع قرائها ما روى عن مؤسس مصر الموحدة بالله نبى الله إدريس، وهو الملك المصرى إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام، واسمه فى التوراة بالعبرية خنوخ، وعرفه العرب باسم أخنوخ، يقول عنه الحافظ بن كثير فى «البداية والنهاية»: وكان – يقصد إدريس - أول بنى آدم أعطى النبوة بعد آدم وشيث، وذكر بن إسحق أنه أول من خط بالقلم، وأول من كتب فى الصحيفة، وكان مشتغلا بالعبادة ومجالسة الصالحين حتى بلغ فانفرد للتعبد فجعله الله نبيا، وأنزل عليه ثلاثين صحيفة، وأورثه صحف شيث وتابوت آدم، وأدرك من حياة آدم ثلاثمائة وثمانية أعوام.
وكان يعيش من كسب يده، وكان خياطا، وهو أول من خاط الثياب ولبسها، وكانوا قبل ذلك يلبسون الجلود، حتى أتت عليه أربعون سنة فبعثه الله إلى أولاد قابيل، وكانوا جبابرة اشتغلوا باللهو والغناء والمزامير وعبدوا الأصنام، حتى بعث الله فيهم سيدنا إدريس ليدعوهم إلى الوحدانية. وقال «وهب» إنه أول من اتخذ السلاح، وجاهد فى سبيل الله، وأظهر الأوزان والمكاييل، وأنار علم النجوم والفلك.
المكان العلىّ
وقد احتار المفسرون فى تفسير معنى قوله تعالى فى إدريس: «واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا» وتباينت آراء المفسرين فى معنى قوله تعالى «ورفعناه مكانا عليا»، واكتف أغلبهم بأن المكان العلى هو السماء الرابعة، حيث ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث الإسراء والمعراج أنه التقى بنبى الله إدريس فى السماء الرابعة ورحب به قائلا: أهلا بالنبى الصالح.
أما أهل التوراة فليس عندهم من العلم بشأنه إلا أن خنوخ ولد له ولد وهو ابن خمس وستين سنة، وعاش بعد ذلك ثلاثمائة سنة، ولم يوجد بعد لأن الله أخذه.
وجاء فى كتاب تاريخ الحكماء لجمال الدين القفطى: اختلف الحكماء فى مولده ونشأته وعمن أخذ العلم قبل النبوة، فقالت فرقة: ولد بمصر وهو هرمس الهرامسة، ومولده بمنف، وقالوا هو باليونانية أرميس وعرب يهرمس، ومعنى أرميس «عطارد»، ومعلمه اسمه غوثاذيمون المصرى، ولم يذكروا من كان هذا الرجل، إلا أنهم قالوا كان من أنبياء المصريين واليونانيين، ومعنى غوثاذيمون «السعيد الجد»، وهو أورين الثانى، وإدريس عندهم أورين الثالث، وقالوا: خرج إدريس من مصر وجاب الدنيا كلها، ثم عاد إليها، ورفعه الله منها بعد اثنين وثمانين سنة من عمره.
وقالت فرقة أخرى أن إدريس ولد ببابل، وبها نشأ، وأنه أخذ فى أول عمره بعلم شيث بن آدم وهوجد جده، وقال الشهرستانى أن شيث هو غوثاذيمون، ولما كبر إدريس أتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بنى آدم عن مخالفة شريعة آدم وشيث عليهما السلام، فأطاعه أقلهم وخالفه أكثرهم، فنوى الرحيل عنهم، وأمر من أطاعه منهم بذلك، فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم، فقالوا: وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل ؟ وبابل بالسريانية تعنى النهر، وكأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال: إذا هاجرنا لله رزقنا غيره، فخرج وخرجوا وساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذى سمى بابليون، فرأوا النيل، ووجدوه واديا خاليا من السكان، فوقف عنده إدريس عليه السلام وقال لجماعته: بابليون، أى نهر أكبر، فسمى الإقليم عند جميع الأمم بابليون ما عدا العرب سموه مصر نسبة إلى مصر بن حام بن نوح الذى نزل بهذا الإقليم بعد الطوفان.
وأقام إدريس ومن معه فى مصر يدعو الخلائق إلى طاعة الله، وتكلم الناس فى أيامه باثنين وستين لسانا، وعلمه الله منطقهم حتى يعلم كل فرقة بلغتها، ورسم لهم مخططات المدن، وجمع له طالبى العلم بكل مدينة فعرفهم السياسة المدنية، فبنت كل فرقة مدنا فى أرضها، فكان عدة المدن التى بنيت فى زمانه مائة وثمانى وثمانين مدينة أصغرها «الرها».
وعلمهم العلوم وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم، فإن الله سبحانه وتعالى أفهمه أسرار الفلك، ونقط اجتماع الكواكب فيه، وعلمه عدد السنين والحساب، ولولا ذلك لم تصل الخواطر إلى تلك العلوم فى ذلك الوقت من مهد البشرية، وقسم الأرض أربعة أرباع، وجعل على كل ربع ملكا يسوس أمر المعمورة، الأول إيلاوس ومعناه الرحيم، الثانى زوس والثالث اسقلبيوس، والرابع أيلاوس آمون، وهو آمون الملك.
دعا إلى دين الله والقول بالتوحيد، وحض على الزهد فى الدنيا، والعمل بالعدل، وأمرهم بصلوات ذكرها لهم، وأمرهم بصيام أيام معلومة من كل شهر، وحثهم على جهاد أعداء الله، وأمرهم بزكاة الأموال معونة للضعفاء، وغلظ عليهم فى الطهارة من الجنابة والحمار والخنزير والكلب، وحرم السكر من كل شىء من المشروبات، وجعل لهم أعيادا كثيرة فى أوقات معروفة مثل دخول الشمس رءوس البروج، ومنها لرؤية الهلال، وكلما صارت الكواكب فى منازلها وناظرت كواكب أخرى.
ووعد أهل ملته بأنبياء يأتون من بعده عدة، وعرفهم صفة النبى فقال: يكون بريئا من المذمات والآفات كلها، كاملا فى الفضائل، لا يقصر عن مسألة يسأل عنها مما فى الأرض أو السماء، ومما فيه دواء وشفاء من كل ألم وأن يكون مستجاب الدعوة فى كل ما يطلبه من الله وأن يكون دعوته ومذهبه المذهب الذى يصلح به العالم.
وقالوا إنه أول من أنذر بالطوفان، ورأى أن آفة سماوية تلتحف الأرض من الماء والنار، فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع، فبنى الأهرامات والبرابى فى صعيد مصر الأعلى وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصا منه على تخليدها لمن بعده .
وهو الذى كان يدعى «أخنوخ» فى اليهودية والمسيحية، والنبى «إدريس» عند العرب، عنه «… يحكى القفطى واليعقوبى وابن أبى أصيبعة أنه عاش فى مصر قبل الطوفان، وأنه جاب أقطار الأرض باحثاً عن الحكمة حتى رفعه الله إليه…» قيل عنه إنه كان «أول من تكلم فى الجواهر العلوية وحركة الأفلاك، إدريس، أولنقل هنا، هرمس… كان المعلم الأسطورى لمصر القديمة وأبو معارفها الروحية
وبذكر مصر القديمة والفرعونية، والتى بعث الله فيهم نبيه إدريس عليه السلام، فهناك سؤال يطرح نفسه بشدة: هل كان المصريون القدماء مؤمنون إذن بالإله الواحد؟ أم كانوا متعددى الآلهة كما يبدو ذلك من الصور المرسومة على مقابرهم ومعابدهم؟
التوحيد فى مصر
عن ذلك يتحدث الباحث أكرم أنطاكى فى دراسة أعدها عن كتاب الموتى عند قدماء المصريين، والذى يستعرض حياة الإنسان بعد الموت ورحلته فى الدار الآخرة، فيقول: من حيث الظاهر يوشك من يشاء أن يرميها جازماً بال «شرك»، كونها ديانة أوثان وآلهة عديدة، لكن، إن كان الأمر كذلك لماذا نرى قدماء المصريين يدعون فى صلواتهم فى كتاب الموتى المرفوعة إلى آمون رع إلههم: « سيد السماء… سيد الأرض… خالق المقيمين فى الأعالى وخالق القاطنين فى الأعماق… الإله الواحد الذى ولد فى بدء الزمان… خالق الأرض ومكوِّن الإنسان…»
وبحسب الأسطورة التى وصلتنا من الإغريق، نرى وكأن هرمس كان قد تنبأ فى حينه بانهيار ما بناه على أرض مصر يقول: «أتراك تجهل يا أسقلبيوس أن مصر هى مرآة السماء وأنها الانعكاس السفلى لكل ما تقرره القوى السماوية؟ ولكن يجب أن تعلم أنه على الرغم من هذا، سوف يأتى يوم يبدو فيه وكأن المصريين قد اتبعوا الشريعة بكل تقوى، ولكن ذلك كله هباء، سوف يتبعون ديانات تتعدد فيها الآلهة… وأن كل تضرعاتهم سوف تبقى عقيمة لا يستجاب لها حيث سيتخلى الإله عن مصر وتعود مصر بلا دين، محرومة من الوجود الإلهى، عندئذٍ ستتحول هذه الأرض المقدسة إلى مقابر تعجّ بالأموات، مصر، يا مصر! لن يبقى من دينك سوى نصوص غامضة لا تؤمن بها أجيالك القادمة، لن يبقى سوى كلمات منقوشة على الحجر تتحدث عن شيء كان اسمه تقوى».
أوزوريس وإدريس
ونعود فنتساءل هل أوزوريس هو نفسه نبى الله إدريس؟
عند قدماء المصريين أول من زرع الأرض هو أوزوريس وأول من خط بقلم هو أوزوريس وأول من صنع السلاح هو أوزوريس، وفى المقابل أول من زرع الأرض هو سيدنا إدريس وأول من خط بالقلم هو سيدنا إدريس وأول من صنع السلاح هو سيدنا إدريس.
ومن اللافت للنظر بشدة – والكلام مازال للباحث أكرم الأنطاكى - اختلاف أوزوريس عن باقى الآلهة المصرية القديمة، فقد خرج القدماء المصريون فى تصوير أوزوريس عن القاعدة المألوفة فى اتخاذ الآلهة لأحد الأشكال الحيوانية، فآمون يرمز له بالكبش، وسخمت باللبوءة، وسوبك بالتمساح، وباستت بالقطة، وحتى عائلة أوزوريس ذاته: فحورس يرمز له بالصقر، وإيزيس يرمز لها بالبقرة، أما أوزوريس فهو دائما رجل، وليس حيوانا كما تعودنا من الفراعنة، وهو ما يفرض التساؤل عن سر هذا الاختلاف، وربما تزداد مساحة هذا التساؤل عندما نلاحظ أن أوزوريس رغم كونه من أكبر الآلهة المصرية فإنه لم ينسب إليه فعل الخلق، وهو أمر استطاع إله مغمور فى العقيدة الفرعونية – هو آمون – أن ينتزعه لنفسه من آلهة الخلق العظيم (رع) و(فتاح) بعد أن وضعته الأحداث فى صدارة الآلهة ولقد ظل أوزوريس هكذا طيلة فترة عبادته والممتدة من زمن يسبق عام 3400 ق.م، وحتى القرن السابع الميلادى، وفى ظل سيادة العقيدة الأوزيرية فى كل مصر وهى أمور – بالإضافة إلى شواهد أخرى - جعلتنا نفرض أن ( أوزوريس ) قد عاش يوما فى عالم البشر ويمكن إيجاز شواهدنا فى الآتى:
1- أن أوزوريس لم يتخذ كغيره من الآلهة شكلا حيوانيا إستثناء من العادة المصرية التليدة وهو ما يشير إلى الرغبة فى الاحتفاظ له بصورته الإنسانية.
2- أن بشرية أوزوريس كانت هى السبب الرئيسى فى عدم منحه صفة الخالق.
3- فى كون أحد ألقابه: الكائن الطيب «ون نفر» مما يبتعد به عن شموخ وجبروت عالم الألوهية ليقربه لتواضع عالم البشر.
4- التأكيد على أن «أوزوريس» كان ملكا قديما، استطاع أن يعطى لشعبه دفعة كبيرة فارتقى بهم حضاريا بسن القوانين وتنظيم الزراعة.
5- أن مشاعر المصريين تجاه أوزوريس كانت أقرب لمشاعر البشر تجاه البشر منها إلى مشاعرهم تجاه الآلهة لذلك فقد نشأت عبادة أوزوريس فى حضن الشعب بحكم كونه واحدا منهم وذلك قبل أن يعتنقها الملوك الفراعنة بمدة طويلة.
6- أنه على الرغم من أن «التأليه» ميزة قلما تمنح فى مصر فقد أمكن رصد عدد من الحالات التى تم فيها تأليه الأشخاص، ومنها عبادة الملك «أمنحوتب الأول»، وأمه «أحمس نفرتيتى»، وقد تم تأليه «أمنحوتب الأول» وأمه بعد أربعة قرون من وفاتهما، وكانت تقام لأمنحوتب الأول سبعة أعياد على الأقل، منها عيد يستمر لعدة أيام يغمرها البهجة والشراب والسرور، كما تم تأليه النابهين من عامة الشعب ، كما حدث مع الطبيب المهندس «أمحوتب»، وهو المهندس الذى وضع تصميم أولى الأهرام المصرية، وهو المعروف بالهرم المدرج الخاص بالفرعون «زوسر»، وكان «أمحوتب» زيادة على نبوغه فى الهندسة ملما بعلم الطب وراسخ القدم فى الإدارة، وكانت له شهرة عظيمة فى عصره وما بعده، حتى اعتبروه إله الطب، وقد بقى اسمه مخلدا حتى العصر اليونانى، ولكنه حُرّف إلى «موتس»، وعلى تلك الشواهد يمكنا أن نفترض أن «أوزوريس» قد عاش فعلا فى عصر سحيق، وأنه (كزعيم أو مصلح) استطاع أن يحقق لأهل مصر نهضة تمثلت فى ثورة زراعية، (اكتشاف الزراعة وتنظيمها)، وثورة حضارية (بداية الكتابة وسن القوانين)، وأنه فى العصور التالية تم تأليهه اعترافا بفضله.
الزعيم المصلح
وهذا محمود الشرقاوى فى كتابه «التفسير الدينى للتاريخ» يقول: إن عقائد ديانة أوزوريس (خاصة الأخروية) تلتقى مع عقائد التوحيد، فالخلود والبعث والميزان والصراط والجنة والنار والشيطان فى عقيدة أوزوريس تلتقى تماما مع عقائد التوحيد، وهى لا تزال واضحة رغم التحريف الذى أدخل على ديانة أوزوريس، وهوما يلتقى مع ذكره ابن قتيبة عن وهب بن مُنْبه فى أن أتباع (إدريس – أوزوريس) قد أحدثوا الأحداث إلى زمن نوح.
وفى العقائد غير الأوزوريسية لم تكن ميزة الخلود سوى للملك، فإنه الوحيد الذى له روح (با) تمكنه من الخلود، أما أبناء الشعب فإنهم يفنون لأنه ليس لهم روح «با»، ولقد أعطت عقيدة أوزوريس لكل المصريين روحا، وأعلنت أنهم سيبعثون ويحاسبون، ورغم أن الكهنة استبدلوا الله بأوزوريس كقاض عادل يحاكم أمامه البشر عن أفعالهم فى الحياة، ويكون حكمه إما إلى البراءة، وإما إلى الإدانة، أما الإدانة فتعنى الجحيم «أبار النار» وقد صور الكهنة ملائكة العدل فى صورة آلهة ثانوية تحضر المحاكمة، منهم: «متخصص اللهيب، وآكل الظل، وذو عينى اللهب، وكاسر العظام، وآكل الدم»، أما البراءة فتعنى ذهاب المبرّأ إلى حقول يارو (الجنة)، وبجانب اعتراف الميت فى الآخرة بأنه لم يرتكب الآثام كالسرقة والزنا والقتل والظلم واحتقار الإله، فإن مصيره يتحدد بواسطة الميزان الذى يوضع القلب (الإيمان والصلاح) فى إحدى الكفتين وعلامة الحق فى الكفة الأخرى فإن رجحت كفة قلبه فإنه يبرأ.
.. وبعد، إذا كان أوزوريس كما دلت عدة شواهد هو بشر تم تأليهه وأنه ليس كباقى الآلهة المصرية التى تعبر عن قوى كونية أو معانى مجردة، فهل يحق لنا أن نفترض أن أوزوريس هو النبى إدريس؟!!
إن لدينا عدة شواهد ربما ترجع هذا الاحتمال: أن معظم كتب التراث قد وضعت النبى إدريس فى زمن قبل النبى نوح وهو زمن بغض النظر عن مدى دقته يشير إلى زمن موغل فى القدم أيضا، وقد نقل سلامة موسى عن فريزر فى كتابه «الغصن الذهبى» أن «أوسيريس» هو أقدم الأرباب المصرية، كما اعتبره غيره «قديم قدم الوادى»، كما يلتقى ما نسب إلى النبى إدريس فى كتب التراث من كونه أول من خاط الثياب وأول من نظر فى علم النجوم والحساب مع ما ذكر عن أوزوريس من نهضة حققها للشعب المصرى، وأكد المفسرون وعلماء اللغة على أعجمية اسم إدريس كما أن الثابت فى التراث أن إدريس كان مصريا وهو من نفترض أنه أوزوريس، وهناك التشابه الشديد بين الاسمين (أوزوريس/ إدريس)، ولعلنا نلاحظ أن القرآن الكريم يحتفظ بقدر الإمكان بالنطق للأسماء غير العربية التى يعرّبها (أوزوريس هو الاسم بالتصريف اليونانى وهو ما اشتهر وعرفه الناس لاندثار اللغة الهيروغليفية)، وإذا كان هناك تغير طفيف يحدث فى الاسم عند تعريبه إلا أنه لا تطمس معالمه فاسم موسى هو اسم هيروغليفى يعنى (طفل أو ابن الماء) يذكر كما هو تقريبا فى لغته الأصلية، وكذلك الأسماء العبرية «إسماعيل وإبراهيم وإسرائيل ....الخ» تذكر كما هى فى لغتها الأصلية، أما يسوع فيعرب بمقلوبه عيسى بما لايفقد الاسم ملامحه الأصلية، واستنادا إلى هذا المبدأ القرآنى فإدريس هو تعريب أوزوريس.
سور «الجبتانا»
وأمامنا أيضا مخطوط هام هو «الجبتانا» أسفار التكوين المصرية لمانيتون السمنودى، المؤرخ المصرى المولود سنة 270 ق.م، وحققه على الألفى، ويتضمن 16 سفرا تناقلها المصريون القدماء لفترة طويلة، حتى وصلت إلى عصر الدولة البطليمية ودونها الكاهن مانيتون فى حكم بطليموس الثانى، وهوالكتاب الذى أطلق عليه اليونانيون اسم «المصريات»، وللأسف فقدت أجزاء كبيرة من هذا المخطوط، ولكن فى مقدمة المخطوط سنجد إشارات كثيرة ملفتة للنظر، من بينها أن المصريين قد اهتمّوا بالكلمة، فلم يقتصر تقرّبهم للآلهة بالقرابين والهدايا، بل شمل صلوات لفظية تُقرأ عند الشروق وعند الغروب، وعند الأحداث المهمة، كالميلاد والموت والزواج، تلك الصلوات كان بعضها فى شكل نصوص ثابتة لا تتغير، ورد اسم الواحدة منها فى كتاب «الجبتانا» باسم «سورَتا»، ومن الملاحظ التشابه مع اللفظ العربى «سورة»، بغضّ النظر عما إذا كانت ثمة علاقة فعلية بين اللفظين، فقد يكون التشابه محض صدفة، ولكن المشكلة أن التشابه هنا ليس فى مجرد اسم النصوص، بل كذلك فى طبيعتها كنصوص مقدّسة، واستفزاز الذهن يتضاعف حين نقرأ فى الجبتانا سالفة الذكر أن الذين كانوا يُعَرِّفون المصريين بكيفية الصلاة والتعبد وتعاليم الخير والنواهى عن الشر، كانوا أناسا يوصفون بأنهم على اتصال مباشر بالآلهة، وأفعالهم ليست بشرية المصدر بل هى وحى سماوى، وهؤلاء الناس كان الواحد منهم يُسمّى باللغة القديمة «نَبو»، والتى يؤكّد بعض علماء اللغة أنها أصل اللفظ العربى «نبى» الذى استخدمه القرآن بعد ذلك للدلالة على من يختارهم الله لتذكير الناس بالدين الحق.
ونقرأ فيها أن أوزوريس كان أحد أحفاد «جبتو» - مؤسس مصر القديمة وفقا لهذا الكتاب - وكان أوزوريس قائدا محبوبا ومبتكرا صاحب ذهن خلاق، فعرف قواعد جديدة للزراعة، واستحدث حروفا جديدة للكتابة المصرية، وعرف بالتجربة قواعد الهندسة والفلك والبناء، وبنى المدن فى أنحاء مصر ليعمرها بعد أن كانت موحشة، وهو أول من لبس المخيط، ثم دار الصراع الشهير بينه وبين أخيه غير الشقيق «سِت»، والذى انتهى بتدخّل مجلس الآلهة وحكمهم بإنصاف أوزوريس، ثم رفعه للسماء ليكون إلها بينهم.
الشيطان «سِت»
ولا يخفى عنا هنا أن سِت لم يكن عند المصريين القدماء مجرد رجل شرير، بل كان إلها للشر ذاته، وارتبط بكل ما هو سيئ ومدمّر كالصحراء والضوارى، وجدير بالذكر أن لفظ «سِت» انتقل من المصرية القديمة إلى العبرية فتحول إلى «ساتان» - أى شيطان - وكلمة «ساتان» بأغلب اللغات تعنى الشيطان، بل إن اللفظ «ساتان» هو أصل كلمة «شيطان» العربية.
والمصرى القديم كان يحرص على أن يضع فى قبر الميت كتابا به ما يشبه التعليمات ؛ لكيفية المرور بالطريق بين الحياة الدنيوية المنتهية وتلك الأخروية الأبدية، هذا الكتاب هو «كتاب الموتى»، والذى يشبه كثيرا من حيث المضمون والفكرة عملية «التلقين» التى يقوم بها المسلمون مع موتاهم، حين يلقّنون الميت كيف يلقى الملائكة القائمين بمساءلته فى قبره، وكيف يجيبهم.
ويؤمن الفراعنة كذلك بأن الميت يمرّ خلال تلك الرحلة باختبار صعب هو السير على حبل رفيع بين جبلين، تحت هذا الحبل هاوية بها من الأهوال ما بها، فإن كانت روح الميت طيبة فإنه يمر مرورا سهلا، أما إن كانت روحا خبيثة فإنه يهوى لتتلقفه الأهوال، ويُحرَم نعيم الآخرة، هذا الاختبار والحبل الرفيع يطلقون عليه اسم الصِراطا، وهو إضافة لقائمة التشابهات مع الديانات السماوية، حيث يعرف المسلمون نفس المرحلة باسم «الصراط»، ويدعون فى فاتحة الكتاب فى الصلوات قائلين: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.
وبعد مرحلة الصراط تنتهى رحلة الميت بأن يقف فى المحكمة الإلهية، فيتبرأ من الذنوب والخطايا، كالظلم والسرقة والعدوان وتلويث مجرى النيل وخيانة الوطن، ويتم وزن قلبه فى ميزان إلهى دقيق، وفى المقابل توضع ريشة تمثّل الصدق والعدل، ولهذا فإن من دعاء المصريين القدماء لما بعد الموت: « يا قلبى الخاص بى لا تقف شاهدا ضدى»، وهو تشابه يضاف لما سبق، فالله تعالى يحدّثنا فى القرآن الكريم قائلا: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، وعندما يتمّ وزن قلب الميت مقابل الريشة المذكورة، يتحدد مصيره على أساس رُجحان كفّته أوكفّة الريشة، وهذا الذكر للميزان لا نراه فى ديانة غير سماوية سوى ديانة المصريين القدماء، وهو تقريبا نفس ما جاء فى الإسلام من وجود الميزان يوم القيامة أداة لوزن أعمال الإنسان وتحديد مصيره، ثم تنتهى المحاكمة بتحديد مصير الميت، إما إلى الحياة الأخروية الناعمة، وإما إلى العذاب الأبدى الأليم، وهو وضع يقترب من الديانات السماوية أكثر مما تفعل كثير من الأديان الشرقية القديمة القائلة بأن المخطئ يُعاقَب بأن تتناسخ روحه لروح حيوان مهان.
ونستنتج من كل هذه الأقوال والمخطوطات احتمالية أن يكون أوزوريس وإدريس عليه السلام شخصا واحدا، ولكن من يحل لنا لغز تعدد الآلهة، وغموض النصوص المصرية القديمة؟؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.