يبدأ العام الدراسى فى بلادنا - غالبا - فى شهر سبتمبر من كل سنة.. وفى مدرسة «محمد» صلى الله عيله وسلمللأخلاق العليا.. الدراسة طوال العام وعلى امتداد العمر كله لمن عرف من هو سيد الخلق، وبعد أن عرف أحبه.. ولما أحبه.. التزم وتمسك بالسُنة النبوية فى مأكله ومشربه وعمله ومعاملاته، فحصل بذلك على الدرجة «المحمدية» التى لا يبلغها إلا من كان الله ورسوله أحب إليه من الدنيا وما فيها. لكنكم يا أمة الحبيب فى معظمكم تخاذلتم عن نصرة الحق وتهاونتم فى رد الباطل.. فطمع فيكم من ليس منكم، وقويت عليكم شوكة العدو.. وقد تفرقت بكم البدع والضلالات. دخلتم معارك الدفاع عن الحق.. وفاز بها أهل الباطل وخسرتموها، لأنكم مشيتم واتبعتم المشى فى الدروب الخطأ وأنتم تقصدون الصواب. يرتفع بكم الغضب إلى حد الحماقة.. فلا يراكم الآخر إلا أمة من الغوغاء.. خلافاتكم أكثر من اتفاقكم.. وقد قال نبينا محمد ) صلى الله عيله وسلم( لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها:(إن شر الناس عند الله يوم القيامة.. من تركه الناس اتقاء فُحشه). فكيف ندافع عن أشرف خلق الله أو نقدم الصورة الصحيحة له.. بالسب والقذف والحرق والتخريب وهو الذى قال:(لم أبعث لعانا، وإنما بعثت رحمة) ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول:(إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً). أعداء الإسلام يحاربون بأحط الأساليب.. ويجب ألا نقع فى الف ونجاريهم فى ذلك، ونحول معركتنا إلى معارك مع أنفسنا. وهنا أدعوك إلى حصة مجانية فى مدرسة محمد ) صلى الله عيله وسلم( الكبرى، وها هو ذا بعد أن دخل فاتحا منتصرا على قوم تربصوا به وتفننوا فى الأذى له ولمن معه.. وحاولوا بكل السبل تشويه رسالته والقضاء على دعوته والطعن فى شخصه الكريم ولم يفلحوا ومكروا وكان مكر الله أشد وأقوى. وها هو ذا وسط جنده فى لحظة انتصاره الكبرى وقد تخاذل الأعداء وانهزموا ينتظرون منه القصاص لما فعلوا.. ها هو ذا يقف فيهم قائلا:(يامعشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء (أى تمسكها بهم) الناس من آدم.. وآدم من تراب قال ) صلى الله عيله وسلم(: يا معشر قريش ما تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال ) صلى الله عيله وسلم( : فاذهبوا فأنتم الطلقاء. وهنا نرى نفس المشهد بعين قائد آخر منتصر أهانه هؤلاء القوم وهو يتمكن الآن منهم.. ألم يكن من الطبيعى أن يبيدهم.. أو يجبرهم على دينه؟. لكن الكريم العظيم محمد ) صلى الله عيله وسلم( يطمئن خوفهم بأن الجميع من أبناء آدم من أسلم ومن لم يسلم.. فهل رأيت رحمة أعلى من ذلك؟.. حتى أنهم بعدها دخلوا فى الإسلام أفواجا.. بكامل إرادتهم. وتتكرر المشاهد فى مدرسة محمد ) صلى الله عيله وسلم( وهو يعلمنا ويعلم الدنيا كلها كيف أن الإنسانية ليست ضعفا أو تهاونا.. لكنها منتهى القوة. ولما وقعت بعض أسنانه وأصابه جرح فى وجهه الشريف فى معركة أُحد طلب منه بعض الصحابة أن يدعو على الكفار، لكنه رد عليهم: إن الله تعالى لم يبعثنى طعانا أو لعانا، وقال: اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون، وعندما عصت قبيلة دوس، وقالت الصحابة: هلكت دوس، كان جوابه: اللهم أهد دوسا وآت بهم.. وكانت الدعوة مجابة فقد دخلت الإسلام. وفى مشهد آخر يأتى رجل اسمه غورث بن الحارث وأمسك بسيفه ووضعه على رقبة النبى الكريم ) صلى الله عيله وسلم( وسأله:(من يمنعك منى الآن؟ قال النبى ) صلى الله عيله وسلم( الله عز وجل.. فسقط السيف من يد الرجل فأخذه الرسول ووضعه على رقبته وسأله: من يمنعك منى؟ قال الرجل: كن كخير آخذ.. أى كن أفضل منى، وعفا الرسول عنه فنطق غورث بالشهادة على التو واللحظة.. وكان فى أول الأمر ليس عنده أبغض من النبى الكريم ) صلى الله عيله وسلم(.. ولما أسلم قال: الآن هو أحب الناس عندى.. وعاد الرجل إلى أصحابه يقول لهم: لقد جئتكم من عند خير الناس. شهادة الأعداء قال زيد بن سنة وهو من أحبار اليهود قبل أن يسلم: لم يبق شىء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها فى وجه محمد ) صلى الله عيله وسلم( حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه (أى لم أجدهما).. حتى رأيتهما فيما بعد.. رأى العين وهما أن حلمه يسبق غضبه، والثانية أن شدة الجهل عليه لا تزيده إلا حلماً. والعالم الآن أكثر من أى وقت يحتاج إلى الأخلاق فى ظل هذه الفوضى والانحطاط الإنسانى والعنف والأكاذيب.. والأخلاق المحمدية هى البضاعة التى اختصنا بها الله سبحانه وتعالى من خلال نبيه المصطفى ) صلى الله عيله وسلم(.. ونستطيع بها أن نمتلك العدو قبل الصديق. والخُلق الحسن هو حال النفس كما يقول الجاحظ منها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية أو اختيار والخُلق عند بعض الناس غريزة وطبائع.. وعند البعض الآخر رياضة يتدرب عليها حتى يتقنها. وقد قال الأوائل إن حُسن الأخلاق يمكن حصرها فى عشر خصال: قلة الخلاف، حُسن الإنصاف، وترك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو من السيئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذى، والرجوع بالملامة على النفس، والتفرد بمعرفة عيوبك قبل عيوب غيرك، وطلاقة الوجه للكبير والصغير، ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه.. وأركان حسن الخُلق: الصبر وكظم الغيظ، وكف الأذى والحلم والرفق وعدم الطيش والعفة واجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل والشجاعة وعزة النفس وإيثار معالى الأخلاق والشيم والعدل والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط واعلم أن منشأ الأخلاق السافلة أربعة: الجهل، الظلم، الشهوة، الغضب. وفى التوراة جاء وصفه ) صلى الله عيله وسلم(: أنت عبدى ورسولى سيمتك التوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب فى السواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتحوا به أعينا عمياء وآذانا صما وقلوبا غُلفا. فهل تريد شهادة تخرجك فى مدرسة «محمد» ) صلى الله عيله وسلم( بامتياز مع مرتبة الشرف أم تكون وبالا عليها وأنت منها؟!