أغلب الظن أن مشروع الدستور الجديد الذى يجرى إعداده وصياغة مواده حاليا داخل الجمعية التأسيسية سيكون محور معركة سياسية وقانونية قادمة سوف تشتعل بضراوة بين الذين كتبوا الدستور وبين عدد من القوى والتيارات السياسية سواء التى لم يتم إشراكها فى الجمعية أو التى انسحبت أو التى اعترضت على تشكيل الجمعية فى الأساس وهى المعركة التى ستبدأ مع طرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبى. بل لعله ليس سراً أن الجمعية التأسيسية ذاتها تشهد حالياً خلافات كثيرة واختلافات واسعة بين أعضائها من ممثلى التيارات والأحزاب السياسية والشخصيات القانونية والعامة، وهى خلافات لا تزال داخل اللجان النوعية بالجمعية حول مضمون مواد مشروع الدستور وأيضا حول الصياغة الأولى لهذه المواد. ورغم التوافق والاتفاق حول مضمون عدد غير قليل من المواد وصياغتها غير النهائية، إلا أن الجمعية العمومية للجمعية التأسيسية بكامل أعضائها سوف تشهد معركة صاخبة وصعبة عند المناقشة الأخيرة والصياغة النهائية لمشروع الدستور. ??? ووفقاً لما يتم تسريبه من داخل الجمعية فإن بعض هذه الخلافات تتعلق بإصرار بعض الأعضاء على كتابة مواد يرى بقية أعضاء الجمعية أنها تتضمن النص على أمور تفصيلية ليس مكانها فى الدستور باعتبار أنها سوف تثير الكثير من الالتباس والتناقض مع مواد أخرى، بقدر ما تضع فى نفس الوقت قيوداً على التشريعات والقوانين فيما بعد. ومن بين ما تسرب من خلافات داخل الجمعية وبين أعضائها وعلى سبيل المثال.. اتجاه البعض إلى ضرورة النص على مرجعية الأزهر فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية وهو ما يعترض عليه آخرون باعتبار أن ذلك النص يتعارض عليه آخرون باعتبار أن ذلك النص يتعارض مع نص المادة الثانية من دستور عام 1971 والتى توافق الجميع على استمرارها كما هى فى الدستور الجديد، إذ أنها مادة دستورية جامعة مانعة بالنص الواضح على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولذا فإن النص على مرجعية الأزهر من شأنه إثارة مشكلات فى المستقبل. ??? لذا فإن كل ما ينشر فى وسائل الإعلام المختلفة عن الانتهاء من كتابة غالبية مواد مشروع الدستور الجديد ليس صحيحاً ولا دقيقاً، إذ أن انتهاء اللجان النوعية بالجمعية التأسيسية من الاتفاق أو التوافق على مضمون تلك المواد لا يعنى الانتهاء من صياغتها لأن الصياغة النهائية ستتم فى الجمعية بكامل أعضائها. ثم إن اللجان النوعية ذاتها لم تنته من إقرار كل مواد الدستور حيث لا تزال تشهد مناقشات ساخنة وخلافات حادة بين أعضائها، وهى الخلافات التى سوف تنتقل بالضرورة إلى الجمعية العمومية للجمعية التأسيسية والتى سوف تستغرق وقتاً كبيراً فى حسمها والتوافق النهائى بشأنها. ??? وحقيقة الأمر فإن هذه الخلافات الواسعة الدائرة داخل الجمعية التأسيسية تعكس حالة الانقسام والاستقطاب السياسى والحزبى الحاد الذى تشهده مصر بعد ثورة 25 وسقوط النظام السابق، وحيث يحرص كل تيار سياسى على أن يأتى الدستور الجديد فى الجمهورية الثانية معبّراً بدرجة أو بأخرى عن أقصى ما يمثله من توجهات. وفى هذا السياق فأغلب الظن أن الجمعية التأسيسية أمامها وقت غير قصير قد يطول ويمتد إلى ما بعد نهاية شهر سبتمبر الجارى وربما إلى ما بعد شهر أكتوبر المقبل ريثما تنتهى من الصياغة النهائية لمواد مشروع الدستور الجديد بالكامل. وفى نفس الوقت فإن تلك الخلافات الواسعة بين ممثلى التيارات السياسية من أعضاء الجمعية التأسيسية وعلى اختلاف توجهاتها إنما تعنى بالضرورة حرص كل منها ومن وجهة نظرها السياسية الخاصة على أن يأتى الدستور الجديد خالياً من أى نقص أو عوار خاصة فيما يتعلق بالتعديلات التى أدخلها النظام السابق على دستور عام 1971 بهدف تأبيد السلطة وتوريث حكم البلاد. ??? وتبقى المعركة السياسية الأكبر بعد انتهاء الجمعية التأسيسية من عملها وطرح مشروع الدستور للاستفتاء الشعبى لإقراره. وسوف تكون نسبة ال 50% عمال وفلاحين فى مقدمة أسباب تلك المعركة المرتقبة بين المؤيدين والمعارضين وسواء تم إلغاؤها أو الإبقاء عليها، وتلك هى المشكلة!. أما مجلس الشورى الذى بدا أن الاتجاه الغالب داخل الجمعية التأسيسية يؤيد بقاءه مع تغيير اسمه إلى مجلس الشيوخ ومنحه صلاحيات برلمانية أوسع، فإنه سيكون أيضاً من بين الخلافات السياسية فى معركة الدستور، إذ ترى كثير من التيارات السياسية عدم جدواه وفقا للتجربة السابقة، ومن ثم الاكتفاء بمجلس الشعب كغرفة واحدة للبرلمان خاصة وأن الوضع السياسى والحزبى الحالى فى مصر لا يستدعى وجود غرفة ثانية للبرلمان. ومن المؤكد أن مشروع الدستور الجديد سوف يلقى اعتراضات أخرى كثيرة سوف تتضح أسبابها ودوافعها بعد الانتهاء من كتابته ومع طرحه للاستفتاء، بل من المتوقع أن تدعو تيارات وأحزاب سياسية الشعب المصرى إلى أن يقول لا فى الاستفتاء، وتلك هى معركة الدستور القادمة والتى سوف تشهدها مصر، وأحسبها سوف تكون أهم وأخطر معركة فى المشهد السياسى بعد ثورة 25 يناير. ??? إن معركة الدستور الجديد المرتقبة هى التحدى الأكبر الذى تواجهه مصر بعد الثورة وبعد قيام الجمهورية الثانية، وهى معركة يتعيّن ألا يكون فيها غالب ولا مغلوب بل يتعيّن أن ينتصر الجميع من كافة الاتجاهات والتيارات السياسية والحزبية على اختلاف توجهاتها لصالح مصر وشعبها ودستورها الجديد. وقبل ذلك فإن على أعضاء الجمعية التأسيسية أن يتوافقوا على كتابة دستور يليق بمصر التى تمتلك تراثاً دستورياً عريقاً بداية من دستور عام 1923 ومروراً بدستور عام 1954. ??? إن على هذه الجمعية التأسيسية المكلّفة بهذه المهمة الوطنية التاريخية فى مناخ سياسى ديمقراطى غير مسبوق فى مصر أن تكتب دستوراً لا يعبرّ فقط عن توجهات فصيل أو تيار سياسى بعينه حتى لو كان تيار الأغلبية الحالية إذ أن أغلبية اليوم سوف تكون الأقلية فى الغد طالما ارتضينا نظاما ديمقراطيا يقوم على التعددية الحزبية الحقيقية ومبدأ التداول السلمى للسلطة عبر صناديق الانتخابات. ??? إن انتصار مصر والمصريين فى معركة الدستور الجديد المرتقبة يستلزم أن يأتى الدستور معبّراً عن إرادة جموع المصريين وإرادة الأمة المصرية بكافة أطيافها بقدر ما يستلزم أن يأتى مؤكداً لمدنية الدولة المصرية ووسطيتها n