يجب أن نعترف بأن مصر تعيش مخاضاً عسيراً وخطيراً.. منذ انطلاق ثورة يناير وحتى الآن.. ولا يستطيع أحد - مهما كان علمه وعلا شأنه - أن يتنبأ بما سوف يحدث مستقبلاً بصورة قاطعة.. فنحن مثل من يسير على كثبان رملية متحركة.. وهذا الوضع يحتاج إلى مهارة فائقة وحنكة بالغة على كل المستويات ومن مظاهر هذا المخاض العسير اتساع نطاق المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات بصورة تكاد تصل إلى درجة الفوضى والتخريب فى بعض الأماكن، وهذا نتاج طبيعى بعد عقود من الكبت والقهر والديكتاتورية التى مارستها الأنظمة السابقة. ولكن كثيراً من الأطراف المغرضة والمتواطنة والمتآمرة استغلت هذه الأوضاع لتحقيق أهداف مدمرة لمصالح الوطن والمواطن، فهناك فلول النظام السابق.. وهذه ليست فزاعة أو شماعة لتبرير الأخطاء.. ولكنها حقيقة قائمة، هؤلاء الفلول مازالوا يلعبون.. ويتلاعبون بمصائر البسطاء ويتاجرون بأزماتهم، هؤلاء الذين دعوا إلى فتنة 24 أغسطس.. ورغم أنهم أقلية لا تكاد تذكر أو تعرف إلا أن إعلامهم - إعلام الفلول - ضخم حجمهم وضاعف صوتهم.. حتى بدا أنهم سيفجرون ثورة جديدة!! والثورة منهم براء.. كما أعلنت أغلب القوى والأحزاب السياسية. وحتى نؤصّل الأمور ونضعها فى نصابها الصحيح يجب أن نشير إلى بعض مظاهر التخريب التى سبقت 24 أغسطس.. وقد تستمر بعده.. ومنها فوضى قطع الطرق. هذه الفوضى العارمة التى عمت أغلب المحافظات وبعضها يقع لأتفه الأسباب.. ويعطل مصالح العباد والبلاد، وآخرها ما وقع على طريق القليوبية الخميس قبل الماضى.. وكان كثير من الناس يتأهبون للسفر إلى محافظات الوجه البحرى لقضاء إجازة العيد. واستمر ذلك على مدى ساعات طويلة من الليل، وشاهدت وتابعت بنفسى طريق الكورنيش وقليوب وكيف تكدست السيارات على مدى ساعات وشعرت بغضب وسخط كل المتعطلين عن قضاء مصالحهم.. وأنا منهم.. ولك أن تتخيل كم من مريض تأثر بهذه الأزمة والمشكلة التى افتعلها البعض وضخمها الإعلام. ومن مظاهر التخريب قطع المرافق وتخريبها.. سواء بسرقة كابلات وخطوط الضغط العالى وخطوط المياه الرئيسية.. حيث يتم ثقبها واستخراج وصلات غير قانونية منها.. مما يمنعها من الوصول إلى أهدافها فى نهاية المطاف.. حتى تبدو الدولة والرئيس فى صورة العاجز عن تلبية احتياجات المواطنين وحل مشاكلهم، هذا هو هدف مخطط التخريب ومن يدبرونه ويديرونه من وراء الكواليس.. سواء كانوا أقزاماً صغاراً.. أو مافيا خفية غير منظورة. وكلنا يعلم جيش البلطجية الذى ينتشر فى ربوع المحروسة.. ويمارس عمله «على أعلى مستوى» من الحرفية والخبرة والتمكن، هذا الجيش تم توظيفه بواسطة الفلول وغير الفلول لسرقة السيارات وتعطيل وتخريب المرافق وترويع الآمنين، هؤلاء البلطجية معروفون لدى أجهزة الأمن.. بل معروف أماكن تجمعهم.. بل أصبحنا نرى قرى أو مناطق معينة مشهورة بتجارة المخدرات أو سرقة السيارات. وسمعنا عن روايات وحكايات كثيرة لسرقة السيارات وكيف تتم استعادتها بعد دفع الإتاوة أو الفدية الحرام!! إننا نطالب وزير الداخلية - وقد بدأ عملاً جاداً فى هذا السبيل - أن يضع خطة متكاملة للقضاء على هذه البؤر الإجرامية - للمخدرات أو لسرقة السيارات وغيرها من العصابات - وأن يتم القضاء عليها جميعاً فى أقرب وقت.. وليكن ذلك خلال ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، وفى ذات الوقت البدء فى «تصفية» جيش البلطجية.. وهم معروفون ومكشوفون لأجهزة الأمن.. فرداً فرداً. ومن أدوات التخريب التى نشاهدها فى ربوع مصر.. هذا السلاح المنتشر بكثافة لدى الكثيرين.. عن البؤساء والبسطاء وغير القادرين على اقتناء قطعة سلاح بعشرة آلاف جنيه، بل إننى سمعت أن هناك أشخاصاً يمتلكون أكثر من قطعة سلاح.. أغلبها للحماية من العصابات والمجرمين.. وبعضها من باب الوجاهة والتفاخر!! ونحن نعلم أن سقوط نظام القذافى وعدم ضبط الحدود الطويلة مع جيراننا.. كان سبباً رئيسياً لانتشار السلاح.. كما تعمدت بعض القوى الإقليمية والدولية إغراق مصر بالسلاح حتى يكون وسيلة جاهزة لتفجير الأوضاع لا قدر الله.. وهذا لن يحدث.. بمشيئة الله، ولكن الداخلية وأجهزة الأمن مطالبة بوضع خطة متكاملة لجمع السلاح.. وفى ذات الوقت نشر قواتها بكثافة حتى يشعر المواطنون بالأمن فعلاً فيبدأ الاستغناء عن السلاح.. والمرور قد يكون هو المدخل الأول لتحقيق الأمن ونزع فتيل التخريب والانفلات بكل صوره ومظاهره، فنحن نشاهد فى قلب القاهرة كيف انتشرت مواقف الميكروباصات العشوائية.. فى كل مكان.. وأبرز أماكنها رمسيس والإسعاف.. فالسيارات تقف صفوفاً متراصة وتشغل أغلب الطريق فلا تجد السيارات مساراً للعبور!! نعم إن ضبط المرور سوف يشعر المواطن بأن هناك نظاماً ينعكس على كافة مجالات الحياة.. والتخريب الإعلامى هو أشد وأخطر أنواع التخريب، فللأسف الشديد مازال الكثير من الإعلاميين يعيشون ويفكرون بعقلية النظام القديم.. بل إن بعضهم له مصالح معه.. ويقتات من فضائياته ومواقعه الإلكترونية ووسائله المطبوعة أيضاً، وعندما يتجاوز النقد الحدود الموضوعية والمهنية المحترمة فإنه يعتبر نوعاً من التخريب.. لا يقل خطورة عن قطع الطرق وتخريب المرافق العامة، لأن صاحب الكلمة يبنى أو يهدم.. يبنى وطناً سوياً قوياً.. أو يهدم مبادئ وهوية ترسخت على مدى قرون طويلة. وعندما يصل الأمر إلى حد القذف والسب والمساس بالأشخاص بألفاظ يعاقب عليها القانون فإن هذا يعتبر نوعاً من التخريب الفكرى والإعلامى. وحتى نخرج من دائرة التخريب والتدمير - المتعمد والعفوى - يجب أن تصدر وزارة العدل قانوناً شاملاً لتنظيم حق التظاهر والاعتصام والاحتجاج.. بمشاركة كافة القوى والأحزاب والنشطاء الحقوقيين.. وحتى المواطنين العاديين.. والمحتجين أنفسهم، هذا القانون يجب أن يحدد أماكن التظاهر ومواعيدها.. ويضع آلية جهاز يتولى إدارة هذا الحق المشروع.. فى إطار القانون، فيجب ألا يعطل التظاهر مصالح الناس أو يقطع الطرق أو يهدد المرافق والخدمات العامة، ونحن نناشد وزير العدل المستشار أحمد مكى الإسراع بوضع هذا القانون وأن يتم التصديق عليه وتنفيذه من قبل الجهات المختصة لحين تشكيل البرلمان الجديد.. لتعديله أو إقراره.. أيضاً يجب أن تشارك كل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وأجهزة الإعلام والتعليم فى حملات التوعية بمخاطر التخريب وتأثيره على المواطن البسيط فى نهاية المطاف، لأنه هو المتضرر الأول والأخير.. وفى ذات الوقت تفعيل القنوات المشروعة للتواصل مع المواطنين ومعرفة همومهم ومشاكلهم والعمل على حلها.. بجد.. وليس بالكلام المعسول! وعلى غرار مبادرة «وطن نظيف» يمكن للأحزاب والجمعيات الأهلية المشاركة فى حل مشكلة ما نهاية كل أسبوع.. وأن يساهم فيها الشباب.. والصغار والكبار.. كل حسب جهده وطاقته وقدرته، ليجلس كل رئيس مع اللجان الشعبية لحل مشكلة الخبز على سبيل المثال.. ويضع آلية دقيقة للقضاء عليها. ونحن ندعو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكل الوزراء والمسئولين - فى كل المواقع - للنزول إلى الجماهير ومعايشة مشاكلهم والسعى الجاد لحلها، وللأمانة يمكن أن نشير إلى أن رئيس الوزراء قد بادر بهذا فعلاً.. عندما نزل إلى الأسواق.. واستقل المترو.. وتعرف على المواطن العادى. هذا هو الحوار المطلوب.. حتى يثمر عن نتائج إيجابية لخدمة الوطن. أما المؤسسات الدينية (الأزهر والأوقاف والكنيسة) فعليها دور مهم يتمثل فى المشاركة البنّاءة فى منع التخريب ودعاة الفتنة وتوعية أبناء مصر جميعاً بأن هذا سوف يضرهم ويعطل مصالحهم.. لأننا جميعاً فى قارب واحد.. وسوف يسير وينطلق بتعاوننا جميعاً. وأخيراً...... ندعو دعاة تخريب العقول والقلوب لأن يكفوا عن هذا العبث وأن يمتنعوا عن إثارة الفتنة والشائعات وأن يكونوا دعاة خير ونماء.. لا صُنّاع شر ودمار!