فى حلبة الصراع العالمى عامة والأوروبى بصفة خاصة تلقت الرأسمالية المتوحشة ضربة سياسية قاضية على يد اليسار الفرنسى بزعامة فرانسوا أولاند فى اتجاه اليمين بزعامة ساركوزى الذى خاض المباراة النهائية والفاصلة وهو مهزوم مسبقاً بالنقاط العديدة التى نزفها خلال مدة ولايته الأولى والأخيرة والتى جاءت نتاجاً حتمياً لسياسته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى ثلاثية كارثية بررت هزيمته ورحيله غير المأسوف عليه والذى جعل الطريق ممهداً أمام عودة الاشتراكيين للمكتب الرئاسى وبأغلبية لائقة جاءت متسقة مع نتائج استطلاعات الرأى التى أعلنت مسبقاً. فالناخب الفرنسى أدرك احتياجه لسياسات اليسار العادلة ليخرج من كبوته الاقتصادية ذات المردود الاجتماعى المتردى والتى تسبب فيها أداء اليمين المحبط الذى كرس كل إمكاناته لدعم النخب الاقتصادية على حساب مصالح الغالبية الفقيرة لتتسع بذلك الفوارق بين الطبقات بالإضافة للتلويح باستخدام ملف المهاجرين الإسلاميين للحفاظ على أصوات اليمين المتشدد. وقد أدى هذا لتمزيق المجتمع الفرنسى وخروج المظاهرات والاحتجاجات الرافضة للاتجاه العنصرى الذى أصبح يهدد نسيج المجتمع الفرنسى وهذا يفسر خروج الفرنسيين حاملين الأعلام فرحين يتصافحون و يتعانقون كشعب واحد بعد إعلان فوز أولاند الاشتراكى بمنصب الرئاسة وهزيمة ساركوزى اليمينى معلنين أنه لافرق بين الفرنسيين فكلهم شعب واحد. ويصف شاب فرنسى يدعى فريدريك، 26 عاماً مشاعره أمام هذه اللحظة التاريخية فى حياة فرنسا فيقول: إننى لم أتوقع هذا الحشد الكبير من الجماهير فقد حاول ساركوزى حتى آخر لحظة فى خطابه أن يدعم فكرة «فرق تسد» بالتلويح بورقة المهاجرين ولم تفلح محاولاته فى تمزيق الشعب وحدث تلاحم بين جميع الفرنسيين رغم اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية، أخيراً تصالح المجتمع الفرنسى مع ذاته، وكما جاء أيضاً فى تصريح موسكو فيسى مدير الحملة الانتخابية للرئيس الفائز وملخصا لسياسته القادمة قائلاً: إننا سنجمع الفرنسيين معاً وسنعيد لفرنسا مجدها الذى فقد على يد ساركوزى. فقد اختار الفرنسيون ثلاثية الثورة الفرنسية وهى الإخاء والمساواة والحرية كما أكد أولاند فى كلمته التى وجهها لمؤيديه بقوله: سأكون رئيساً للشباب محققاً للعدالة الاجتماعية سنظل متحدين نحافظ بعضنا على بعض لنكون قدوة أمام الشعوب الأوروبية التى تريد إنهاء سياسة التقشف وترغب فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى. بهذه الكلمات أوضح أولاند المنهج الذى سيتبعه طوال سنوات ولايته الأولى التى تبلغ خمس سنوات. أما سيرته الذاتية فهو أب ل 4أبناء أنجبهم من شريكته الاشتراكية الناشطة سيجولين رويال ودرس الحقوق والاقتصاد فى كبرى الجامعات الفرنسية وينتمى لعائلة أرستقراطية ورغم هذا فقد انحاز لليسار منذ بداية عمله السياسى فقد كان مسئولاً عن الدعاية فى حملة ميتران الرئيس الاشتراكى الأسبق فى انتخابات 1974 وأصبح عضواً فى الحزب الاشتراكى عام 1979 وظل يعمل فى الظل ولم يشغل أى منصب وزارى ومع ذلك قرر خوض انتخابات الرئاسة لهذا العام متحدياً آراء منتقديه بأنه يهرب من مواجهة الصراعات فبدأ فى إصلاح مظهره وفقد وزنه الزائد وأصبح أكثر صرامة وجدية واتبع الأسلوب الساخر فى مواجهة منافسيه وقد نجح هذا الأسلوب فى المناظرة التليفزيونية التى أجراها أمام ساركوزى وكانت سبباً فى حسم نتائج الانتخابات لصالحه وقبل جولة الإعادة بعد فشل غريمه فى إحراجه. ويرجع المقربون له أن وراء هذا التغيير الذى طرأ عليه شريكته والتى ستصبح السيدة الأولى فاليرى ترير فيلر (47سنة) وهى زوجة غير رسمية تعمل فى مجال الصحافة السياسية و تنتمى لعائلة متوسطة بدأت علاقتها بأولاند منذ عام 2006 وهى مطلقة وأم لثلاثة أبناء من زيجة سابقة وأعلنت عن رغبتها فى احتفاظها بعملها لأنه يحقق لها الاستقلال وبسؤالها عن أولاند قالت إنه لايحب الأبواب المغلقة فى البيت ولاحتى أبواب خزانته. وهذا يعنى أنه لايغلق الباب فى وجه أحد وليس لديه مايخفيه ولذلك يصفه مؤيدوه بالبساطة وعدم التكلف ولكنه صاحب إرادة فولاذية قادرة على الفوز وقيادة البلاد فهو لم يغفر لساركوزى أنه كان سبباً من أسباب انهيار علاقته بشريكته السابقه وأم ابنائه الأربعة السياسية المتمرسة سيجولين رويال والتى ارتبط بها بدون زواج رسمى لأكثر من عقدين وذلك بسبب خسارتها أمام ساركوزى على منصب الرئاسة فى انتخابات عام 2007 وكان انفصالها عن أولاند من تبعات هزيمتها السياسية. وأخيراً هل يحقق أولاند حلم البسطاء الفرنسيين الذين فجّروا صرختهم المكتومة فى مظاهرات باريس رافعين شعار «الاشتراكيون قادمون».