كان الدكتور أحمد مدحت إسلام أبرز علماء جيله وتخصصه القدرة على الكتابة باللغة العربية الجميلة، وعلى الترجمة إليها، وعلى تبسيط العلوم بها، وكان بأعماله ومؤلفاته رائدا بارزا من رواد الثقافة العلمية الحقيقية، وإن لم يشارك المشاركة الموازية لهذا القدر فى المجتمعات العلمية والثقافية، وقد حدث هذا لسبب بسيط، هو أنه كان قد تحول بالفعل إلى رائد سابق راسخ القدم حتى إن مؤلفاته وكثرتها كانت تعطى الانطباع أنه من جيل سابق على جيل أحمد مستجير، ومصطفى إبراهيم فهمى، وأقرانهما، مع أنه لم يكن يكبرهم كثيرا فى السن. وقد تخرج فى كلية العلوم فى الدفعة التى تخرج فيها «فى أقسام أخرى» زميلاه المجمعيان العظيمان الأستاذان عبد الحافظ حلمى، وأبو شادى الروبى. وقد أتاح له أداؤه المتميز فى مواقعه الجامعية فى جامعات القاهرة وعين شمس وأسيوط والأزهر وغيرها مكانة رفيعة، وأستاذية ممتدة، مكنته من أن يصبح رأس مدرسة كبيرة فى مجال تخصصه، وقد عاش حياة الأستاذية على نحو راق ومتميز، متمتعا بالمثل العليا، ومتمثلا للأخلاق الرفيعة، رافعا لواءها، وقد جمع بين أستاذية الجامعة وأستاذية ميدانية أتيحت له منذ عمل مبكرا بعد تخرجه فى شركات البترول، ثم فى شركات الأدوية. وقد نال بعض التكريم الذى يستحقه وجاء التكريم فى مساره الطبيعى دون أن يجهد نفسه من أجله، وإن كان قد بذل عصارة حياته كلها، من أجل العلم واللغة والمجتمع. ?? ولد الدكتور أحمد مدحت إسلام بالقاهرة فى 24 أكتوبر سنة 1924، وحصل على بكالوريوس علوم «الدرجة الخاصة» فى الكيمياء بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف عام 1946 من جامعة القاهرة، وعمل معيدا بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1946، ثم حصل على ماجستير فى الكيمياء العضوية من جامعة القاهرة عام 1954، ونال الدكتوراه فى التخصص ذاته من جامعة جلاسجو بالمملكة المتحدة عام 1954. وعاد من بعثته فعمل مدرسا بقسم الكيمياء بكلية العلوم بجامعة عين شمس، وكان نظام البعثات والوظائف فى ذلك الوقت يتيح للإدارة الجامعية أن تفيد من المؤهلين بالبعثات فى الأماكن التى تحتاج علمهم ونشاطهم لا التى تخرجوا فيها أو التى يرغبون فى البقاء فيها. ثم سرعان ما انتقل مرة أخرى بدافع الترقى ليكون أستاذا مساعدا بقسم الكيمياء بجامعة أسيوط عام 1959 وسرعان ما انتقل مرة ثالثة أستاذا ورئيسا لقسم الكيمياء بكلية الهندسة بجامعة الأزهر عام 1965، وقد أتاح له تفوقه ونشاطه وإخلاصه أن يختار وكيلا لكلية الهندسة بجامعة الأزهر 1968 - 1970. فلما تأسست كلية العلوم فى الجامعة كان من الطبيعى أن يختار عميدا لكلية العلوم بجامعة الأزهر 1970 - 1976، وبعد ذلك عمل أستاذا غير متفرغ بكلية العلوم بجامعة الأزهر. وبالموازاة لهذا الكادر الجامعى المتميز انتدب الدكتور أحمد مدحت إسلام للإشراف على قطاع البحوث بشركة النصر للكيماويات الدوائية من عام 1962 إلى عام 1966، والواقع أنه كان من أبرز علماء الكيمياء قدرة على إفادة شركات الدواء ببحوثه التطبيقية فى تحضير الخامات الدوائية، ويذكر له أنه حصل مع آخرين على براءة اختراع لتحضير حمض الستريك صناعيا لحساب شركة النصر للكيماويات الدوائية. كما يذكر له أنه نشر بحثا علميا يتضمن طريقة مباشرة لتصنيع دواء «الفنندايون» الذى يساعد على سيولة الدم، وقدم مشروعا صناعيا لتحضيره، وتم إنتاج هذا الدواء تحت إشرافه فى شركة النصر للكيماويات الدوائية. ?? امتدت مظلة إشراف الدكتور أحمد مدحت إسلام لتشمل عددا كبيرا من الباحثين الذين أصبحوا من أبرز علماء الكيمياء المعاصرين، وذلك من خلال عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه، ويذكر له أن مدرسته العلمية تضم 150 باحثا للماجستير من جامعات الأزهر وعين شمس والمنصورة وستين باحثا فى مرحلة الدكتوراه، بجامعة الأزهر وجامعة عين شمس، كما يذكر له أنه أشرف على رسالتى دكتوراه بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية، وتم منح إحداها عام 1992 فى استراتيجية الحرب النووية ومسائل الحرب فوق التقليدية. ?? استفادت الدولة من جهود الدكتور مدحت إسلام وخبرته فى عدد من المواقع ، وقد اختير الدكتور أحمد مدحت إسلام عضوا فى مجلس بحوث العلوم الأساسية بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، وعضوا فى اللجنة القومية للكيمياء بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، كما كان عضوا فى اللجنة العليا لجوائز الدولة عام 1999. ?? وعلى مستوى الجمعيات العلمية كان الدكتور أحمد مدحت إسلام بالقاهرة عضوا فى الجمعية الكيميائية بلندن وعضوا فى الجمعية الكيميائية المصرية، وعضوا فى الأكاديمية المصرية للعلوم منذ عام 1972، وعضوا فى المجمع العلمى المصرى عام 1990، وقد انتخب عضوا فى مجمع اللغة العربية 1990 فى المكان الذى خلا بوفاة الدكتور محمد أحمد سليمان فى حقبة لم تشهد انتخاب إلا ندرة من العلماء، وقد بذل جهودا فائقة فى لجنة الكيمياء، وأنجز من خلال هذه الجهود معجما ضخما للكيمياء والصيدلة صدر فى جزءين وقد صدرا عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما اشترك فى وضع معجم النفط الذى صدر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة. وقد نشر الدكتور أحمد مدحت إسلام أكثر من 100 بحث فى مجالات الكيمياء فى مجلات علمية متخصصة فى كل من إنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة والهند واستراليا ومصر. ليس هذا المقال مجالا للحديث عن المؤلفات الأكاديمية التى تركها الدكتور إسلام فى اللغتين العربية والإنجليزية وإن كنت قد قدمت قائمة بها فى دراسة أخرى، لكننا لابد أن نقدم للقارئ قائمة بمؤلفاته الثقافية العلمية فى تبسيط العلوم. - رسالة كوكب 1980. - بحر الهواء الذى نعيش فيه 1980. - الكيمياء عند العرب 1982. - لغة الكيمياء عند الكائنات الحية 1985. - الطاقة ومصادرها المختلفة 1988. - هل نحن وحدنا فى هذا الكون؟ 1989. - التلوث مشكلة العصر 1990. - الحرب الكيميائية «جزء أول» 1993. - الحرب الكيميائية «جزء ثان» 1993. - الطاقة ومصادرها المختلفة 1996. - الكيمياء وحياتنا اليومية 1996. - الصناعات الكيميائية «جزء أول» الأحماض والقواعد واستخلاص الفلزات من خاماتها 1997. - الصناعات الكيميائية «جزء ثان» اللدائن والراتينجات والألياف الصناعية 1997. - الصناعات الكيميائية «جزء ثالث» البترول والبتروكيميائيات والصابون والمنظفات الصناعية 1997. - تأملات فى الدين والعلم 1997. - علماء العرب والمسلمين 1998. - الطاقة وتلوث البيئة 1998. - الماء سائل الحياة 1999. - العناصر الكيميائية 2000. - حقائق وغرائب عن الكيمياء 2001. - الكون فى فكر الإنسان قديما وحديثا 2001. - التلوث الكيميائى وكيمياء التلوث 2001. - معجم المركبات العضوية الشائعة 2002. - سؤال وجواب فى علم الكيمياء 2003. - سؤال وجواب فى موضوعات علمية مختارة 2004. - كيمياء البيئة 2005. كذلك فإن للدكتور إسلام عددا مهما من الكتب المترجمة إلى اللغة العربية: - أسس الكيمياء العضوية من الناحية الميكانيكية 1978. - نظريات ومسائل فى الكيمياء العضوية 1982. - الغلاف الجوى: التحدى بين الطبيعة والبشر 1992. العالم الصغير: عالمنا فى خطر 1993. - العالم الصغير: مراجعة ترجمة كتاب الذرات والجزيئات 1993. - الكيمياء العضوية، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية «جزء 1 ، جزء 2» ?? نال الدكتور أحمد مدحت إسلام بعض التقدير الذى يستحقه وقد منح جائزة الدولة التقديرية فى العلوم والعلوم التكنولوجية المتقدمة عام 1998.