مع كل التقدير لنبوغ الدكتور أحمد زويل العلمى كعالِم من أصل مصرى حاصل على جائزة «نوبل» فى العلوم لاكتشافه ما يُعرف ب «الفيمتو ثانية» خلال إقامته الجامعية والأكاديمية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أننى أجدنى وبدوافع وطنية ولأسباب علمية أيضاً مدفوعاً للتوقف ملياً والتحفظ كثيراً على مشروعه الذى يجرى الترويج له تحت اسم مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا.ومع أهمية وضرورة الارتقاء بالبحث العلمى كأساس للنهضة ومن ثم أهمية إقامة الصروح العلمية والتكنولوجية، إلا أن لدىّ الكثير من الملاحظات التى أحسبها مآخذ على مشروع مدينة زويل وآليات تنفيذه بل على الدكتور أحمد زويل ذاته. ??? بداية.. أعلم أننى بهذه السطور سوف أبدو كمن يغرّد خارج السِرب الإعلامى الذى بالغ ومازال يبالغ فى الترويج للدكتور زويل ومدينته العلمية وكأنه سيأتى بما لم يأت به الأوائل من علماء مصر الأفذاذ. وأعلم أيضاً أننى سوف أصطدم بدعوة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية للتبرع لإقامة هذا المشروع العلمى وحيث جرى تخصيص حساب بنكى لإيداع التبرعات، وحيث أفتى فضيلته بدفع أموال الزكاة لصالح مدينة زويل. ولكن لأنه كما قال الإمام مالك إمام دار الهجرة: «كلٌ يؤخذ منه ويُردّ عليه إلا صاحب هذا المقام صلى الله عليه وسلم»، فإن فتوى فضيلة المفتى بدفع أموال الزكاة لصالح مدينة زويل دون غيرها من المراكز البحثية والعلمية.. تبدو - وفقاً لاجتهادى الشخصى - افتئاتاً على مصارف الزكاة الثمانية التى حددها الإسلام ووردت على سبيل الحصر فى القرآن الكريم، بقدر ما تنطوى هذه الفتوى من جهة أخرى على تمييز خاص لزويل ومشروعه دون غيره من الجامعات ومراكز البحث العلمى القائمة بالفعل والزاخرة بالعلماء والباحثين والتى تعانى نقصاً شديداً فى التمويل المالى اللازم لقيامها بدورها.. والتى يتعيّن أن تكون لها الأولوية فى التبرع لها.. هذا إن صحت مشروعية دفع أموال الزكاة لدعمها وتمويل أنشطتها البحثية العلمية. إننى أفهم حسب اجتهادى الشخصى واستناداً إلى ما ذهب إليه كثير من الأئمة والعلماء من جواز دفع جزء من أموال الزكاة لطلاب العلم غير القادرين باعتبارهم ممن ينطبق عليهم أحد مصارف الزكاة الثمانية وهو مصرف «وفى سبيل الله»، أما الإفتاء وحث المصريين حسبما فعل فضيلة المفتى، على التبرع من أموال الزكاة لإقامة مركز علمى بعينه وباسم عالم بعينه فإنه يبدو أمراً مستعصياً على الفهم وغير مقبول بقدر ما يبدو مدعاة للتساؤل والتعجب! ??? أعترف أن مشاعرى الشخصية تجاه شخص الدكتور زويل ليست إيجابية منذ مجيئه إلى مصر حاملاً جائزة نوبل وحيث جرى تكريمه بمنحه قلادة النيل أسوة بمنحها لأديب مصر العالمى نجيب محفوظ، وهى أرفع وسام مصرى لا يمنح إلا للملوك والرؤساء. لقد كانت لدىّ - وما زالت - أسبابى الخاصة وهى أسباب وطنية فى المقام الأول والتى قد لا يعلمها الكثيرون فى مصر لمشاعرى السلبية تجاه شخص الدكتور زويل.. أولها أنه تم تكريمه فى الكنيست الإسرائيلى بعد حصوله على جائزة نوبل وهو التكريم الذى حدث قبل مجيئه إلى وطنه الأم.. مصر، بل إن الأمر لم يقتصر على التكريم فقط ولكنه امتد إلى قيامه بإجراء أبحاث والإشراف على مشروعات إسرائيلية. الأسوأ من ذلك المسلك هو التبرير الذى ساقه الدكتور زويل دفاعاً عن قبوله التكريم الإسرائيلى بقوله: إن العِلم ليس له وطن، وقد غاب عنه أن للعالم وطناً وهو مصر، وحيث كان عليه بُحكم انتمائه لهذا الوطن أن يرفض التكريم من أعداء وطنه وأعداء أمته العربية. ??? الأمر الآخر هو أن شخص زويل لا يبعث على الارتياح بسبب حالة الاستعلاء التى تتبدّى بوضوح فى أحاديثه ولقاءاته، وهو استعلاء يتعارض بالضرورة مع التواضع الذى هو سمة العلماء الكبار الذين من المفترض أن يزدادوا تواضعاً كلما ازدادوا علماً وذاعت شهرتهم، وهو التواضع الذى اتسم به من سبقوه من علماء مصر الذين أظهروا نبوغا وتفوقا خارج مصر مثل الدكتور فاروق الباز والدكتور مجدى يعقوب والدكتور ذهنى فراج والدكتور مصطفى السيد وغيرهم. المؤسف أن زويل مارس الاستعلاء على علماء وطنه.. متباهيا بانتمائه إلى المنظومة العلمية الأكاديمية والثقافية الأمريكية القادم منها.. معتبراً نفسه ابن حضارتها ويدين بالفضل لتقدمها العلمى والتكنولوجى الذى سوف يتفضّل بنقله إلى بلده الثانى مصر! أما ذروة الاستعلاء التى بلغها زويل فقد تبدّت فى حرصه على تمرير إطلاق اسمه على مدينة العلوم والتكنولوجيا التى يسعى لإقامتها، وهو أمر ينطوى فى حقيقة الأمر على ذاتية ممقوتة ورغبة مستعرة فى تمجيد شخصه وتخليد اسمه بمشروع مازال فى رحم الغيب وحيث لا يوجد سبب واحد لتسمية هذه المدينة العلمية باسمه، بينما كان حرياً بنا أن نطلق اسم الدكتور محمد غنيم رائد جراحات الكلى العالمى على مستشفى المنصورة التى أوصلها بكل التواضع إلى مستوى العالمية دون صخب أو ضجيج. ثمة واقعة لا يعلمها إلا القليلون ذكرها أستاذ جامعى وعالِم جليل لا تخفى دلالتها التى تعكس نرجسية وذاتية واستعلاء زويل، فقد حدث أنه طلب من الحكومة فى عهد النظام السابق تخصيص مكان يمارس منه الإعداد لإقامة مدينة العلوم والتكنولوجيا، وبالفعل تم تخصيص مكتب مؤقت له باستراحة قناة السويس بحى «جاردن سيتى» بوسط القاهرة، ثم كانت المفاجأة التى أذهلت الحكومة، فقد قام زويل فى اليوم التالى بإحضار لافتة كبيرة لتعليقها على جدران هذا المقر الحكومى وقد تصدرها عبارة «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، وقد كانت هذه اللافتة وهذا المسلك المتسرع السبب إلى جانب أسباب أخرى فى تراجع الحكومة ومنها عن الموافقة على إقامة هذه المدينة. ??? ومما يؤكد أن زويل لا يستهدف خدمة وطنه بإقامة هذه المدينة العلمية بقدر حرصه على تمجيد ذاته، فإنه لم ييأس واتجه إلى دولة قطر عارضا خدماته ولكن قطر لم تحقق رغبته وحلمه بإطلاق اسمه على مشروع علمى لأنه وببساطة شديدة يجرى تمويله بأموال الشعب القطرى. وبعد سقوط النظام فى مصر عاوده حلمه مرة أخرى وعاد لإحياء مشروع مدينة العلوم مستعينا بجوقة إعلامية تروّج له وبفتوى فضيلة المفتى كى يتبرع المصريون لتحقيق حلم زويل! من المؤسف أيضاً أنه سطا على جامعة النيل الخاصة واستولى على مقرها.. أرضها ومبانيها لتكون مقراً لمدينته المزعومة على حساب مستقبل طلاب هذه الجامعة وأساتذتها والذين تعامل معهم باستعلاء وصلف واستفزاز حين حاولوا الدفاع عن جامعتهم. ومن المؤسف أيضاً أنه لا أحد يعلم على من يستند زويل بسطوه واستيلائه على مقر هذه الجامعة دون وجه حق، ولا أحد يعرف لماذا وكيف توافق الحكومة.. السابقة والحالية وكذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير شئون البلاد على هذه السطو! ??? إن فى مصر جامعات عريقة وأكاديمية للبحث العلمى والعديد من مراكز البحث العلمى فى كل المجالات والزاخرة بالعلماء والباحثين الذين ينحتون فى الصخر وبأقل الإمكانيات، إذ ليس سراً أن الإنفاق على البحث العلمى فى مصر لا يتجاز (02و%) من إجمالى الدخل القومى وهو رقم شديد الضآلة مقارنة بالرقم المتعارف عليه دوليا والذى يتعيّن ألا يقل عن (1%) من الدخل القومى. ولذا فإن مصر ليست فى حاجة إلى مدينة زويل التى يجرى الترويج لها بقدر حاجتها إلى الاهتمام بتمويل البحث العلمى فى الجامعات ومراكز الأبحاث التى لا ينقصها العلماء ولا ينقصها زويل والتى كان يتعيّن على فضيلة المفتى أن يدعو للتبرع لها بدلاً من اختزال دعوته بفتوى التبرع لزويل! إن جامعات مصر العريقة ومراكزها البحثية والعلمية هى الأولى بالرعاية والتمويل دون انتظار لمدينة زويل الذى يجرى تصويره ويصوّر نفسه بأنه مبعوث العناية الإلهية لنهضة مصر العلمية شريطة إطلاق اسمه على مدينته المزعومة! ??? لقد مضى عهد تمجيد الأشخاص مهما كان قدرهم، فإذا كان زويل جاداً وصادقاً فى رغبته خدمة وطنه فعليه أن يتجرد من ذاتيته وأن ينضم إلى أية جامعة قائمة أو مركز بحثى مصرى ليقدم خدماته وخبرته لوطنه وأهله المصريين. وفى كل الأحوال فإنه يبقى غير مقبول إطلاق اسم زويل على هذه المدينة المقترحة، إذ سوف يكون الاسم ل زويل والفعل لتبرعات المصريين! N