لكل الثورات العظيمة إرهاصات أيضا عظيمة، فى كل المجالات فى الفن والأدب والعلم والثقافة والسينما والمسرح، فقد عشنا فترة عبثية فى كل المجالات قبل الثورة.. فالمسرح كان قد توفى ومات بالسكتة القلبية وهو ابو الفنون والمعبر الحقيقى عن قيمة أى شعب، والسينما ثملت مع فن البهلوانات والسكارى والحشاشين والهبل بلا قيمة, أو سرقة النصوص الجاهزة من الأفلام الأجنبية وتمصيرها بخيبة وإفقادها حلاوتها وجمالها ومتعتها فى الفيلم الأجنبى.. اما سوق الثقافة فانضرب بالمهلباتية والأرزقية وماسحى الجوخ والمدّعين وانغلق اصحاب المواهب وأبتعدوا عن الساحة واغلقوا عليهم بيوتهم, وظهر وبرز اللى همّ عايزينهم.. والعلم حدث ولا حرج هرب الى الخارج العلماء المحترمون خوفا من إصابتهم بالجنون او الانتحار أو المطاردة فى ارزاقهم وأشغالهم بالقرش والسحتوت بدلا من العمل والتطوير والاكتشاف والاختراع.. وحوربت الكفاءات بلا مبرر. اما ا لأغنية التى هى الغذاء والدواء للنفوس والقلوب أصبحت مجرد صورة عارية وكلما ازدادت عريا لعلعت وأنتشرت ثم ماتت.. لحن واحد وكلام واحدوأصوات واحدة.. وبالتأكيد بعد كل ثورة تحدث إرهاصات.. وهذا ما حدث بعد ثورة 1919 فقد كان نتاج هذه الثورة العظيمة فى كل مجال.. بداية من الفن العظيم الذى خرج للناس بأغنيات سيد درويش ومن بعده عبد الوهاب وام كلثوم. وظهور الساسة العظماء وعلى رأسهم سعد زغلول وعبد الرحمن فهمى ومكرم عبيد والنحاس من بعدهم.. وفى الفن التشكيلى محمود مختار ومحمود سعيد، وفى العلم د. مصطفى مشرفة وفى الأدب د. طه حسين والعقاد والمازنى والحكيم ونجيب محفوظ.. ثم بعد ذلك حدثت نهضة فى كل المجالات وانتعشت مصر الى حين.. فعرفت مصر الإذاعة وظهرت الصحف التى تدافع عن الحقوق.. وتكونت أجيال وطنية بطبيعتها تدافع عن هذا الوطن حتى قامت ثورة يوليو 1952.. وكانت البداية الحقيقية لأن يحكم المصريين أنفسهم بزعيم مصرى صعيدى.. وهكذا فعلت الثورة إذ خرجت لنا بأجيال مؤمنة بقوة هذه الثورة العظيمة التى ما زلنا نعيش على الفن والثقافة والمسرح والسينما والأغنية الوطنية الجميلة التى عادت مرة اخرى على افواه الثوار الذين لم يجدوا شيئا يتغنوا به غير أغنيات ثورة يوليو من اغنيات عبد الحليم وشادية وأم كلثوم.. ونقول هذا زمن الفن الجميل.. بل أيضا زمن التعليم الصحيح. بل زمن الأخلاق الجميلة. وزمن الحب بلا حقد فلم يكن هناك التفاوت الذى نراه الآن بين المصريون.. ناس تستورد طعامها بالطائرات وناس تبحث عن اللقمة فى الزبالة.( شئ بشع ).. هل ستخرج علينا اجيال جديدة من الشعراء مثلما فعلت ثورة يوليو فقدمت لنا صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وأمل دنقل ومجدى نجيب. ونجيب سرور. وفى المسرح هل سيطل علينا يوسف إدريس ونعمان عاشور وألفريد فرج وسعد وهبه.. وفى السينما هل سنجد الموضوعات الهادفة بلا إسفاف كما كانت السينما المصرية يوما تسبق السينما الهندية؟.. هل الثقافة ستعمل على الارتقاء بهذا الشعب وتصبح سلوكا عاما يرحمنا من الزبالة فى الشوارع ويعيد لمصر وجهها النظيف عندما كانت تكنس الشوارع وتغسل ميادينها بالماء والصابون ليلا.. ليصحوا الناس فى الصباح يجدون البلد نظيفة وزى الفل.. وهذا لمجرد التذكرة وليس الحصر لأننى لو حصرت ما أحدثته ثورة يوليو من نهضة فى حياة المصريين لا تسع المطبوعة بكاملها. هل فعلا سنجد للثورة.. ثورة يناير الشابة..وإرهاصاتها الجديدة هل سيظهر لنا عبد الحليم حافظ يتغنى بالثورة، وشعراء جدد وعلماء وملحنون مجددون ووجوه ومواهب فى كل مجال.. نحن فى الانتظار، واتمنى يكون فى القريب العاجل. وبالتاكيد ان بعد الثورة ستحدث الإرهاصات التى ننتظرها كما حدث من قبل إبان ثورة 1919. فقد كان نتاج هذه الثورة العظيمة.