اتفق عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين فى الآونة الأخيرة، على أن النظام الحالى لدعم الطاقة فى مصر يفتقر للكفاءة والعدالة، فضلاً عن ارتفاع تكلفته، حيث يبلغ دعم الطاقة نحو 95.5 مليار جنيه، تمثل نحو 71% من إجمالى الدعم فى مشروع الموازنة العامة للدولة لهذا العام 2011 - 2012، وهو ما يمثل عبئاً يقدر بنحو 19% من إجمالى الإنفاق العام، و6% من الناتج المحلى الإجمالى، ورغم ذلك يذهب الجزء الأكبر من هذا الدعم إلى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة والشرائح الغنية من المجتمع التى تستهلك المنتجات البترولية بصورة أكبر، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلا لتغيير تلك المنظومة التى يمكن وصفها بغير العادلة، وهى القضية التى نتناولها فى التحقيق التالى. بداية نشير إلى أنه فى ضوء ارتفاع حجم العجز المالى والذى بلغ 9.8% من الناتج المحلى الإجمالى خلال عام 2010 - 2011، والتوقعات بتفاقم هذا العجز خلال العام الجارى، فإن اقتراح بدائل لإصلاح منظومة دعم الطاقة من شأنه تخفيف العبء المالى عن كاهل الحكومة والحد من الاستهلاك المفرط وزيادة الإيرادات بالعملة الأجنبية من خلال تنمية الصادرات من المنتجات البترولية، مما يؤدى إلى زيادة الموارد العامة المتاحة لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للمجموعات محدودة الدخل، وتكثيف جهود الحد من الفقر وتطوير خدمات التعليم والرعاية الصحية وتوفير مزيد من الدعم النقدى لمستحقيه، إضافة إلى أن خفض الاستهلاك المفرط من منتجات الطاقة سوف يعود بآثار أخرى إيجابية مثل حماية البيئة وتحقيق العدالة فى توزيع الموارد بين الأجيال خاصة فى ضوء محدودية احتياطى الطاقة فى مصر. وفى هذا الرأى فقد أكد الدكتور علاء عرفة رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، فى حلقة نقاشية عن البدائل المتاحة للإصلاح فى دعم الطاقة، أن المواطن المصرى مدمن للدعم، بعد أن تأصلت لديه هذه العادة طوال عقود، ولذلك ينبغى على الإعلام الترشيد لفكرة ترشيد الاستهلاك فى كل شىء وأيضاً الترويج لإلغاء الدعم المطلق، حيث لا يمكن الدعوة إلى زيادة الاستهلاك من خلال منح مزيد من الدعم، مؤكداً ضرورة تقديم الدعم للطبقات الأكثر فقراً والذين يمثلون الجزء الأكبر من المجتمع ولكن أيضاً بشكل محدود أو فى أضيق الحدود لتحفيز المواطنين على ترشيد الاستهلاك. وتشير الدكتورة ماجدة قنديل الخبير الاقتصادى إلى أن دعم الطاقة له تأثيرات سلبية خطيرة، فهو يحد من الصناعات التى تستوعب عمالة، ويتسبب فى انخفاض نصيب العامل من الدخل القومى وهو فى مصر الثلث تقريباً. كما أن توجيه 71% من مخصصات الدعم التى تمثل 33 % من الموازنة العامة لدعم الطاقة يؤثر على الدعم الموجه لقطاعات أكثر أهمية كالتعليم والصحة، ويتسبب فى تراجع الاستثمارات بشكل كبير، مما أثر سلباً على الاقتصاد ويرسخ الأزمة الاقتصادية فى مصر، بعد أن كانت مصر تستقطب استثمارات تقدر بنحو 11 مليار دولار فى عام 2007، موضحة أن قطاع البترول لا يوفر فرص عمل كثيرة، وأن المستفيد الأكبر من الدعم هو الشريحة الأكثر ثراء بنسبة 23%، بينما الشريحة الأكثر فقراً بنسبة 3.8%. وأكدت قنديل أن نظام الدعم الحالى يؤدى إلى إهدار قدر كبير من الموارد الحكومية، حيث يمكن إلغاء الدعم تدريجياً مع مراعاة ذلك على المجموعات الضعيفة وتضخم الأسعار، مع ضرورة اتباع سياسات تكميلية تهدف إلى التخفيف من حدة تأثير إلغاء الدعم على التضخم وعدم العدالة، مع إعداد نظام لإحلال التحويلات النقدية أو العينية محل دعم الأسعار تماماً، مشيرة إلى أن هناك أربعة سيناريوهات تمثل بدائل لإلغاء الدعم تدريجياً على مصر، الأول تعديل أسعار المنتجات البترولية تدريجياً بدون تعويضات، أما السيناريو الثانى فهو تعديل أسعار المنتجات البترولية مع زيادة التحويلات النقدية الحكومية للشريحتين الأشد فقراً ويمثلون نحو 40% من السكان بنسبة 20% فى الحضر والريف، السيناريو الثالث فهو تعديل أسعار المنتجات البترولية وتحويل 50% مما يتم توفيره من ذلك لكافة الأسر بدون استهداف، أما السيناريو الرابع والأكثر ملاءمة من وجهة نظرى فهو تعديل أسعار المنتجات البترولية وتحويل 50% مما يتم توفيره من ذلك للشريحتين الأشد فقراً مع استهدافهما فى المناطق الريفية والحضرية على السواء، على أن يتم توجيه ما تم توفيره من الدعم لدعم قطاعات الصحة والتعليم والاستثمار ليشعر المواطن بتحسن فى معيشته. وأوضحت قنديل ضرورة سعى الحكومة إلى خفض العجز الكلى من 10% من الناتج المحلى الإجمالى إلى 3 % بقدوم العام المالى 2014 - 2015 لدعم النمو بقيادة القطاع الخاص والحد من الضعف الاقتصادى. من جانبه، أشار المهندس محمد طاهر حافظ نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول، إلى أن دعم المنتجات البترولية هو الفرق بين تكاليف توفيرها وأسعار بيعها فى السوق المحلى، موضحاً أن الدعم على تلك المنتجات تزايد بشكل مطرد نتيجة ارتفاع أسعارها عالمياً وثبات الأسعار المحلية لفترات زمنية طويلة تجاوزت 25 عاما على البوتاجاز مثلاً. واقترح حافظ وفقاً لدراسات أعدتها الهيئة لترشيد دعم المنتجات البترولية، تطبيق نظام كوبونات أو كارت ذكى للبنزين والسولار، بحيث يحصل صاحب كل سيارة على كارت بعدد من اللترات سنوياً يصرف عند تجديد ترخيص السيارة، وما يزيد على ذلك يتم مراجعة أسعاره لتتوافق مع التكلفة الفعلية للبنزين والسولار، كما اقترح إصدار تشريعات تهدف إلى حفظ معدلات الاستهلاك فى السوق المصرى ومنها تجريم استخدام أى نوع من المنتجات البترولية فى غير الأغراض المخصصة له، وتغليظ عقوبة الغش والتهريب لأى من تلك المنتجات، مع تعزيز الاستفادة من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وإحياء البرنامج المصرى لاستخدام الطاقة النووية فى توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وزيادة كفاءة استخدامات النقل النهرى والسكك الحديدية وتحقيق الانضباط فى استخدام السيارات الخاصة. ورأى الدكتور تامر أبو بكر، رئيس لجنة الطاقة فى اتحاد الصناعات، أن الحل الوحيد هو التحول الكامل بقدر الإمكان إلى إحلال استخدام المنتجات البترولية بالغاز الطبيعى، وذلك لرخص سعره وفوائده البيئية، مؤكداً أن اتباع سياسة دعم المنتجات البترولية بلا حدود ولفترة طويلة تسبب فى ارتفاع قيمة دعم تلك المنتجات خلال عشر سنوات من مليار إلى 100 مليار جنيه، وعدم محاولة الاعتماد على بدائل أخرى للطاقة، مع زيادة كمية الاستهلاك من المواد البترولية دون عائد اقتصادى إضافى، حيث ظهرت أنماط استهلاكية سيئة لضآلة سعر تلك المنتجات.