البابا تواضروس: الكنيسة تتمتع بعلاقات طيبة مع المجتمع المصري    الرئيس السيسي يشهد حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية 2024    كسر مفاجئ بخط مياه في منطقة كورنيش النيل بدمياط    مصرف «أبو ظبي الإسلامي- مصر ADIB-Egypt» يفتتح الفرع ال71 بمدينتي    سفير السويد: نسعى لإقامة شراكات دائمة وموسعة مع مصر في مجال الرعاية الصحية    وول ستريت: جيش الاحتلال لا يعتزم تحويل التوغل في لبنان إلى حرب برية    الزمالك يشيد بتواجد صلاح سليمان في مدرجات الثالثة يمين بمباراة السوبر (فيديو)    مدرب منتخب فرنسا يكشف سبب استبعاد مبابي    بشرى سارة للأهلي.. فيفا يصدر قرارات جديدة بشأن الأندية المشاركة في كأس العالم للأندية    قرار النيابة في مصرع عامل سقط من أعلى سُلم خشبي في الشارع بأوسيم    إصابة شاب بسبب خلافات الجيرة بسوهاج    أول تعليق من تيسير فهمي على شائعة وفاتها    الكويت تسجل حضورًا مميزًا في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024    لطفي لبيب عن نصر أكتوبر: بعد عودتي من الحرب والدتي صغرت 50 سنة    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف :هناك قفزة غير مسبوقة في شراء المهدئات داخل إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي.    «ينفذ يناير القادم».. «الرعاية الصحية» توقع برنامج توأمة مع مستشفيات فوش الفرنسية    رئيس وزراء ولاية بافاريا يزور الخط الأول بالقطار الكهربائي السريع    تأهل علي فرج وهانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    وزارة الطوارئ الروسية تعيد من بيروت 60 مواطنا روسيا    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    محافظ القاهرة يهنئ السيسي بذكرى نصر أكتوبر: سيظل مبعثًا للفخر والاعتزاز    الهيئة تلزم صناديق التأمين الحكومية بالحصول على موافقتها عند نشر أية بيانات إحصائية    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    كيف تحجز تذاكر حفل ريهام عبدالحكيم بمهرجان الموسيقى العربية؟    رسميًا.. انتهاء أزمة ملعب قمة سيدات الزمالك والأهلي    «القاهرة الإخبارية»: بريطانيا تستعد لإجلاء رعاياها في لبنان برا وبحرا    جاكلين عازر تزف بشرى سارة لأهالي البحيرة    بيراميدز يخوض معسكر الإعداد فى تركيا    أوكرانيا تهاجم قاعدة جوية روسية في فارونيش بالطائرات المسيرة    «أوقاف مطروح»: توزع 2 طن لحوم و900 شنطة مواد الغذائية على الأسر الأولى بالرعاية    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    وزيرا الرياضة والثقافة يشهدان انطلاق فعاليات مهرجان الفنون الشعبية بالإسماعيلية    «تقلبات جوية».. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غداً ودرجات الحرارة المتوقعة    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    باحث شرعي: يوضح 4 أمور تحصن الإنسان من الشيطان والعين السحر    وزارة التعليم: التقييمات الأسبوعية والواجبات المنزلية للطلاب مستمرة    يوفنتوس يعلن إصابة بريمير بقطع في الرباط الصليبي    التضامن تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    محافظ الفيوم يهنئ ضباط القوات المسلحة بذكرى نصر أكتوبر    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الحرص والبخل    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حماة ودرعا بين فَكَّى أسدين
نشر في أكتوبر يوم 12 - 02 - 2012

للأسد فى لغتنا العربية العريقة أسماء وألقاب كثيرة، لدرجة أن أحدهم وهو ابن خالويه قال إن للأسد خمسمائة اسم ولقب، بينما زاد عليه على بن قاسم بن جعفر اللغوى مائة وثلاثين اسما، وعلى أى حال فإن من أشهر تلك الأسماء والألقاب: أسامة– البيهس– السبع– الضرغام– الضيغم– الغضنفر. ويرى الأستاذ العلاّمة والقدوة الفهّامة كمال الدين الدميرى أن كثرة أسماء الأسد تدل على شرف المسمَّى، وفى كتابه الضخم «حياة الحيوان الكبرى» يقول إنه افتتح كتابه هذا بالأسد لأنه أشرف الحيوانات المتوحشة، إذ إن منزلته منها هى منزلة الملك المهاب لقوته وشجاعته وشهامته وجهامته!ومن الحكايات الطريفة فى تراثنا العربى أن الشنفرى– وهو أحد الشعراء الصعاليك فى عصر ما قبل الإسلام - لم يكن يهاب الأسود، بل كان ينازلها ويصارعها، لدرجة أنه استطاع أن يصطاد منها 99 أسدا وكان يضع جماجمها فى خيمته إلى أن يستطيع تحقيق حلمه بأن يصطاد الأسد الذي يكتمل به العدد ليصبح مائة أسد، لكن جماجم الأسود سقطت كلها عليه أثناء استغراقه فى النوم، فمات قبل أن يتحقق له ماشاء من حلم!
وللأسد مكانة فريدة فى الحضارات القديمة، شرقية كانت أو غربية، حيث نجد رسوما ونقوشا له فى جداريات البابليين والفراعنة والإغريق، ومن أعجب ما يقوله الفيلسوف الإغريقى الشهير أرسطو: رأيت أسدا وجهه يشبه وجه الإنسان، وجسده شديد الحمرة، وذيله شبيه بذنب العقرب ويقودنى كلام أرسطو إلى تمثال أبى الهول الشهير، حيث الوجه وجه إنسان والجسد جسد أسد، ربما لتجسيد العلاقة بين قدرة العقل الإنسانى على التفكير وقوة الجسد المتوحش عند التنفيذ!
إذا ابتعدنا قليلا عن تلك الحكايات، لنعود إلى لغتنا الجميلة، فإنى أريد التوقف عند كلمة:استأسدَ فحين نقول عن إنسان إنه استأسد فهذا يعنى أنه تجرأ جرأة الأسد، وحين نقول استأسد النبات فمعنى هذا أنه طال وتشعب، أما حين نقول استأسد فلان على فلان فهذا يعنى أنه اجترأ عليه.
ويحفل الشعر العربى بقصائد بغير حصر، كتبها أصحابها لكى يمدحوا– صدقا أو كذبا– من يمدحونهم من أصحاب الجاه والسلطان، كما أن هناك قصائد أخرى عديدة خصصها أصحابها للهجاء من خلال التهكم على الطغاة المتجبرين الذين يريدون التشبه بالأسود، دون أن تكون لديهم الشجاعة أو الجرأة ، فقبل سقوط الأندلس– مثلا- تهكم أحد الشعراء على الدويلات المتصارعة فيما بينها وعلى أسماء حكامها، فقال:
مما يزهدنى فى أرضِ أندلس
أسماءُ معتصم فيها ومعتضدِ
أسماءُ مملكةٍ فى غير موضعها
كالهرّ يحكى انتفاخاً صولةَ الأسدِ
بينما يسخر شاعر آخر من الفارس الذي يهرب من مواجهة أعدائه وأعداء قومه، لكن هذا الفارس المزعوم يستأسد على الضعفاء والمقهورين، وأحب هنا أن أؤكد أن هذا الشاعر ليس من أبناء عصرنا، ومع هذا فإنى لن أذكر اسمه أو لقبه، خوفا على ضريحه من أن ينبشه البلاطجة أو البلطجية أو الشبيحة إذا اهتدوا إلى مكانه، لكى ينتقموا ممن يحاول نزع صفة الأسد عن سيدهم وقائد مسيرتهم الدموية، أما السخرية الشعرية فتتجلى فى قول هذا الشاعر: أسدٌ علىّ وفى الحروبِ نعامةٌ
فتخاءُ تنفر من صفيرِ الصافر!
وبالطبع فإن هذا الأسد الذى يتحول إلى نعامة، يستدرجنى للحديث عن أسدين سوريين، لكى نتذكر ما ارتكبه أولهما وهو الأب، وما يرتكبه ثانيهما وهو الابن الوريث منذ ما يقرب من سنة كاملة على أرض سوريا.
لن نسمح للعدو الصهيونى بأن يستدرجنا إلى معركة، فنحن الذين سنحدد زمان ومكان المعركة... هذه مقولة خالدة للرئيس القائد حافظ الأسد، لأنها تؤكد أن إرادته الصلبة هى التى ستحرر الجولان السوية المحتلة، أما مقولته الثانية فإنها متواضعة لأنها تتحدث عن إرادة الله وليس عن إرادة الرئيس القائد، وأظن أن هذه المقولة محفورة فى قلوب اللبنانيين أجمعين، لأن اللافتة الضخمة التى كتبت عليها كانت معلقة فى قلب بيروت، بحيث يراها الجميع صباح مساء، وتؤكد المقولة بالحرف الواحد: أن الوحدة بين سوريا ولبنان لم نصنعها نحن بل صنعها الله!
كان على ذلك الأسد أن يحافظ على عرينه، إلى أن يقوم وحده بتحديد زمان ومكان المعركة ضد العدو الصهيونى، وكان عليه أن يقوم بتصفية أجساد الذين يتصورون أنه يتلكأ أو يتباطأ، فهو وحده القائد الحكيم الذى يفكر ثم يقرر، ومن هذا المنطلق تم اغتيال الكاتب سليم اللوزى صاحب مجلة الحوادث اللبنانية الشهيرة، وذلك يوم 24 فبراير سنة 1980، حيث قام خاطفوه- المجهولون– المعروفون- بإطلاق الرصاص على رأسه من الخلف، بعد أن وضعوا يده اليمنى فى حامض فتاك لكى تذوب اليد التى تنقد الأسد في السائل الحارق الرهيب، وفى يوم 7 ديسمبر سنة 1980 تم اغتيال الكاتب المفكر الدكتور عبد الوهاب الكيالى فى قلب مكتبه، وبعد سنة واحدة كان لابد من معاقبة الشاعر الكبير نزار قبانى بطريقة حضارية راقية، حيث تم تفجير مبنى السفارة العراقية فى بيروت يوم 15 ديسمبر سنة 1981 لمجرد أن بلقيس الراوى زوجة الشاعر الكبير كانت تعمل ضمن طاقم تلك السفارة.
لم يكتف الأسد ببطولاته فى تصفية المفكرين والكتَّاب، وإنما قرر أن يؤدب أهالى مدينة من مدن سوريا وهي ليست بالطبع من مدن الكيان الصهيونى، وهذا ما كان يوم 2 فبراير سنة 1982، حيث قام جيشه بقيادة شقيقه العقيد رفعت الأسد بارتكاب مجزرة مروعة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء مدينة حماة، وهدمت أحياء بأكملها فوق رءوس المدنيين السوريين، كما تم هدم 88 مسجدا إلى جانب ثلاث كنائس، وبعد انقضاء ثلاثين سنة على وقوع تلك المجزرة المروعة أحيا أبناء سوريا فى حماة وحمص ودرعا وسواها من المدن السورية ذكراها المحزنة.
فارق الأسد - الأب- الحياة يوم 10 يونيو سنة 2000 فكان لا بد أن يرث ابنه الشبل بشار مهمة قيادة سوريا لكى يكون خير خلف لخير سلف، ولأن هذا الشبل من ذاك الأسد كان عليه أن يقوم هو أيضا- اعتبارا من أواخر مارس 2011- بارتكاب مجزرة مروعة ضد مدينة درعا- وهى كما نعرف مدينة سورية وليست إسرائيلية– لكى تكون هذه المدينة عبرة لمن يريد أن يعتبر وعظة لمن يريد أن يتعظ، وحاول الشبل أن يتفوق على أبيه الأسد الميت، فقامت قوات جيشه بارتكاب جرائم أخرى وحشية فى مدن سورية، كان ذنبها أنها تضامنت مع درعا التى خرج أبناؤها للمطالبة بالحرية التى يتمتع بها سواهم ويتشوق إليها من لم ينعموا بها بعد.
بشار– الشبل- هو الوحيد الذي نجح فى أن يرث الحكم عن أبيه الأسد الميت، وكان هناك من يريدون أن يقتدوا به فى مصر واليمن وليبيا، لكنهم جميعا سقطوا أو على وشك السقوط، لكن بشار– الشبل- لن يحاول الآن أن يقتدى بهؤلاء الساقطين، ولن يجرب السقوط الاختيارى الذى يسمونه التخلى أو التنحى، وإذا كان صحيحا أنه الآن فى حالة خوف وقنوط، إلا أن الصحيح كذلك أن الجماهير الثائرة سترغمه– لا محالة- على تجرع مرارة السقوط .
* كأنى أسمع وأنا أختتم هذه السطور صوت أمير الشعراء أحمد شوقى:
سلام من صَبا بردى أرقُّ
ودمع لا يكفكف يا دمشقُ
نصحتُ ونحن مختلفون دارًا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.