كتب : حسين سراج .... لسنوات وسنوات حاولت تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى لكنها الآن وفى الوقت الذى يواجه فيه هذا الاتحاد أزمة اقتصادية خانقة لم تعد لديها الرغبة الشديدة للدخول فى هذا الاتحاد، فتركيا هذه الأيام توجه أنظارها ناحية الشرق وليس الغرب كما كانت فى السابق، وتفضل أن تتخلى هى عن أوروبا قبل أن تتخلى أوروبا عنها. فى أعقاب الانتصار الساحق الذى حققه فى انتخابات 2002 قرر رئيس الوزراء التركى الكاريزماتى رجب طيب أردوغان أن يضع مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى هدفاً رئيسياً أمام عينيه، وعمل حزب العدالة والتنمية الذى يترأسه بجدية تامة فى اتجاه تطبيق المعايير الأوروبية من إعطاء الحقوق للأقليات وإتاحة الفرصة كاملة أمام حرية التعبير، لكن الجهود التركية قوبلت بالتشكك وربما أيضاً بالاستهانة من قبل بعض الدول الأعضاء فى الاتحاد، والمؤكد أن السبب وراء ذلك يرجع إلى التركيبة السكانية للدولة التركية التى تضم المسلمين فى غالبيتها، ولذلك لم تحقق المباحثات مع الأوروبيين أى تقدم يذكر ولم تظهر أية إمكانية حقيقية بضم تركيا للاتحاد. ويرى الكثيرون من المحللين أن تركيا هى التى غضت الطرف عن الفكرة بعد أن احترقت الأوراق، فأوروبا غارقة فى أزمة ديون عميقة من ناحية ومن ناحية أخرى جاء الربيع العربى بمثابة فرصة أمام الأتراك لتحسين وضعهم ولكى يصبحوا قوة لها وزنها فى المنطقة، ولذلك أقدم الأتراك على الخطوة التى لم يتخيلوا حدوثها قبل عدة سنوات فقط وهى إدارة ظهورهم للاتحاد الأوروبى. يقول أرول يرار مؤسس مجموعة أعمال تركية محافظة دينية تضم 20 شركة وأحد المقربين لرئيس الوزراء «إن أردوغان سعى لأن يصبح أول زعيم مسلم محافظ يقدم تركيا إلى الغرب. لكن بعد أن خانته أوروبا تخلى عن طموحاته هذه». وتوجه تركيا ناحية الشرق الأوسط المتمثل فى الفترة الأخيرة فى إظهار القوة تم التعبير عنه فى فرضها للعقوبات على سوريا وإبداء استعدادها للتدخل العسكرى، كما أن تركيا الآن تعتبر بوقا للغضب الإقليمى تجاه إسرائيل خاصة بعد تجميد علاقاتها معها فى أعقاب الهجوم على أسطول الحرية الذى حاول الوصول إلى شواطئ غزة. وهناك ثمة سبب آخر لتدهور العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبى يتمثل فى تولى قبرص رئاسة الاتحاد هذا العام، فتركيا فى صراع سياسى مع قبرص منذ عام 1974 عندما قامت قواتها بغزو الجزيرة لمنع اتحادها مع اليونان، وأقامت هناك حكومة منافسة فوق جزء من الجزيرة يسكنه القبارصة الأتراك، وهى الحكومة التى لا يعترف بها أحد فى العالم بخلاف تركيا، وفى الشهر الماضى تحدث الرئيس التركى عبد الله جول عن قبرص باستهانة شديدة ووصفها بأنها نصف دولة سوف تترأس «اتحاداً بائساً» وفقا لما جاء فى صحيفة ميليت التركية. وفى الفترة الأخيرة عندما اقترحت فرنسا دعوة تركيا لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى لبحث الموقف فى سوريا اعترضت قبرص بشدة. وقبل ما يقرب من مائة عام وعندما انهارت الامبراطورية العثمانية أطلق على تركيا اسم رجل أوروبا المريض، أما الآن فهناك أتراك كثيرون يشعرون بالفخر وهم يرون اقتصادهم ينمو بمعدل 7.5% فىحين أن أوروبا غارقة فى مشاكلها الاقتصادية، وقد عبّر عن ذلك وزير الاقتصاد التركى ظافر كجليان عندما قال: أولئك الذين أسمونا مرضى فى السابق هم الآن المرضى. ومن شبه المؤكد أن محادثات انضمام تركيا للاتحاد وهى المحادثات التى تراوح مكانها تقريبا منذ عام 2006 سوف تتوقف تماما بعدما تتولى قبرص رئاسة الاتحاد فى يوليو 2012، لأن الحكومة التركية أعلنت أنها ستقاطع هذه الرئاسة أى أنها سوف تجمد المحادثات تماما. كما أن تقديرات الرأى العام فى تركيا تشير إلى تراجع تأييد الأتراك لفكرة الانضمام، فوفقا لاستطلاعات الرأى التى أجراها صندوق مارشال الألمانى فإن 73% من الأتراك فى عام 2004 كانوا يرون أن الانضمام للاتحاد أمر حيوى فى مقابل 38% فقط فى عام 2010.