التغنى بالقرآن الكريم يضمن ألا تكون التلاوة على وتيرة واحدة فيختلف النغم باختلاف المعانى التى تتضمنها الآيات الشريفة. فقد نزل القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة وفى المدينة، وفيما بينهما: وكان فى الأولى شديد اللهجة قاسيًا منذرا متوعدا الكفار، رهيب المعنى عليهم وكان فى الثانية ليّنا حلو اللفظ، لطيف المعنى، لذلك كان التغنى بالقرآن وسيلة للتعبير عن اللين تارة والترهيب تارة حسب معانى الآيات، وقد بارك الرسول الكريم هذا التغنى فى أحاديث كثيرة منها: *لم يأذن الله لشىء ما أذن لنبى يتغنى بالقرآن. * تعلموا كتاب الله، واقتنوه، وتغنوا به. * غنوا بالقرآن، ليس منا لم يغن بالقرآن، وابكوا فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا. * إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأ تموه، فأبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به فمن لم يتغن فليس منا. * زيّنوا القرآن بأصواتكم * حدّث أحدهم عن عائشة (رضى الله عنه) أنها قالت: أبطأت على رسول (صلى الله عليه وسلم) بعد العشاء، ثم جئت، فقال: أين كنت؟ قلت:كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد. فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلىّ فقال: هذا مولى أبى حذيفة، الحمد لله الذى جعل فى أمتى مثل هذا. * سئل أنس بن مالك رضى الله عنه عن قراءة النبى عليه الصلاة والسلام فقال: كان يمد مدا. * سمع بعض الصحابة عبد الله بن مغفل يقول: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته وهى تسير به، يقرأ سورة الفتح قراءة لينة وهو يرجع. * قيل إن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال لأبى موسى (رضى الله عنه) بعد سماع صوته فى قراءة القرآن الكريم: يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير داود. وبعد اتساع الفتوحات الإسلامية، واتصال العرب بالمدنيات الأخرى خاصة الفارسية واليونانية، صارت التلاوة تطريبا خاصة أن العربى محب للغناء بطبعه وهو موسيقى بفطرته يميل إلى الصوت العذب الجميل. وكأنما استشف الرسول (صلى الله عليه وسلم) حجب الغيب فكشف عن هذا الحال، واستدرك (صلى الله عليه وسلم) الخطر بحديث حذّر فيه من الإسراف فى التغنى وحذّر من أن يخرج هذا الإسراف فى التلاوة عما يستلزمه من خشوع وإجلال، فقال عليه الصلاة والسلام: اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، إياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابين، وسيجىء قوم من بعدى يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم. إذن مراعاة الاعتدال فى التغنى وعدم الإسراف فيه أمر واجب . فالتغنى ليس التحنين والترجيع إنما هو تحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم، فيجب تبليغ رسالة القرآن وتبليغ معانيه على الوجه الحقيقى المقصود وإلباس القارئ كل معنى لبوسه أو كما يقول حجة الإسلام الإمام الغزالى أن يقّدر أنه المقصود بكل خطاب فى القرآن، فاسمع فإن سمع أمرا أو نهيًا قدّر أنه المنهى أو المأمور، وإن سمع وعدًا أو وعيدًا فكمثل ذلك. فالموسيقى دائما يجب أن تكون فى خدمة المعانى، ولا تكون سببا فى عدم الخشوع والإجلال للقرآن الكريم. وهى قاعدة عامة لطريقة التعبير الصادق عن المقصود تلاوته أو قراءته أو التغنى به. وقد التزم معظم القراء بهذه القاعدة ثم سار على نهجهم الملحنون فى أغانيهم التى قدموها فى القرن الماضى.