قال له الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أنت من هنا تعرف ما لا تعرفه فى مصر، فكبار المسئولين هنا يتحدثون معك فى باريس وقد خلعوا ثوب الحذر والحيطة الذى يرتدونه فى مصر. وقد صدق.. فقد قدم لنا الكاتب الصحفى شريف الشوباشى فى كتابه الجديد «مستقبل مصر بعد الثورة» الصادر عن مكتبة مدبولى فصلا مليئا بالحكايات والمعلومات التى نسمعها ربما للمرة الأولى عن مبارك وبعض رموزه، أطلق عليه الشوباشى فى الكتاب عنوان «علم المباركولوجيا» مثل علم الإنثروبولوجيا أى علم دراسة الأجناس كاشفا فيه بعضاً من مفاتيح شخصية مبارك شديدة التركيب والتعقيد، خاصة أن الشوباشى قضى أكثر من 22 عاما منذ عام 1980 فى باريس منها خمسة أعوام بمنظمة اليونسكو الدولية والباقى مديرا لمكتب الأهرام فى باريس، حيث أتاح له وجوده الطويل هذا، مع زيارة مبارك الدائمة لباريس بمعدل مرتين وثلاثة فى السنة، أن يكشف بعض الأسرار والخفايا التى باح بها فى هذا الكتاب، ومنها: أن المسئولين الفرنسيين كانوا يتململون من كثرة تردد مبارك على باريس حتى إن وزير خارجية فرنسا هو بيرفدرين قال للشوباشى ذات مرة إنه لا يستطيع أن يتناول الغذاء مع مبارك فى كل مرة يأتى فيها لباريس لأنه يحضر كثيرا جدا إلى هنا مضيفا أن هناك شخصين فقط كانا يجعلان ميتران يقهقه من الضحك مع أنه شخصية تتميز بالجدية والصرامة وهما مبارك وعديله الممثل الشهير بفرنسا، وأن مبارك كان يروى نكتا وقصصا طريفة على ميتران معظمها حول الزعماء العرب خاصة القذافى. ويروى الشوباشى أن عمر سليمان قال له فى أحد فنادق باريس فى منتصف التسعينيات إن الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات آنذاك يتناول حقنة ثمنها 30 ألف دولار تعيد له الشباب والحيوية وكان هذا المبلغ وقتها فلكيا وكانت هذه الحقن جديدة فى هذا التاريخ، ويضيف الشوباشى بأنه لا شك عنده من أن سليمان هو الذى نصح مبارك بأن يتناول هذه الحقنة لإنعاش جسده الذى بدأت تظهر عليه أعراض الوهن والشيخوخة وعلى أية حال فمن الثابت أن مبارك كان يتناول حقنة منشطة من نوع خاص جدا فى السنوات الأخيرة من حكمه. واشتكى عمر الشريف لشريف الشوباشى من أن مبارك لا يحبه، ثم روى له هذه القصة، فى إحدى الزيارات النادرة من مبارك للندن، تلقى عمر الشريف دعوة على العشاء المقام على شرف الرئيس المصرى الذى لم يكن قد التقى به قبل ذلك وعندما اقترب عمر من مبارك صافحه الأخير بتجاهل وكأنه لا يعرفه، فارتفع صوت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر على الفور موجهة كلامها لمبارك: سيادة الرئيس ألا تعرف عمر الشريف ألا تعرف أشهر مصرى فى العالم، وامتقع وجه مبارك واستمر فى تجاهل عمر الشريف. يذكر الشوباشى أن أمين بسيونى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون والذراع اليمنى لصفوت الشريف قال له بعد الحوار الشهير الذى قال فيه الشيخ متولى الشعراوى لطارق حبيب بأنه ركع لله شكرا فور علمه بهزيمة الجيش المصرى فى يونيو 67 قال له حرفيا «الشيخ شعراوى حطنا فى وضع صعب بالكلام ده، لازم دلوقتى ندور له على بديل». ويضيف لهذه المعلومة واحدة أخرى بأن مسئول النشاط الثقافى بأحد الأندية الكبرى قال له فى يوم وهو يدعوه - أى شريف الشوباشى - لإجراء لقاء مع أعضاء النادى إن ضابطا بمباحث أمن الدولة طلب منه دعوة عمرو خالد بصيغة الطلب الذى لا يرد. روى اللواء أحمد عبد الرحمن رئيس جهاز الرقابة الإدارية الأسبق للشوباشى أنه ذهب للقاء مبارك قبيل إجراء تعديل وزارى وهو يحمل معه ملفا عن كمال الشاذلى الذى لم يكن قد تولى أى منصب وزارى بعد وقال اللواء عبد الرحمن لمبارك إن كمال الشاذلى مرشح لمنصب فى التشكيل الوزارى المقبل لكن هناك ملفا بمخالفات جسيمة وشبهات متعددة تحوم حوله، ونظر مبارك إلى الملف نظرة عابرة وقام بتغيير الموضوع، وبعدها بأيام قليلة تشكلت الوزارة وضمت بين صفوفها كمال الشاذلى. وعن فاروق حسنى يقول الشوباشى لعل أخطر ما لمسته فى وزارة الثقافة هو أن ثلاثة من أهم المتحكمين فى الوزارة كانوا يعملون فى مهن أبعد ما تكون عن الثقافة قبل أن ينعم عليهم فاروق حسنى بالمناصب والامتيازات أحدهم كان فى الأصل نقاشاً والثانى نجاراً والثالث سائقاً سابقاً، والأخير الذى تزوج من بنت شقيقة الوزير كان يعمل سائقا للدكتور عبد الأحد جمال الدين فى باريس، وعندما تم إلقاء القبض على أيمن عبد المنعم الذى كان الذراع اليمنى لفاروق حسنى كتبت مقالاً بعنوان «الفساد والثقافة» وسلمته للأهرام ولكننى فوجئت بعدم نشره، ولما ذهبت إلى مكتب أسامة سرايا رئيس التحرير قال لى قبل أن افتح فمى بكلمة: تصدق لو قلت لك إن هو شخصيا كلمنى فى الموضوع، وأضاف اتصل بى الريس ووصانى على فاروق حسنى بشدة وقال لى «اللى عنده كلمة كويسة عن فاروق يقولها واللى ما عندوش يسكت أحسن». وعن أنس الفقى يقول الشوباشى تزامنت عودتى للقاهرة مع تعيين الفقى وكيلا أول للثقافة الجماهيرية، وقد علمت أن أنس كان راقصا بفرقة رضا للفنون الشعبية، ثم بعد ذلك كان يقوم ببيع الموسوعات متنقلا بين مكاتب ومنازل زبائنه إلى أن فتح له الراحل سمير سرحان بابا ملكيا جعله يقفز قفزة ضخمة فى مجال تجارة الكتب فهو كرئيس للهيئة العامة للكتاب كان بوسعه أن يجعل موزعا أو صاحب دار نشر متواضعة أن يتحول إلى مليونير من خلال توقيع عقد مع الهيئة، وكان أنس واحدا من هؤلاء وفى البداية كان سمير سرحان عندما يتحدث عن الفقى يقول «الواد أنس» ولكن عندما تعدى مرحلة فاروق حسنى ودخل مرحلة سوزان مبارك وبدأ يحظى برضاها، كان سمير يشير إليه متهكما بتعبير أنس رضى الله عنه.