لماذا هذه العجلة فى طرح فكرة المجلس الاستشارى.. والتسرع فى إنشائه وتشكيله وعقد جلساته وطرح قضايا وموضوعات و«قوانين» فى منتهى الحيوية عليه؟ ولِمَ لَمْ يتم الحرص على ضم القوى والتيارات والأحزاب والشخصيات التى قاطعت المجلس الاستشارى.. مثلما حدث فى مواقف وأزمات أخرى عديدة.. منذ الثورة وحتى الآن؟ وما هى أبعاد تضارب التصريحات . أسئلة كثيرة تفرض نفسها فى هذه المرحلة الخطيرة التى تمر بها مصر.. وتتطلب منا جميعاً التوافق والوفاق والتصدى لخطر الانهيار الاقتصادى الوشيك.. وخطر الانهيار الأمنى الذى نشهده فعلاً.. وعمداً! بكل أسف. وليس أدل على ذلك من تصريح صديقى وزميلى حمدين صباحى المرشح لرئاسة الجمهورية من أن القدرة على ضبط الأمن خلال الانتخابات تؤكد أنه كان باستطاعتنا تحقيق ذلك على مدى الشهور الماضية، وحتى نكون أكثر واقعية وموضوعية فإن هناك العديد من المآخذ على المجلس الاستشارى. بداية يجب أن نعترف ونؤكد أن مجرد إصدار قرار تشكيل المجلس الاستشارى.. صدر سريعاً وبعجل شديد وذلك عقب أعظم عملية انتخابية شهدتها مصر عبر تاريخها وكان أحرى بنا أن نكون أكثر التزاماً بالديمقراطية عند تشكيل المجلس الاستشارى أو اتخاذ أى قرار آخر. وفى جملة اعتراضية.. نحن نؤكد تقديرنا المطلق للجيش المصرى العظيم الذى قام بأعظم الأدوار عبر تاريخ مصر.. لحمايتها من الأعداء، ولكن يجب أن يتسع صدرنا للنقد والحوار الموضوعى الجاد والبناء.. من أجل مصلحة مصر.. ومصلحتنا جميعاً. ومثلما فوجئنا بقرار إنشاء المجلس الاستشارى فوجئنا بأنه خلا من كثير من القوى والتيارات والشخصيات السياسية المحترمة والنافذة، وقد يرد البعض قائلاً: إنها هى التى رفضت المشاركة وامتنعت عن الاستشارى.. ولم يمنعها أحد! ولكن سرعة إصدار قرار التشكيل والتشكيل ذاته وعدم الاكتراث بالمعارضين.. بل استبعاد نقابات وتيارات مؤثرة (مثل نقابة الصحفيين) التى لم تتم دعوتها أصلاً.. كل هذا يؤكد أننا تسرعنا فى إنشائه. وليس أدل على ذلك من وجود شخصيات مثيرة للجدل تطلق تصريحات خطيرة تهدد الوطن وتثير النعرات وزاد الموقف توتراً عدم وجود أشخاص آخرين أحق بدخول المجلس والمشاركة فيه. وعندما نلاحظ القضايا و«القوانين» التى يناقشها المجلس.. نكتشف أنه سوف يناقش كافة الموضوعات الحيوية.. وفقاً لما صرح به د. منصور حسن رئيس المجلس.. عندما أكد أنه يتناول: قانون انتخاب رئيس الجمهورية ورعاية أسر الشهداء والمصابين وإنهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وإخلاء سبيل المعتقلين واقتراح إنهاء حالة الطوارئ «فوراً».. وقانون اختيار الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور. بل إن المجلس الاستشارى شدد فى بيانه على أنه يحتفظ بحقه فى تناول جميع الموضوعات التى تعرض عليه أو التى «يرى» أنها تهم الرأى العام.. هذه القوانين والقضايا الحيوية.. بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية وانتهاء باختيار الجمعية التأسيسية ورفع حالة الطوارئ تؤكد أن المجلس يحظى بصلاحيات واسعة.. ربما لا يحظى بها البرلمان المنتخب خلال دورته الأولى!! ولو نجح فى إنجازها لإصدار قوانين ومراسيم بها.. فقد لا تكون هناك قوانين «استراتيجية» للبرلمان الجديد!! ونحن نتساءل: لم هذه العجلة.. ولم هذا الحشد الهائل من القوانين السريعة أمام المجلس الاستشارى؟! هل نريد أن نعيد أسلوب مجلس الشعب القديم فى تفصيل القوانين حسب الطلب.. وحسب المقاس؟ وماذا يحدث عندما يأتى البرلمان الجديد ويلغى هذه القوانين أو يعدلها على أقل تقدير؟ هل سيدخل البرلمان فى مواجهة مع الحكومة والمجلس الاستشارى؟ ولو حدثت هذه المواجهات – لا قدر الله – هل تحتمل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية مثل هذه الصراعات المتوقعة؟ والتضارب فى التصريحات ليس عفوياً فنحن مسئولون ويدرك كل منا ما يقوله بمنتهى الدقة ولكنها ربما تكون عملية لتوزيع الأدوار أو جس نبض القوى السياسية المختلفة.. أو رسائل موجهة لأطراف خارجية وداخلية.. ونحن لسنا مثل الولاياتالمتحدة أو إسرائيل أو حتى دول غربية وعربية عديدة تجيد لعبة التصريحات والمناورات الكلامية، والوضع فى مصر لا يحتمل مثل هذه التصريحات.. المتضاربة. وفى إطار التساؤلات المشروعة والطرح الموضوعى لهذه القضية.. نعيد الكرَّة: هل المطلوب أن يدعم المجلس الاستشارى الحكومة فى مواجهة صعود التيار الإسلامى؟ أعتقد أن هذا الهدف خاطئ تماماً، فإنجاز الانتخابات واستكمال العملية الديمقراطية بنقل السلطة إلى المدنيين فى يونيو القادم – لو تم – سيكون أعظم إنجازات المجلس العسكرى، وهو إنجاز سيسجله التاريخ بأحرف من نور.. استكمالاً لدور الجيش فى حماية الثورة.. وحماية مصر أولاً وأخيراً. ونجاح الإسلاميين – أو غير الإسلاميين – يأتى عبر صندوق الانتخابات وليس بالتزوير والرشاوى التى اعتدنا عليها على مدى عقود طويلة.. منذ الخمسينات. هل المطلوب من تشكيل المجلس الاستشارى دفع التيار الإسلامى عموماً.. والإخوان المسلمين تحديداً.. إلى العزوف عنه وعدم المشاركة فيه؟! ربما يظن البعض ذلك. ولكننى أرى أن الإخوان المسلمين قد أخطأوا بعدم المشاركة.. فأنا ضد المقاطعة.. لأن مساوئها أكثر كثيراً من منافعها، وكان يمكن للإخوان والتيارات والأحزاب والشخصيات الأخرى المشاركة.. والمعارضة داخل المجلس الاستشارى.. وهذا أفضل لهم من المقاطعة. والتضارب فى التصريحات شمل تمديد عمل المجلس الاستشارى حتى نهاية يونيو القادم.. وليس حتى تشكيل البرلمان المنتخب.. كما قيل فى تصريحات سابقة. ولست أدرى لماذا هذا التضارب.. فى هذا التوقيت الحرج والخطير الذى تمر به مصر؟ إن الاستقرار الذى ننشده جميعاً يتطلب من كافة الأطراف ضبط التصريحات.. وليكن هناك متحدث رسمى واحد باسم المجلس العسكرى وباسم مجلس الوزراء وأيضاً باسم البرلمان فيما بعد.. حتى لا يحدث تخبط وحتى لا تزداد خسائرنا السياسية والمعنوية.. إضافة إلى خسائرنا المادية الفادحة. نحن ندعو الجميع إلى الحكمة فى اتخاذ القرار.. وضبط التصريحات وعدم الخضوع للضغط أو الابتزاز أياً كان مصدره.. ومهما بلغت قوته.