رغم أن الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب كان صاحب أجمل وأرق أصوات الرجال الغنائية فى تاريخ الطرب المصرى كله، إلا أن عبد الحليم حافظ كان هو الأكثر إحساسا والأقدر على الوصول إلى القلوب والتأثير فيها، وهو الذى أنهى عصر العافية الغنائية والاهتمام بالتطريب والتزيين الصوتى والعُرب على حساب المعنى والإحساس. ومع ذلك ما تزال الهوة شاسعة بين الأصوات الأقوى والأصح من الناحية الفنية البحتة، وبين القدرة على الوصول لجمهور المستمعين، وخاصة من الأجيال الجديدة. فزمان كان جيل عبده الحامولى وصالح عبد الحى يرى فى صوت عبدالوهاب خنوثة، وفى عزوفه عن المقدمات الغنائية الطويلة، وعن التكرار المبالغ فيه للكوبليهات نوعا من ضعف الإمكانات الصوتية، وعدم القدرة على «العفق» والتطريب، وهى نفس التهمة التى ووجه بها العندليب الأسمر عند بداية ظهوره، وخاصة مع إصراره على الغناء السهل الممتنع، وزهده فى استعراض العضلات الصوتية. وهذا هو أيضا السبب الذى جعل نجوم الغناء من الأجيال التالية يرسبون بالثلث فى امتحانات لجان الموسيقى بالإذاعة والتليفزيون، بداية من عمرو دياب وحميد الشاعرى وحتى مصطفى قمر وهشام عباس وغيرهم كثيرون، لا لأن أصواتهم ليست جميلة، ولكن لأنهم لا يغنون بحسب القواعد الموسيقية التقليدية للأداء الغنائى، من وجهة نظر أساطين الموسيقى الشرقية الذين يُحكمون مسابقات مهرجان الموسيقى العربية الآن بنفس المنطق، ولا يمنحون جوائزهم سوى لأبطال الوزن الغنائى الثقيل. ولذلك استمر مطربون من نوعية الأسمر محمد منير والمتجدد دائما عمرو دياب، فيما غاب عن المنافسة أصحاب أصوات قوية وجميلة مثل محمد الحلو وعلى الحجار وأحمد ابراهيم، لأنهم لم يواكبوا العصر، أو يقدموا شيئا جديدا ومختلفا يدفعهم للاستمرار بجانب حلاوة الصوت وطلاوته. وهذا بالضبط ما جعل لجنة موسيقية عقدتها مجلة أكتوبر والموسيقار محمد قابيل منذ أكثر من 20 سنة لاكتشاف مواهب غنائية جديدة، تحكم برسوب مغنية جميلة ورقيقة مثل عايدة الأيوبى، وتجيز مطربين ومطربات آخرين لم ينجح منهم فى الوصول للناس سوى إيهاب توفيق، لأنه غنى كما يغنى الشباب ، وبقيت عايدة فى الذاكرة، رغم اعتزالها، لأنها غنت بإحساسها وليس بعضلاتها.