يظن كثير من الناس - وأنا واحد منهم - أن الاعتصام والإضراب عن العمل لتحقيق بعض المطالب شيئاً طبيعياً خاصة إذا كان الغرض منه زيادة الدخل ورفع مستوى المعيشة، إلا أنه بسؤال أهل الذكر والمشورة رفضوا هذا الرأى تماماً وأكدوا أن الاعتصامات والاحتجاجات الوقتية.. والسعى لتحقيق مكاسب شخصية يدخل فى باب المحرمات وخيانة الأمانة لأن تعطيل مصالح الناس جريمة تستحق العقاب فى الدنيا وأمام الله يوم القيامة. وتعليقاً على هذا يقول د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر إنه بالنظر السليم فى النصوص الشرعية مثل قوله تعالى:(ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها)، وفى توجيهات النبى صلى الله عليه وسلم «لاضرر ولا ضرار» وفى القواعد الشرعية نجد ما يؤكد على أن درء المفاسد يقدم على جلب المصالح.. وأضاف كريمة أن هذا كله وأمثاله ونظائره يؤدى إلى نتيجة واحدة وهى أن الامتناع عن آمانات العمل يعد مخالفا للشريعة الاسلامية، لأن العمل أمانة والله تعالى أوجب علينا الوفاء بها، فقال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، والإضراب فيه تعطيل لمصالح الناس وهذا مخالف لقول النبى صلى الله عليه وسلم «الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه». مشيرًا إلى أن الاضراب أيضا فيه تضييع للإيثار الذى قال فيه رب العزة: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، كما يصحبه تعريض المجتمع لأضرار فى الاقتصاد وسوء سمعة مصر بين الدول وفيه من المضار ما لا يخفى. ويتابع بأن الذين يشجعون على الاعتصام والاضراب ويهربون من العمل بحجج واهية متساوون تماما بالذين يأكلون السحت أو أموال الناس بالباطل لأنهم يصرفون رواتب لم يعملوا بها ولايستحقونها أصلا وهذا يعد خيانة للأمانة كما ذكرت آنفا. وينصح د. كريمة الإنسان الذى يتضرر من شئ أن يلجأ للقنوات الشرعية لأن إتلاف المنشآت والممتلكات وقطع الطرق وتكدير الأمن العام بمثابة الحرابة التى حرمها الله. أما د. حامد أبوطالب الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية فيقول: إن الملاحظ فى موضوع الاضرابات والاعتصامات أنه يؤدى إلى حدوث الانفلات موضحا أن ما يحدث هذا يعد سلوكاً غير لائق ولايصح شرعا وعلى وجه التحديد من فئات معينة، حيث يجوز لبعض العمال القيام بالاعتصام والامتناع عن العمل لكنه إثم كبير على البعض الآخر كعمال المطاحن والمخابز والمستشفيات. لأن هذه الفئات تعرض الدولة لأخطار جسيمة وتوقعها فى مذابح ومجاعات. وقد يصل الأمر إلى حدوث وفيات مما يعد قتلا للأنفس. مشيرا إلى أن هؤلاء يحرّم عليهم شرعا القيام بمثل هذه الأفعال من اعتصامات وإضرابات، فلا يقبل أن يقوم الصيادلة بغلق صيدلياتهم والامتناع عن بيع الأدوية. أما عن إضرابات المعلمين والأئمة فيرى د.أبوطالب أنه يجب أن نقر مبدئيا بأنهم قد ظلموا عمدا فى ظل النظام السابق، لكن لايعنى هذا الظلم أن يظلموا الناس.. فما ذنب المرضى والتلاميذ وكيف نتصور أن أئمة المساجد يمتنعون وهم أصحاب رسالة عن الصلاة وأداء خطبة الجمعة ويتركون الناس، واختتم عضو مجمع البحوث الاسلامية أن أمثال هؤلاء رغم أنهم من المظلومين فلا يليق بهم أبدا أن يضعوا أنفسهم فى أيدى المخططين لخراب مصر؛ موضحا أن استمرار المظاهرات والاعتصامات على هذا النحو من شأنه أن تتوقف عجلة الإنتاج وهو الأمر الذى لايطلبه إلا كل عدو لمصر. من جانبه أكد د. محمد رأفت عثمان عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث أن إبداء الرأى وحرية الأفكار مكفولة فى الإسلام وهى حق لكل فرد من أفراد الأمة لكن كل الحقوق لابد فيها من ضوابط.. فلا يوجد حق إلا ويكون مقيداً بشرط أو شروط سواء كان ذلك من جانب الواجبات أو المباحات حتى المشى فى الطريق بالرغم من أنه حق لكل فرد. وأضاف أن الشريعة الإسلامية كفلت ذلك وكل القوانين والدساتير الوضعية كذلك إلا أنه - أى التعبير عن الرأى - لو أخذ صورة تضر بالمجتمع فلا يكون مباحا شرعا ولا دستوريا موضحا أن الاعتصامات إذا أدت إلى تعطيل مصالح الناس فإنها تدخل بذلك فى جانب الممنوعات. وطالب د. عثمان كل من يطالب بحقه أن يسلك الطرق البعيدة عن الإضرار بمصالح الأمة وفى ذلك سبل متعددة.